أمريكا تلعب بورقة الكيماوي السوري في وجه روسيا

  • 2018/02/04
  • 12:29 ص

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يحيط به وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس – 10 كانون الثاني 2018(رويترز)

عنب بلدي – خاص

عاد ملف الهجمات الكيماوية في سوريا ومحاسبة المسؤولين عنها إلى المشهد السياسي مجددًا، خلال الأسابيع الماضية، عبر مؤتمرات وتقارير حقوقية وتصريحات لمسؤولين أمريكيين وخاصة وزير الدفاع، جيمس ماتيس، الذي أكد أن أمريكا تدرس تقارير حول استخدام النظام السوري غاز السارين مهددًا بشن ضربة عسكرية في حال التأكد، لتبدأ التساؤلات حول الأسباب التي دفعت واشنطن إلى فتح الملف والتصعيد فيه.

فتح الملف جاء بعد عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الواجهة في سوريا، عبر إعلان استراتيجية جديدة لخصها وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، خلال حديثه في معهد “هوفر” التابع لجامعة “ستانفورد” الأمريكية، في 17 كانون الثاني الماضي، بالبقاء في سوريا للقضاء على الإرهاب والنفوذ الإيراني، والتوصل إلى حل سياسي دون رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأمر الذي يصطدم مع الطموحات الروسية الساعية إلى الانفراد بحل سياسي عبر عقد مؤتمر سوتشي الأخير.

تهديد ضمني لروسيا

بعد إعلان أمريكا استراتيجيتها، وعقب توتر بينها وبين روسيا عبر تصريحات سياسية حول سوريا، فتحت بمبادرة مع فرنسا ملف الهجمات الكيماوية مجددًا عبر مؤتمر “الشراكة الدولية لمنع الإفلات من العقاب”، في 23 كانون الثاني الماضي، بحضور ممثلي 29 دولة ومنظمة بهدف معاقبة الضالعين في اللجوء إلى السلاح الكيماوي.

وبالرغم من أن المؤتمر لم يكن مخصصًا لسوريا رسميًا، إلا أنها استحوذت على أعماله، وهذا بدا واضحًا بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، والفرنسي، جان إيف لو دريان، الذي وجه تهديدًا مبطنًا إلى روسيا بقوله إن “من يلجأ إلى السلاح الكيماوي عليه أن يعرف أنه سيحاسب يومًا ما رغم تعطيل مجلس الأمن”، في إشارة إلى استخدام موسكو حق النقض (الفيتو) عدة مرات لتعطيل قرارات تدين النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية.

وحمل تيلرسون روسيا مسؤولية ضحايا استخدام الكيماوي في الغوطة الشرقية (في آب 2013) وأماكن أخرى بما أنها “أصبحت متورطة في سوريا”، طالبًا من روسيا “بالحد الأدنى التوقف عن استخدام الفيتو أو على الأقل الامتناع عن التصويت في الجلسات المستقبلية في مجلس الأمن بشأن هذه القضية”.

الربط لأول مرة بين معامل النظام وهجوم الغوطة

وفي 30 كانون الثاني الماضي، أكدت اختبارات أجرتها معامل تتبع لـ “منظمة حظر الأسلحة الكيماوية” وقوف النظام السوري وراء الهجوم الكيماوي الذي استهدف الغوطة الشرقية في 2013.

وقال دبلوماسيون وعلماء لوكالة “رويترز” إن اختبارات عملية ربطت للمرة الأولى بين مخزون النظام من الأسلحة الكيماوية وأكبر هجوم بغاز الأعصاب “السارين” على الغوطة الشرقية.

وأجرت المعامل مقارنة بين عينات أخذتها بعثة تابعة للأمم المتحدة ومناطق قصفت بغاز السارين.

ونقلت الوكالة عن مصدرين قولهما إن “الاختبارات توصلت إلى علامات متطابقة في عينات مأخوذة من الغوطة وموقعين آخرين شهدا هجومين بغاز الأعصاب في بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب في الرابع من نيسان عام 2017 وفي خان العسل بحلب في آذار عام 2013″.

في حين قال مصدر آخر” قارنا خان شيخون وخان العسل والغوطة، ثمة علامات تطابقت في ثلاثتهم جميعًا”.

تصعيد اللهجة الأمريكية

التحرك الأمريكي في الملف الكيماوي أخذ منحى التصعيد خلال اليومين الماضيين، إذ لم يكتف بتصريحات استخدام الكيماوي فحسب، وإنما التطرق إلى قضية احتفاظ نظام الأسد ببعض مخزون الأسلحة الكيماوية الذي سلم إلى الأمم المتحدة عقب الهجوم على الغوطة الشرقية، عبر مسؤولين أمريكيين قالوا لوكالة “رويترز”، الجمعة 2 شباط، إن نظام بشار الأسد احتفظ ببعض مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية بالرغم من اتفاق سلمت بموجبه دمشق كل الأسلحة في 2014، الأمر الذي يؤدي إلى إحراج روسيا في حال أُثبت ذلك.

لكن الملفت في الأمر هو التهديد الذي رافق التصريحات، إذ هدد المسؤولون النظام بضربة عسكرية جديدة لردعه عن استخدام الأسلحة الكيماوية، بحسب ما أفادت الوكالة، التي نقلت عن أحد المسؤولين قوله إن “بعض الهجمات تشير إلى أن قوات الأسد في مرحلة تطوير أسلحة جديدة، وواصلت بين الحين والآخر استخدامها بكميات صغيرة منذ الهجوم الأمريكي”، في إشارة إلى قصف قاعدة الشعيرات في حمص بصواريخ “توماهوك” عقب الهجوم على خان شيخون.

