تقاسيم على القهر
إبراهيم العلوش
تعالوا نتقاسم الأرض والتاريخ والأوهام، لم نعد قادرين على استمرار تبادل الاتهامات، ولنبدأ بالأشياء الصغيرة قبل الكبيرة:
لكم المتة الحمراء، ولنا المتة الخضراء.
لكم كُتاب التقارير، ولنا كُتاب الفتاوى.
لكم ستالين، ولنا جمال عبد الناصر.
لكم الوحدة العربية حتى جزر القمر، ولنا الوحدة الإسلامية حتى سلطنة بروناي.
لكم زياد الرحباني، ولنا فيروز.
لكم علي الديك ولنا القاشوش.
لكم الخامنئي وبوتين، ولنا أردوغان وميركل.
لكم المخابرات الجوية والعسكرية ومحاكم الإرهاب في الأقبية، ولنا المحاكم الشرعية والمحاكم الميدانية في الحدائق والملاعب.
لكم الحواجز وتفتيش الهويات، ولنا الذعر وقذائف الهاون ورصاصات القنص.
لكم البرادات والغسالات وكل ما عفشتموه، ولنا الخيم والمساعدات.
لكم أم البيارق ولبوات الأسد، ولنا ليلى مصطفى ولبوات أوجلان.
لكم كوكب المشتري لتعقدوا صفقاتكم مع الروس والإيرانيين تحت ضوئه، ولنا كوكب المريخ مصدر المؤامرة الكونية التي قادها بندر بن سلطان.
لكم الشاحنات المحملة بأكداس المؤامرات، ولنا الجِمال التي تعيدنا إلى السلف الصالح.
لكم الحسين ولنا الحسن، لكم زواج القاصرات في سن التاسعة، ولنا الزواج السريع بسرعة إعداد وجبة الهمبرغر.
لكم الجبال والقرى الشاهقة، ولنا المدن المدمرة.
لكم لينين ولؤي حسين، ولنا ماركس وبرهان غليون، لكم خالد بكداش ولنا رياض الترك، لكم صفوان قدسي ولنا سهير الاتاسي.
لكم الشيخ أحمد حسون والشيخ أحمد شلاش، ولنا الشيخ أحمد طعمة والشيخ رياض ضرار.
لكم شريف شحادة ولنا سمير جعارة، لكم غسان الميادين، ولنا غسان الأورينت.
لكم الإمساك ولنا الإسهال، لكم المسبات ولنا الأدعية، لكم الحقد ولنا الضياع.
تعالوا نتقاسم كل الأشياء، كل ما هو لنا.. وحتى كل ما هو ليس لنا:
لكم البراميل ولنا الكيماوي، لكم الصواريخ ولنا المفخخات.
لكم نضال الصالح وحسن حميد، ولنا نوري الجراح ورشا عمران.
لكم بثينة شعبان ولنا بسمة قضماني.
لا تتركوا شيئًا يخطر ببالكم أو يؤرق وجودكم دون قسمة، دعونا نتقاسم كل شيء حتى الماء والهواء:
لكم الإشارة الحمراء ولنا الإشارة الخضراء، لكم يسار الطريق ولنا يمين الطريق، لكم القهوة والعَرَق، ولنا الشاي والكازوز.
لكم القمر ولنا الشمس، لكم الليل ونواديه الصاخبة، ولنا النهار ودروبه الطويلة، لكم الثمار ولنا الأزهار.
لكم كتاب “هكذا قال الأسد” مع ترجمته إلى الإنكليزية، ولنا كتاب “المنطلقات النظرية” ومجموعة فتاوى علماء الشام.
لكم حسن نصر الله وقاسم سليماني، ولنا غيفارا وأحمد الجربا.
لكم سوتشي والأستانة وجنوب لبنان، ولنا جنيف وفيينا وجنوب تركيا.
لكم الصين ولنا أوروبا، لكم كوريا الشمالية ولنا السودان. لكم دبي ولنا أبو ظبي. لكم طهران ولنا الرياض. لكم الكراجات ومطربوها والمطارات وميليشياتها، ولنا طرق التهريب وموانئ البلم وسفن الموت.
لكم الغاز والفوسفات وروث البقر، ولنا البترول والحطب وبعر الإبل والغنم.
تعالوا نرسم الحدود بيننا ونرصف أبناءنا وأبناءكم على حدود ممتلكاتنا، وعلى حدود ممتلكاتكم، تستطيعون مخاطبتنا عن طريق ديمستورا، إذا فكرتم بإراحة أمعائكم من هذا الإمساك المزمن، بتبادل حصص مدروسة من الإسهال، وبإشراف دولي. ونستطيع أن نعيركم كتاب “المنطلقات النظرية”، مقابل أن تعيرونا قليلًا من خطب الشيخ أحمد حسون مثلًا.
سوف نتعايش حتمًا على حدود الدول والقارات والكواكب والأوهام، سوف نتعايش بقهر مادامت خطابات بشار الأسد والجولاني هي التي تدير هذه المجازر، سوف نتعايش حتمًا، مادمنا قادرين على تنفس الكيماوي، وتحمل البراميل، ومادمتم قادرين على المسير بجنازات أبنائكم، المزينة بصور نياشينهم، التي تشبه نياشين وأوسمة مصطفى طلاس.
دعونا نتقاسم الحقد والقهر بيننا، دعونا نتقاسم الموت ونوزعه على أبنائكم، وعلى أبنائنا، من أجل الحفاظ على التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، ومن أجل الاستفادة من دعم الاتحاد السوفياتي الصديق، ومن أجل صمود محور الممانعة.
تعالوا بمكاييلكم، وبحبال قياس أطوال الأراضي، وبمفكريكم الذين يمخضون التكتيكات من قلب الاستراتيجية، ويخرجونها مثلما تخرج الزبدة الحموية من حليب أغنام بادية الشام. انصبوا قبانًا كبيرًا لقياس الأوزان، واجلبوا دفاتر للسجلات من قياس 10هكتارات للصفحة الواحدة… تعالوا نتقابل على أرض لنا أو لكم أو بيننا وبينكم…
ولكنني أخشى أيها المنتصرون ألا تسمح الميليشيات الأجنبية، ولا ملحقاتها الوطنية، ولا الجيوش الغازية، ولا الفصائل الجبلية المندفعة من جبال قنديل نحو سهول سوريا الخصبة، لأي منا بالاقتراب مما استولوا عليه من جسد سوريا.
أخشى أنها لن تسمح لأي منا أن يقف على حدود ممتلكاتهم الجديدة، التي صارت تشمل كل سوريا، ولن يسمحوا لنا جميعًا، أن ننظر إليها بعيوننا، إنها صارت مملتلكاتهم التي غنموها بدماء أبنائنا وأبنائكم!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :