“نحن هنا”
خطوات “تحرير الشام” لتثبيت وجودها في درعا
عنب بلدي – درعا
عاد اسم “هيئة تحرير الشام” للظهور من جديد وبشكل بارز في محافظة درعا، في شكل يوحي بأنها تسعى لتذكير الجميع بوجودها بين فوضى الفصائل، بعد أكثر من عامين على الاختفاء الإعلامي الذي سبقته ثلاث سنوات من الهيمنة المطلقة، ما يطرح تساؤلات حول الهدف الذي تسعى من ورائه لإعادة إثبات وجودها من جديد.
وارتبطت هذه التطورات مع الركود العسكري الذي يشهده الجنوب، والذي أعاد بدوره تسليط الضوء على الفصائل العسكرية في المنطقة، لا سيما بعد محاولات بعضها للاندماج، وظهور مشاريع لتشكيل كيان بديل عن الجبهة الجنوبية، إضافةً إلى تكرار تجارب غرف العمليات المشتركة كبديل عن عمليات الاندماج.
وتضم محافظة درعا عدة تشكيلات عسكرية أبرزها فصيل “قوات شباب السنة”، و”جيش الثورة” وهو تحالف مجموعة من الفصائل، وغرفة عمليات “البنيان المرصوص” وهي غرفة عمليات استمر عملها لسنوات، لتضاف إليها “محكمة دار العدل” باعتبارها المظلة القضائية الوحيدة في المحافظة.
وجود الفصيل بدأ بتفجير الحراك
في حزيران 2012 دوى انفجار عنيف لسيارة مفخخة على حاجز لقوات الأسد في مدينة الحراك بريف درعا الشرقي، وأعلنت حينها “جبهة النصرة” (المنضوية حاليًا في هيئة تحرير الشام) مسؤوليتها عن العملية داخل الأوساط الإعلامية والشعبية، ليُعتبر إثبات الحضور الأقوى للجبهة في محافظة درعا حينها.
وعقب ذلك توالت العمليات العسكرية، التي جعلت من “النصرة” أحد أبرز وأقوى الفصائل العسكرية المعارضة جنوبي سوريا، وامتلكت من القوة ما مكنها من بسط أحكامها على بقية الفصائل واعتقال قياديين عدّة كان أبرزهم أحمد فهد النعمة قائد المجلس العسكري في محافظة درعا، الذي اعتقلته في أيار 2014 بتهمة تأسيس جيش وطني، ليتم إعدامه لاحقًا.
لم يقتصر الأمر على التحرك الميداني، بل انتقل إلى الشرعية القضائية من خلال “محكمة الكوبرا” التي عملت لسنوات كمظلة قضائية للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في درعا، وانتزعت سيطرتها كذلك على مواقع استراتيجية عديدة من قوات الأسد، أبرزها تل الجابية في ريف درعا الغربي، في نيسان 2015، لتفرض “النصرة” نفوذها القوي في الجنوب الذي امتد لمحافظة القنيطرة والغوطة الغربية في ريف دمشق.
نقاط مفصلية تم احتواؤها
تعرضت “النصرة” لأكبر صدمة في مسيرتها جنوبًا بعد أن أُصيبت بـ “شرخ” كبير إثر دخولها في معركة واسعة ضد “لواء شهداء اليرموك” في منطقة حوض اليرموك، وفشلت في حسم المعركة آنذاك رغم تنفيذ أحد مقاتليها لعملية “انتحارية” أودت بحياة قادة الصف الأول في “شهداء اليرموك”، في تشرين الثاني 2015.
نقطة التحول الأكبر في مسيرة “جبهة النصرة” في الجنوب كانت بعد حوالي شهر، على خلفية خروج العشرات من قادتها من محافظة درعا إلى محافظة إدلب مرورًا بمناطق سيطرة قوات الأسد، في واحدة من أكثر الصفقات غموضًا في الثورة السورية، لتدخل “الجبهة” أو ما تبقى منها في نفق مظلم وضع مستقبلها على المحك، ووجودها في جنوب سوريا بلا تأثير.
أكثر من عام ونصف عاشت خلالها “النصرة” في مرحلة “إعادة تأهيل” في سوريا عمومًا وجنوبها خصوصًا، تبدّلت فيها إلى مسمى “جبهة فتح الشام” ثم إلى “هيئة تحرير الشام”، لتعيد “الهيئة” تركيزها إلى محافظة درعا مرة أخرى عندما شاركت بقوة في معركة “الموت ولا المذلة” ضمن غرفة عمليات “البنيان المرصوص”.
وأرسلت قيادة “تحرير الشام” في الشمال طاقمًا إداريًا جديدًا إلى الجنوب، في أيار 2017، للعمل على إعادة هيكلة فرع الجنوب وإعادته إلى الساحة مجددًا، لـ “تُصدم بالواقع الجديد المختلف كليًا عما تعيشه الهيئة في الشمال”، بحسب ما قاله مصدر مقرب من “تحرير الشام” في الجنوب، طلب عدم الكشف عن اسمه.
وأوضح المصدر أن “الهيئة ذات نفوذ قوي وكامل في إدلب، بينما في درعا هي على شكل مجموعات متفرقة، وغير قادرة على الاصطدام بفصائل الجيش الحر”.
وكان من أهداف القيادة الجديدة العمل على إعادة النفوذ لـ “الهيئة” وإظهارها كطرف ضامن لأهداف الثورة، لا سيما مع حالة التبعية التي تعيشها فصائل “الجيش الحر” في الجنوب، بحسب وصفه.
