صادف وفاة ناشط الإنترنت جون بيري بارلو، في ذات اليوم الذي نشر فيه “إعلان استقلال الفضاء السبراني (الرقمي)”، من دافوس في سويسرا قبل 21 سنة، في 8 شباط.
وتأتي هذه المصادفة في ظل محاولات حكومية حول العالم، لفرض سيطرتها على الإنترنت، بعد أحداث سياسية هزت العالم كان الفضاء الرقمي أرضية مناسبة لدعمها، أبرزها وصول دونالد ترامب، إلى كرسي الرئاسة الأمريكية.
وبعد مواجهة عدة شركات شهيرة حول العالم، مثل “فيس بوك” و”تويتر” و”جوجل” و”يوتيوب” وغيرها لدعاوى قضائية، للتضييق عليها، أعاد موقع المنتدى الاقتصادي العالمي نشر إعلان بارلو، متسائلًا عن حاجتنا اليوم لكتابة عقد اجتماعي جديد لعالم الإنترنت.
وبالرغم من الحاجة الماسة لضبط عالم الانترنت تجنبًا لانتشار دعاوى تحض على الكراهية أو التطرف أو العنف، تحاول بعض الحكومات حول العالم استغلال الوضع لفرض المزيد من الرقابة، واستغلال الفضاء الالكتروني لفرض سياساتها.
وهنا تُقدم عنب بلدي ترجمة خاصة للبيان المنشور عام 1996.
إعلان استقلال الفضاء السبراني
حكومات العالم الصناعي، عمالقة الضجر من اللحم والمعادن، جئت إليكم من الفضاء الإلكتروني، الموطن الجديد للعقل، لأطلب منكم بالنيابة عن المستقبل تركنا وشئننا، غير مرحب بكم بيننا، وليس لديكم سيادة حيث نجتمع.
ليس لدينا حكومة منتخبة، لا يحتمل أن يكون لدينا يومًا ما، لذلك فإنني أخاطبكم بسلطة ليست أكبر من تلك التي تعبر الحرية من خلالها عن نفسها، لأعلن أن الفضاء الاجتماعي العالمي مستقل بطبيعته عن الطغيان الذي تحاولون فرضه علينا، ليس لديكم أي حق أخلاقي لحكمنا، ولا تملكون أدوات نخشاها.
تستمد الحكومات العادلة شرعيتها من قبول المحكومين بها، وأنتم لم تطلبوا ذلك ولا نحن أعلناه لكم، ولا ندعوكم إليه، أنتم لا تعرفوننا ولا تعرفون عالمنا، الفضاء الالكتروني لا يقع ضمن حدودكم، ولا يمكنكم التعامل معه وكأنه مرفق عمومي، لأنه من نتاج الطبيعة، ويُنمي نفسه من خلال أعمالنا الجماعية.
لم تشاركونا في محادثاتنا الكبيرة، ولم تصنعوا الثروة التي في أسواقنا، لا تعرفون ثقافتنا وأخلاقنا وقوانيننا غير المكتوبة، التي تنظم عالمنا أكثر من أي قانون قد تفرضوه علينا.
أنتم تدّعون وجود مشاكل بيننا يتوجب علينا حلّها، وتستخدم هذا الادعاء كذريعة لغزو عالمنا، بالرغم من أن العديد من هذه المشاكل غير موجودة، وحيثما يوجد أخطاء وصراعات حقيقية سنحددها ونعالجها بطريقتنا، نحن نعمل على إنشاء عقد اجتماعي خاص بنا، وستنشأ حكومتنا بناءً على ظروف عالمنا الذي يختلف عن عالمكم.
الفضاء الإلكتروني يتكون من المعاملات والعلاقات والفكر نفسه، وهي أشبه بموجة دائمة في شبكة الاتصالات لدينا، عالمنا موجود في كل مكان ولا مكان محدد له في ذات الوقت، لكنه ليس حيث توجد الأجساد.