وزير الدفاع، جيمس ماتيس، رفع حدة التصريحات، عندما أكد أن النظام السوري استخدم أسلحة تحمل غاز الكلور مرات عدة، في إشارة إلى استهداف بلدات الغوطة الشرقية بغاز الكلور السام عدة مرات خلال الأسابيع الماضية.

وقال ماتيس، حول استخدام غاز السارين، “لا أملك الدليل، إلا أن منظمات غير حكومية ومجموعات أخرى ومقاتلين على الأرض قالوا إن غاز السارين قد استخدم، لذلك فنحن نبحث عن أدلة”، ملوحًا باحتمال شن ضربة عسكرية جديدة في حال التأكد.

روسيا تدافع عن النظام

في المقابل نفت روسيا والنظام السوري ما يصفانه بمزاعم واشنطن مرارًا حول الاحتفاظ بالأسلحة الكيماوية واستخدام غاز السارين، في حين دعت موسكو إلى تشكيل هيئة تحقيق دولية جديدة، تكون محايدة ومستقلة.

ونقلت وكالة “إنترفاكس” الروسية، الجمعة 2 شباط، عن مصدر في وزارة الخارجية الروسية أن اتهامات واشنطن لدمشق بتطوير أنواع جديدة من الأسلحة الكيماوية لا أساس لها من الصحة، معتبرًا أن هدف واشنطن من هذه الاتهامات هو شيطنة بشار الأسد، واستغلال موضوع الكيماوي السوري لزرع لغم مدمر في عملية التسوية السياسية في سوريا.

كما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصدر دبلوماسي روسي، السبت 3 شباط، أن “المعطيات المتوافرة لدى الأجهزة الخاصة الروسية تنفي صحة الاتهامات الأمريكية”، مشيرًا إلى حرف سير التحقيق المشترك الذي أطلق برعاية أممية عن مساره المهني.

واعتبر المصدر أن “الاتهامات الأمريكية الحالية خطرة، لأنها جزء من توجهات واشنطن الجديدة في سوريا”، مؤكدًا أن موسكو لن تسمح بإدانة لدمشق غير مبنية على أدلة ثابتة ومقنعة.

ضغط أمريكا لا ينجح مع روسيا

البعض اعتبر أن أمريكا فتحت الملف الكيماوي للوقوف في وجه روسيا في سوريا، لكن الكاتب والصحفي السوري منصور العمري قال لعنب بلدي إنه لا ينبغي النظر إلى ملف الكيماوي تحديدًا على أنه سياسي بشكل مطلق، أو ورقة ترفعها الولايات المتحدة في وجه روسيا، فهو ليس ملفًا جدليًا مثل كثير من الملفات السورية، كما لا يجب النظر إليه على أنه مسيس بشكل مطلق، لأن هناك مخاوف حقيقية لدى دول الغرب من هذا السلاح واستخدامه، لعشوائيته في عدم التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وقدرته على الفتك بأعداد كبيرة من البشر، ولتجاربهم السابقة ومعاناتهم منه.

وأضاف العمري أن أحد أسباب قلق الولايات المتحدة واهتمامها الشديد بالملف الكيماوي، هو خشية تطبيع استخدامه على يد نظام الأسد، فقد يستخدمه آخرون ضد الغرب أو مصالحه في المنطقة، مشيرًا إلى التطبيع في ممارسات مجرمة أخرى، بدأها الأسد وانتقلت إلى الأطراف المتقاتلة في سوريا، كالتعذيب والتمثيل بالجثث، والذبح وقصف المدنيين، نتيجة عدم تعرض الأسد ونظامه للمساءلة حول هذه الجرائم.

واعتبر العمري أنه لا يمكن الفصل بين الملف السوري والملفات الأخرى في المنطقة أو العالم بالنسبة للساسة في أمريكا، فهم ينظرون إلى جميع الملفات بما يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة، وهو ما تفعله الدول جميعها، مضيفًا “الدول ليست مؤسسات خيرية، بل أولوياتها دومًا هي المصالح، والتقاء المصالح هو أحد دوافع دعم الدول لبعضها وتحالفها”.

وحول استخدام الملف كورقة ضغط من قبل أمريكا على روسيا، أكد العمري أنه لا يبدو أن أي ضغط قد ينجح ضد روسيا، لأنها تتسلح بالقانون الإنساني الدولي، الذي يبيح لنظام ما أن يستعين بدولة أخرى لقمع تمرد، رغم إمكانية عدم انطباق هذه القاعدة في سوريا، لأن نظامها غير شرعي، وأتى بانقلاب وانتخابات مزورة ولأسباب أخرى، لكن إثبات استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي يمكن أن يمنح للتدخل الأمريكي أو الدولي شرعية دولية، اعتمادًا على بنود في ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة بعد أن أجبرت روسيا النظام السوري عام 2013 على الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية الموقعة في 1993، وهو ما يرتب على النظام السوري مسؤوليات إضافية في حال انتهاك المعاهدة.

مقالات متعلقة

دولي

المزيد من دولي