خطوات لتثبتت الوجود
قادت “تحرير الشام” في الجنوب بعد وصول القيادة الجديدة سلسلة من المعارك إلى جانب عدد من فصائل “الجيش الحر” كان أبرزها في مدينتي البعث وحضر بمحافظة القنيطرة، إضافةً إلى مشاركتها بقوة في معركة بيت جن في الغوطة الغربية في محافظة ريف دمشق، لكن الفشل في جميع هذه المعارك أعطى انطباعًا لدى قيادة “الهيئة” بضرورة البحث عن طريقة أخرى لإعادة تثبيت الوجود دون قيادة معارك خاسرة بحسب المصدر.
وقال إن التطورات السابقة دفعتها إلى تركيز جهدها العسكري على عمليات “محدودة الأثر” على الأرض، وذات أثر إعلامي وشعبي كبير في ظل الهدوء العسكري، إضافةً إلى تركيز جهدها المدني على حل مشاكل الأهالي وبشكل خاص المشاكل التي تكون فصائل من “الجيش الحر” طرفًا فيها.
واعتبر المصدر أن “الهيئة” استغلت حالة الفساد والتبعية داخل الفصائل، وروجت لنفسها كطرف ضامن لحقوق الأهالي، وظهر الأمر بشكل كبير في أيلول 2017، عندما تم تعيين “الهيئة” كطرف حاكم بين أهالي عناصر من “الجيش الحر” قتلوا على يد “جيش خالد”، وبين قيادة الفصيل الذي يعملون فيه.
عقب ذلك تلاحقت “الوساطات” التي قامت بها “تحرير الشام” في الجنوب، حتى وصلت أوجها في كانون الثاني 2018 الجاري، عندما وضعت حواجز للفصل وإيقاف الاشتباكات بين أكبر فصيلين من “الجيش الحر” في درعا، إثر الخلاف الذي اندلع بين “قوات شباب السنة” و”جيش الثورة” في ريف درعا الشرقي.
نجاح “الهيئة” في أخذ الخطوات الأولى لإعادة تثبيت وجودها في الجنوب دفعها لأخذ خطوة أكبر في أواخر كانون الثاني 2018 أيضًا، عندما نفذت عملية إعدام ميداني جماعية لخمسة من المعتقلين في سجونها، بتهمة انتمائهم لتنظيم “الدولة الإسلامية” في عملية انتقامية جاءت بعد يوم واحد فقط من انفجار سيارة مفخخة على حاجز لها أودى بحياة عدد من قيادييها.
وقال المصدر إن قيادة “الهيئة” وجدت التوقيت فرصة مناسبة لتنفيذ الإعدام، إذ ستظهر كطرف يأخذ الثأر لقتلاها، لكنها في ذات الوقت لم ترد الاستعراض والاصطدام بمحكمة “دار العدل” فنفذت العملية بعيدًا عن الأهالي، لتكون هذه العملية الخطوة الأولى من نوعها خارج نطاق عمل “دار العدل”، ضمن المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في الجنوب.
كما أنها الإعلان الأول غير المباشر عن امتلاك “الهيئة” لمعتقلات وجهاز قضائي خاص بها، رغم الشرعية التي تمتلكها “دار العدل” بصفتها الجهة القضائية الوحيدة.
وأشار المصدر إلى أن “الهيئة” لديها مجموعة سجون سرية ومعلنة، بينها ثلاث سجون في منطقة اللجاة، وسجن رئيسي في تل الجابية قرب مدينة نوى، وسجن في منطقة مثلث الموت.
“دار العدل” تبتعد عن الأحكام
وتبقى أعداد المعتقلين وآليات التحقيق والحكم والقضاء داخل هذه المعتقلات مجهولة، لا سيما أن “تحرير الشام” لم تسمح مسبقًا لجهات حقوقية مستقلة بالكشف على هذه المعتقلات.
في حديث مع رئيس محكمة “دار العدل”، عصمت العبسي، قال إن حادثة الإعدام الأخيرة على يد “تحرير الشام” لم يكن لدار العدل أي دور فيها.
وأضاف أن اعتقال الأشخاص كان في عام 2015، أي في بداية تأسيس محكمة “دار العدل”، لكن تنفيذ الإعدام وإصدار الحكم كان متأخرًا، مؤكدًا أن “المحكمة” لا تعترف بأي جهاز قضائي خارج مؤسسة القضاء، رغم إقراره بعملياتها الأمنية.
عدد سجناء “تحرير الشام” غير معلوم، وبحسب العبسي لا يوجد للفصائل العسكرية أي ملف قضائي خاص، سوى “الهيئة” التي تعتمد على أحكام صادرة عن شرعييها فيما يتعلق بالموقوفين المرتبطين بتنظيم “الدولة الإسلامية”.
تثير تجربة “هيئة تحرير الشام”، سواء بمسماها الحالي أو مسمياتها السابقة، الكثير من علامات الاستفهام حول تناقضاتها داخل الثورة السورية، إذ حاربت فصائل “الجيش الحر” في الشمال حتى إنهائها، وتحالفت معها جنوبًا حتى درجة التحاكم إليها في خصومات الفصائل.
وهددت الفصائل المتحالفة إقليميًا من الاقتراب من مناطق سيطرتها شمالًا وعملت جنبًا إلى جنب مع ذات الفصائل جنوبًا، وبين اختلافات الشمال عن الجنوب بات واضحًا أن إعادة تثبيت “الهيئة” لقدمها في جنوب سوريا مستقبلًا مرتبط بشكل كبير بما ترسمه الدول الإقليمية لهذه المنطقة، وهي التي مازالت تصف “تحرير الشام” بأنها ذراع تنظيم القاعدة في سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :