باعتباره أبسط حقوق الإنسان يحظى الحق في الحصول على الرعاية الصحية باهتمام دولي في المجتمعات المستقرة، إلا أنه في سوريا ومع غياب أدنى حقوق المواطنين يختلف الوضع كليًا، إذ أصبح توفير الرعاية الصحية للمواطنين في مناطق النزاع والمناطق المحاصرة تحديًا للمنظمات الدولية، فيما أصبح هدفًا لأطراف النزاع الفاعلة في البلد.
اعتراف عالمي بـ “الحق في الصحة”
شرّعت المواثيق الدولية والأعراف الحقوقية “الحصول على أعلى مستويات الرعاية الصحية” ضمن أبسط الحقوق التي يتوجب توفيرها للمواطنين حول العالم، خاصة في الحالات الاستثنائية التي تتفاقم فيها المعاناة الصحية نتيجة الأزمات والحروب.
في العام 2000 اعتمدت منظمة الأمم المتحدة ميثاقًا دوليًا تبنته معظم دول العالم، فردت خلاله للرعاية الصحية عنوانًا بسيطًا يقضي بأنها “حق” من أبسط حقوق الإنسان الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، مشددة على الحكومات بضرورة توفير أعلى مستويات خدمات الرعاية الصحية في الوقت المناسب.
وحددت المنظمة “الحق في الصحة” ضمن نقاط عدة هي، “التوافر” والمقصود به تأمين القدر الكافي من المرافق الصحية والسلع والخدمات الطبية، و”إمكانية الوصول” عبر استفادة الجميع وسهولة وصولهم إلى المرافق والسلع والخدمات السابقة، بالإضافة إلى “الجودة” التي تتطلب تأمين خدمات صحية مناسبة علميًا وطبيًا وذات نوعية جيدة.
تلك النقاط توجب على الحكومات والدول الأطراف في الميثاق الأممي التزامات عدة تضمن حق المواطنين بالحصول على الرعاية الصحية في كافة الأوقات.
أهم تلك الالتزامات هي “الاحترام” وعدم التدخل في تمتع المواطنين بالحق في الصحة، و”الحماية” عبر ضمان ألا يقوم أحد الأطراف بإعاقة الحصول على الرعاية والخدمات الصحية، بالإضافة إلى “الأداء” ويقصد به ضرورة اتخاذ الحكومات خطوات إيجابية لضمان حصول المواطنين على حاجاتهم الصحية وتطويرها.
في سوريا.. ماذا حل بالرعاية الصحية؟
امتزجت الاعتبارات السياسية بالقطاع الصحي في سوريا حين أصبح هدفًا للحرب بين الأطراف المتناحرة منذ سبع سنوات، إذ غابت أدنى مستويات الرعاية الصحية عن المشهد السوري خاصة في المناطق المحاصرة أو تلك التي تشهد نزاعات مستمرة، والتي يغيب عنها حق الإنسان في الحياة، وليس في الحصول على الرعاية الصحية فقط.
تحذيرات أممية أنذرت بسوء الوضع الصحي في سوريا، مشيرةً إلى أن أكثر من ثلثي الهجمات على مرافق الرعاية الصحية حول العام حصلت داخل الأراضي السورية، خاصة في العام 2016 الذي شهد انتهاكات عدة بحق القطاع الصحي.
فيما لا تزال المنظمات الدولية المعنية بالصحة تواجه تحديًا كبيرًا في الوصول إلى المجتمعات المدنية داخل سوريا بانتظام، خاصة في ظل التهديدات الأمنية للعاملين فيها وقلة توفر الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية.
في تقريرها السنوي الصادر لعام 2017، قالت منظمة الصحة العالمية إن الرعاية الصحية في سوريا أصبحت “ضحية الصراع المستمر”، محذرةً من تدهور الخدمات الصحية وتأثر وصول المدنيين إليها بشكل خطير.
وجاء في التقرير أن ما يزيد عن 50% من المرافق الصحية، بما فيها المستشفيات والمراكز الطبية لا تعمل، بالإضافة إلى ذلك، فإن الخطر يتمثل بهجرة المختصين في مجال الصحة واستهدافهم أمنيًا وفق التقرير الذي أشار إلى أن 75٪ من العاملين المختصين في مجال الصحة، بمن فيهم المتخصصون اختصاصات عالية، مثل أطباء البنج والجراحين، غادروا سوريا بحثًا عن فرص أفضل للحياة، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية.
فيما وثق التقرير، الذي نوه إلى أن سوريا كانت تتمتع بـ “أفضل” مؤشر صحة في الشرق الأوسط، انخفاض مؤشر تغطية اللقاحات في البلد من 95% عام 2010 إلى أقل من 60% عام 2017، ما يؤثر بشكل مباشر على صحة جيل كامل، خاصة في المناطق التي يصعب وصول المساعدات الطبية إليها، بفعل النزاع والحصار.
ومع ذلك لا يخفى وجود منظمات وفرق طبية وعيادات متنقلة عاملة على خط التماس في سوريا، تدعمها المنظمات الدولية رغم محدودية عملها وتعرضها لمخاطر أمنية.
أكثر الفئات ضعفًا بحاجة للرعاية الصحية
منظمة “OCHA”، المختصة بتنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، أطلقت خطة استجابة للحاجات الإنسانية في سوريا لعام 2018، أشارت فيها إلى أن13.1 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، 5.6 مليون منهم بحاجة إلى مساعدات “ملحة” ليبقوا على قيد الحياة، بفعل الصراع وصعوبة حصولهم على المواد الغذائية والرعاية الصحية.
“OCHA” قالت في تقريرها إن ما يقارب 2.98 مليون شخص يعيشون في مناطق يصعب وصول المساعدات الصحية إليها، بما في ذلك 419 ألف شخص في المناطق المحاصرة في الغوطة الشرقية، والتي كان أكثر المتضررين فيها هم الفئات المستضعفة من الأطفال والنساء وكبار السن، والذين يعانون من حالات مرضية حرجة.
وأضافت المنظمة أن احتياجات الناس في المناطق المحاصرة ماتزال شديدة، بسبب القيود التعسفية المفروضة على السكان من قبل أطراف النزاع، والتي يصعب معها الحصول على السلع الأساسية والمساعدات الأممية الغذائية والطبية.