إبراهيم العلوش
مقاطعة بعض المؤتمرين في سوتشي لوزير الخارجية الروسي، وتنديدهم بقتل المدنيين السوريين بالطائرات الروسية، كانت أهم حدث في ذلك المؤتمر، فتلك الصيحات تشبه صيحات ضرب الرئيس الأمريكي بوش بحذاء الزيدي، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وأمام الكاميرات. جاء جورج بوش إلى بغداد يتبجح باحتلاله للعراق، ففوجئ بالصحفي العراقي منتظر الزيدي، يضربه بحذائه، ما اضطره إلى الاختباء تحت الطاولة.
وكذلك جاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى المؤتمرين في سوتشي، الذين عفش الكثير منهم بشار الأسد من زواريب الابتزاز والتهديد، ليتبجح بقدرات طائرات بلاده (السو 34) وليستعرض عبقريته الدبلوماسية التي أعيت العالم ومجلس الأمن وهي تصرّ على فرض بشار الأسد، وشبيحته على الشعب السوري.
بوتين صاحب الحس المخابراتي تراجع عن حضور المؤتمر، رغم كل نجاحات مخابراته وأزلامها في سوق الكثير من المرتزقة السوريين، ومن المجبرين على الحضور، واختفى خلف الكواليس يرقّع انتصاره المصطنع، خاصة وأن طائرات الدرون التي ضربت مقرات الاحتلال الروسي في سوريا، لم يمض عليها شهر واحد، رغم وجود الـ “إس 400” التي يتبجح بها الروس، كتبجحهم بفرض شبيحة بشار الأسد على الشعب السوري، وكتبجحهم بسوق السوريين الى التوقيع على بروتوكولات احتلالهم للأراضي السورية، لمدة نصف قرن على الأقل، وبشروط مجحفة لن تجر على السوريين إلا الخراب والدمار، وتجارة الجنس، ومافيات المخدرات، والقرصنة الإلكترونية.
طوال أشهر كانت روسيا تمنّي نفسها بمؤتمر الشعوب السورية في سوتشي، هذا الذي سيضع حدًا لمطالب الشعب السوري، ويجبره على القبول بالاحتلال الروسي، وقد مهد بوتين لهذا المؤتمر بزيارة سوريا، والاجتماع بأهم رجالات سوريا بنظره، وهما بشار الأسد، والنمر سهيل الحسن.
وبعدها أطلق خطابه بإعلان النصر الكبير في سوريا، الذي يشبه إعلان قاسم سليماني، وحزب الله، النصر الإلهي على السوريين، ورفعهم لشعار “خلصت” الذي ظلوا يرددونه في قنوات المنار، والدنيا، والعالم، حتى صار شعاراً ممجوجًا إلى حد السماجة.
مؤتمر سوتشي الذي أريد له أن يكون خاتمة المطاف، ودرّة الإنتاج الروسي في سوريا، فشل في كل ما أراد أن يبنيه، ولولا تدخل الأتراك لترقيع ما يمكن ترقيعه، لتحول إلى مسرحية كوميدية سوداء، ولكن الأتراك الواقعين تحت الابتزاز ساهموا أيضًا ببخ بعض العطور على المجرور الروسي في سوتشي لتخفيف رائحته.
هذا الفشل السياسي والدبلوماسي لثعلب السياسة الروسية لافروف، ورئيسه بوتين، مهم في رمزيته التي تعيد ذكريات أفغانستان إلى الذاكرة الروسية، وتؤكد لهم أن تدميرهم لأفغانستان لم يستفيدوا منه إلا الهزيمة، وتفكك الاتحاد السوفياتي، وخروجه مهزومًا ومنكّس الرأس، رغم أن صواريخه كانت قد وصلت إلى الفضاء الخارجي.
