“باترسون”.. فن إعادة تدوير الحياة

لقطة من فيلم "paterson" (انترنت)

camera iconلقطة من فيلم "paterson" (انترنت)

tag icon ع ع ع

يُتقن فيلم “PATERSON” ما يمكن أن نسميه فن “إعادة تدوير الحياة”، إذ يعرض حياة يومية وروتينية لسائق حافلة وزوجته، على مدار أسبوع كامل، بمهارة تحمي مشاهديه من الملل.

الفيلم يحمل اسم بطله “باترسون”، وهو اسم المدينة الأمريكية التي يعيش فيها كذلك في نيوجرسي، كما أن هذا الاسم عنوان لديوان شعر لأحد أفضل الشعراء الذين يحبهم “باترسون” سائق الحافلة.

إعادة تدوير الحياة تتمثل بكتابة “باترسون” نفسه للشعر، لكن ما يعرضه الفيلم هو مراحل نضوج هذه القصيدة، التي تبدأ من الملاحظة، ثم كتابة شيء بديهي وعادي للغاية، ثم قيام البطل بربط ما كتبه بحياته وحياة زوجته بشكل مبهر، وربما يكون هذا الربط هو صاحب اللمسة الشعرية على القصيدة التي يجري تأليفها أمام المشاهد.

غالبًا يتداول الناس أفكارًا عن الفنانين والأدباء بأن حياتهم غريبة للغاية، مليئة بالأحداث غير المتوقعة، بينما يقدم مخرج الفيلم وكاتبه جيم جرموش نموذجًا من خلال شخصية “باترسون”، التي يلعبها الممثل آدم درايفر، وزوجته “لورا”، التي أدت شخصيتها الممثلة غولشيفته فاراحاني، مناقضًا تمامًا للفكرة الشائعة، إذ إن الزوجين يعيشان حياة مكررة ومضبوطة بشكل كبير.

يستيقظ “باترسون” يوميًا بنفس التوقيت تقريبًا، يتناول فطوره، يكتب قليلًا في الحافلة قبل بداية العمل، يستمع إلى أحاديث الركاب خلال النهار، يعود إلى منزله ويشارك زوجته العشاء، يحظى ليلًا بجولة قصيرة برفقة كلبه “مارفن”.

الحياة التي يحياها “باترسون” و”لورا” بسيطة جدًا، لكنها مفعمة بالرضا الذي يشيع جوًا من الحب على مدار الفيلم، من خلال اهتمام “لورا” بما يكتبه زوجها، لاعتقادها بأنه شاعر “عالمي”، وتشجيعها له لنشر كتاباته، وضحكها على دعاباته “السخيفة” أحيانًا، وإلهامها له بأي كلمة تقولها، وكأنه ينتظرها أن تخبره ما رأته في الحلم مثلًا ليبدأ ملاحظة العالم بأسره بشكل مختلف.

غالبًا ما تتجنب عنب بلدي حرق أحداث الأفلام أثناء مراجعتها للأعمال السينمائية، لكن هذا الفيلم ينتمي لذلك النوع من الأفلام التي لا يمكن حرقها، فقيمته تأتي من شحنة العاطفة الكبيرة التي يحملها، والتي تسمح لكل مشاهد بتشكيل انطباعه الخاص والمتنوع بتنوع الأشخاص.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة