عنب بلدي – خاص
تعيش محافظة إدلب (شمالي سوريا) أسوأ ظروفها، بعد التقدم الكبير الذي حققته قوات الأسد والميليشيات المساندة لها في الريف الشرقي سعيًا للوصول إلى مدينة سراقب والأوتوستراد الدولي دمشق- حلب، مع غياب لموقف “هيئة تحرير الشام” وتبريرات الواقع على الأرض، باعتبارها ذات النفوذ الأكبر في المنطقة، ومتهمة بتسليم بعض المناطق دون قتال.
لم تأت التطورات العسكرية من فراغ، بل عقب فشل تثبيت النقطة الرابعة من “تخفيف التوتر” في ريف حلب الجنوبي، جراء سيارة مفخخة استهدفت رتلًا عسكريًا تركيًا، وقصف مدفعي من جانب النظام السوري والميليشيات الإيرانية، الأمر الذي ربطه قادة عسكريون بحركة إيرانية عقدت حسابات الأتراك في المحافظة، وتنوي من خلالها فك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة.
وفي حديث مع رئيس أركان “الجيش الحر” سابقًا، أحمد بري، قال إن النظام والروس لم يلتزموا بأي اتفاقية، وغدروا بكل الاتجاهات.
وأضاف لعنب بلدي أن القرار الحالي في إدلب للإيرانيين الذين يحاولون الوصول إلى كفريا والفوعة، عن طريق السيطرة على سراقب.
الزحف من محورين
بحسب خريطة السيطرة الميدانية، تزحف قوات الأسد من محورين الأول ينطلق من ريف حلب الجنوبي، والثاني من ريف إدلب الشرقي من الجهة الغربية لمطار أبو الظهور العسكري، الذي فرضت السيطرة الكاملة عليه، أواخر كانون الثاني الماضي.
في أقل من أسبوع فقدت الفصائل أكثر من تسع قرى، لتصل قوات الأسد إلى منطقة تل الطوقان، في محاولة منها حصار بلدة جزريا.
وتتبع قوات الأسد سياسية الأرض المحروقة من الطيران الحربي الروسي بغارات جوية بشكل يومي على الخطوط الأولى للاشتباكات، عدا عن التمهيد الصاروخي والمدفعي من القوات العسكرية المتمركزة في الخطوط الخلفية.
مصادر عسكرية من “الجيش الحر” لعنب بلدي، ربطت التصعيد الجوي مع نية قوات الأسد الوصول إلى الأوتوستراد الدولي دمشق- حلب، وبالتالي مدينة سراقب.
وتقع مدينة سراقب في الجهة الجنوبية الشرقية لمدينة إدلب، وتتميز بأهمية كبيرة باعتبارها المنطقة الواصلة بين دمشق وحلب، إضافة إلى وقوعها على مساحة تبلغ حوالي 17 ألف هكتار، وتبعد مسافة تقدر بحوالي 50 كيلومترًا عن مدينة حلب، تسير قوات الأسد باتجاهها في محور يمتد على مسافة ثمانية كيلومترات.
وقالت مصادر عسكرية في وقت سابق لعنب بلدي إن منطقة مطار أبو الظهور ومحيطها سهلية، وتضريسيًا على مستوى الجغرافيا العسكرية بإمكان أي طرف يسيطر على المطار التقدم باتجاه مدينة سراقب.
غرفة تنسيق مشتركة
في بيان نشرته الفصائل، في 3 شباط الجاري، أعلنت تشكيل غرفة عمليات واحدة تحت مسمى “دحر الغزاة”، كخطوة دفاعية لصد تقدم قوات الأسد.
ومن بين الفصائل “حركة أحرار الشام”، “جيش النصر”، “جيش العزة”، “قوات النخبة”، “حركة نور الدين الزنكي”، و“لواء الأربعين”.
وقال الناطق العسكري لـ “أحرار الشام”، عمر خطاب، إن البداية ستكون لصد قوات الأسد والميليشيات الرديفة، مشيرًا إلى أن الخطوة اللاحقة ستتضمن طرح الخيارات العسكرية المتاحة.
وأكد أن الفصائل عززت بعض النقاط بالتشارك فيما بينها، متمنيًا أن تتغير الأمور إلى الأفضل في القريب العاجل.
وبموجب البيان، فإن الغرفة شكلت “بغية خوض معارك دفاعية وهجومية مشتركة وتوسيع نطاق العمل في ردع قوات الأسد”.
وأوضح أن محاور العمل “تمتد من ريف حماة الشمالي إلى ريف إدلب الشرقي وصولًا إلى ريف حلب الجنوبي، بما في ذلك المناطق التي كانت خارج قطاعاتها”.
“الهيئة” في بنش
بالتزامن مع المعارك بين فصائل المعارضة وقوات الأسد، أقدم عناصر من “تحرير الشام” على حرق علم الثورة السورية في مدينة بنش شمالي إدلب، بعد رفعه في ساحة المدينة العامة، وأطلقوا الرصاص على بيت أحد الناشطين ويدعى حسام حوراني، ما أدى إلى مقتله.