عندما زار لافروف سوريا مطلع الثورة السورية، تم الاحتفاء به من قبل شبيحة المخابرات السورية، الذين نظموا له احتفالًا لا تضاهيه إلا احتفالات المخابرات بعودة حافظ الأسد من المستشفى بعد انتصاره على رفعت الأسد في الثمانينيات، ويومها حملوا سيارة حافظ الأسد، ورفعوها بأيديهم مثلما حمل المنافقون قبلها عربة الجنرال غورو في عشرينيات القرن المنصرم.
ومنذ ذلك الوقت لم يتلق لافروف إلا أوسمة النجاح في سوريا، ووصف بأنه أحد مهندسي السياسات العالمية، بتفوقه على جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي السابق، الذي ظل مستسلمًا لتلاعبات الروس، واستمرارهم في تدمير سوريا، حتى جاء ترامب، وشمّر عن ساعديه ولحق بموسم التدمير والتهجير ضد السوريين، وكانت الرقة المدمرة، وسكانها الذين ما يزالون مهجّرين، درّة الإنتاج الأمريكي في التدمير والتخريب، بالاشتراك مع رجالات “البي كي كي” أو الدواعش الصفر، الذين يلهثون أمام الأمريكي وطائراته كمأجورين ومرتزقة.
ليس أمام الروس لضمان مصالحهم إلا الاعتراف بالشعب السوري والتفاوض معه، ليس من أجل تثبيت القتلة والمجرمين من الشبيحة وحمايتهم، بل من أجل مساعدة السوريين، في بناء دولة عادلة لا تحتفي بالمستبدين، ولا بالمحتلين مثل دولة عائلة الأسد، وإلا فهم مضطرون للاعتماد على عبقرية النمر سهيل الحسن، ومخابرات بشار الأسد في استمرار التلفيق والتلزيق الذي يثير السخرية السوداء، وهو لن يجلب لهم إلا هزيمة قادمة في ثنايا السنوات التي تهوي بانتصاراتهم المزعومة.
صور جانبية من سوتشي المدينة التي ارتكب القياصرة الروس فيها أعتى المجازر ضد الشركس قبل مئة وخمسين عاماً:
– صفوان قدسي مومياء الجبهة الوطنية التقدمية، والذي لم يتألق منذ خطابه الشهير في مراسم توريث بشار الأسد، صار رئيسًا لمؤتمر سوتشي، وهو من جواهر حافظ الأسد التي كنزها الأب القائد الخالد، ذخرًا لابنه الوريث المستكمل للخراب والدمار.
– معراج أورال (أو علي كيالي)، صاحب مجزرة البيضا في بانياس يتألق مبتسمًا مع قدري جميل مستشار الاحتلال الروسي.
– هيثم مناع وأحمد طعمة يظهران بعد غياب عن الأضواء، والشهرة، وهما يتمسكنان في مطار سوتشي. هيثم مناع الشاطر قفز إلى مجلس رئاسة سوتشي، وأحمد طعمة رجع إلى تركيا بعد أن فوض الأتراك بتمثيل السوريين!
– أغاني مندوبي المخابرات وتبجحهم بالانتصار على الشعب السوري، واعتبار معارضي عائلة الأسد كلهم دواعش ونصرة.
– القذائف التي سقطت في مطار دمشق الدولي، قرب الطائرة التي أعادت أنصار النظام من سوتشي، جاءت هذه القذائف لتصورهم كضحايا ومضطهدين لأنهم يناصرون مخابرات بلادهم، البعض يقول بأن القذائف إيرانية، وهي مساهمة إخراجية من مسلسل “الجوارح”، جاءت من قرب السيدة زينب التي تحولت إلى قاعدة احتلال إيرانية.
– صور متفرقة لضحايا القصف في سراقب، وفي عفرين، وفي الغوطة، وفي مختلف الديار السورية.
ملاحظة أخيرة: القول إن سوتشي خرج بنتيجة إيجابية، وهي تعديل الدستور، لن يجدي شيئًا، فنظام الأسد الذي يحميه الروس والإيرانيون، قادر على تعديل أي دستور جديد أو قديم… حتى الدستور الأمريكي، خلال خمس دقائق فقط!