إننا ننشأ عالمًا يمكن للجميع الدخول إليه، دون أن يكون هناك حكم مسبق عليهم بسبب عرقهم، أو مستواهم الاقتصادي والعسكري، أو مكان ولادتهم.
نحن نخلق عالم حيث يكون باستطاعة أي شخص، وأينما كان، التعبير عن معتقداته بغض النظر عن تفردها، ودون خوف من إرغامه على الصمت أو مطابقة الآخرين.
مفاهيمكم القانونية عن الملكية والتعبير والهوية والحركة والسياق لا تنطبق عليها، فكلها مبنية على المادة، وفي عالمنا لا وجود للمادة.
هوياتنا ليس لها أجساد، لذلك خلافًا لكم لا يمكن فرض النظام عن طريق الإكراه البدني، بينما نعتقد أن الأخلاق، والمصلحة الخاصة المستنيرة، والمصالح العامة المشتركة، ستبني حكومتنا.
قد يتم توزيع هوياتنا على العديد من سلطاتكم القضائية، لكن القانون الوحيد الذي تعترف به ثقافتنا التأسيسية هز القاعدة الذهبية، نأمل أن نستطيع بناء حلولنا الخاصة على هذا الأساس، لكن لا يمكننا القبول بالحلول التي تحاولون فرضها علينا.
وضعتم قانون لإصلاح الاتصالات السلكية واللاسلكية في الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل مناقض للدستور نفسه، ومهين لأحلام توماس جيفرسون، وجورج واشنطن، وجون ستيوارت ميل، وجميس ماديسون، وألكسس ديتوكيفيل، ولويس دمبتس برانديس، هذه الأحلام يجب أن تولد من جديد فينا.
أنتم مرعوبون من أطفالكم، لأنهم مواطنون في عالمٍ ستبقون دومًا مهاجرين إليه، ولأنكم تخشون من ذلك، فأنتم توكلون للبيروقراطية دومًا القيام بمهامكم الأبوية التي تخشون مواجهتها بأنفسكم.
المشاعر الإنسانية من أدناها إلى أكثرها ملائكية، هي جزء من عالمنا غير المتمايز، ولا يمكننا فصل الهواء الذي يخنق عن ذلك الذي ترفرف الأجنحة فوقه.
في الصين وألمانيا وفرنسا وروسيا وسنغافورة وإيطاليا والولايات المتحدة، تحاولون درء فايروس الحرية من خلال إقامة مواقع حراسة على حدود الفضاء الالكتروني، قد يدفع هذا عنكم العدوى لفترة قصيرة، لكنه لن ينفع في العالم القادم قريبًا، الملتحف ببطانية من وسائل الإعلام الحاملة لأجزاء عالمنا.
صناعة المعلومات التي عفى عنها الزمن ستديم نفسها عبر اقتراح قوانين، في أمريكا وأماكن أخرى، تدّعي أنها تملك الكلام نفسه في جميع أنحاء العالم، هذه القوانين ستعامل الأفكار كمنتج صناعي آخر، وهي ليست أنبل من الحديد القاسي، بينما في عالمنا كل ما ينتجه العقل البشري يمكن نسخه وتوزيعه بلا حدود ودون أي تكلفة، النقل العالمي للفكر لم يعد بحاجة مصانعكم.
إن هذه التدابير العدائية والاستعمارية المتزايدة، تضعنا في ذات موقف من سبقونا إلى محبة الحرية وتقرير المصير، الذين اضطروا إلى رفض سلطات القوى البعيدة. علينا أن نعلن عن أمان ذاتنا الافتراضية من سيادتكم، حتى ونحن محكومون كأجساد منكم، وسننتشر في جميع أنحاء الكوكب حتى لا يتمكن أحد من اعتقال أفكارنا.
سنبني حضارة العقل في الفضاء الرقمي، على أمل أن تكون أكثر إنسانية ونزاهة من العالم الذي صنعته حكوماتكم.