وقالت مصادر إعلامية من بنش، في 3 شباط الجاري، إن “تحرير الشام” بدأت حملة اعتقالات في المدينة بعد خروج مظاهرة طالبت بطرد عناصر الهيئة من المنطقة، على خلفية الانسحابات التي قامت بها في مدن وبلدات شرقي إدلب، كما خرجت مظاهرة في الجامع الكبير ببنش احتجاجًا على حرق الهيئة علم الثورة السورية.
ولم تعلّق “تحرير الشام” على حرق العلم أو الاعتقالات التي اتهمت بالوقوف وراءها.
لكن “تجمع نشطاء إدلب” أصدر بيانًا قال فيه إن “الهيئة” حاصرت بنش، عقب خروج مظاهرة ضد “الفصائلية”.
وأكد البيان نية “تحرير الشام” شن حملة اعتقالات في المدينة، بالتزامن مع التصعيد الجوي على مدن إدلب والذي يرافقه تقدم النظام على مساحات واسعة باتجاه الأوتوستراد الدولي دمشق- حلب ومدينة سراقب.
وطالب الناشطون “الهيئة” بالتوقف عن أي عمليات اعتقال في بنش واحترام حق التظاهر والتعبير عن الرأي، وتوجيه السلاح إلى الجبهات، ومساندة المدنيين والتخفيف عنهم.
تفاصيل يرويها قيادي سابق في “النصرة”
إلى ذلك، ووسط الاتهامات الموجهة لـ”تحرير الشام” بعمليات التسليم، عرض القيادي السابق في “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام حاليًا)، صالح الحموي، تفاصيل حول انسحابات الفصيل في معارك إدلب.
ونشر الحموي صاحب الحساب الشهير “أس الصراع في الشام”، مطلع شباط، سلسلة من التغريدات على حسابه في “تويتر”، شرح فيها مجريات ميدانية خلال معارك إدلب، من وجهة نظره، والتي أفضت إلى تقدم واسع لقوات الأسد في المنطقة.
وبموجب التغريدات، قال الحموي إن “الهيئة فككت معظم فصائل الثورة لأجل الهيمنة لا لمحاربة الفساد، وانسحبت من المناطق عن سابق قصد، بل خربت غرف عمليات للجيش الحر”.
وأوضح “منذ قرابة الشهر عند بداية سقوط المناطق في ريف حماة الشرقي، تداعت الفصائل لتشكيل غرفة عمليات وبجهود مباركة من مستقلين، وشكلت غرفتان الأولى اسمها (رد الطغيان) وتتكون من فيلق الشام وجيش النصر وجيش إدلب الحر وجيش النخبة والجيش الثاني ولواء الأربعين وكان محورهم قرية الخوين وما حولها”.
غرفة العمليات الثانية قال الحموي إنها “تحت اسم (إن الله على نصرهم لقدير)، وتكونت من “نور الدين الزنكي وجيش العزة وأحرار الشام وجيش الأحرار”، وكان محورها قرية عطشان وماحولها”، إلى جانب عمل “الحزب التركستاني” على قرية الزرزور كـ “تنسيق فقط”، على أن تعمل “تحرير الشام” على محور جبل الحص لوحدها “وتم الاتفاق على ساعة الصفر”، بحسب “أس الصراع”.
هدف العمل كان “حصار قوات الأسد بين جبل الحص ومحور الخوين- أبو دالي”، وبحسب “أس الصراع”، ففي بداية العمل “تفاجأ الجميع بانسحاب تحرير الشام من جبل الحص، تبع ذلك سقوط 100 قرية دون إخطار غرفة العمليات، ما فريغ العمل من أهميته الاستراتيجية (حصار النظام)”.
ما سبق وحّد غرفتي العمليات، وفق القيادي السابق، “قسم العمل إلى قطاعين، شمالي للهيئة والتركستان وجنوبي للغرفة الجديدة، وبدأت الغرفة بإمرة أبو أسيد الحوراني (فيلق الشام) بالتحصينات وبناء الدشم ونشر القوات لبدء العمل الهجومي، تزامنًا مع ما يفترض في القطاع الشمالي، لتسقط قرى من محور الهيئة في ريف حلب الجنوبي وهي: الذهبية، تل جاسم، عطشانة الشرقية والغربية وآخرها أم الكراميل”.
ولم تتقدم قوات الأسد من محور “الحزب التركستاني” بل من محور “تحرير الشام” فقط، بحسب الحموي.
أرسل “جيش إدلب الحر” و”فيلق الشام” تعزيزات إلى محور “الهيئة”، بموجب الأمر الطارئ، “دون رد من قادات تحرير الشام أو تبريرات للانسحابات”.
وقال “أس الصراع” إن “تحرير الشام” انسحبت من مطار أبو الظهور قبل شهر من خسارته، وأفرغته ورفعت سواتر في الجهة الغربية، بينما “ناوشت مجموعات محلية قوات الأسد خلال تقدمها”، معتبرًا أن “الهيئة كانت تتوج كل عملية انسحاب بمفخخة لتشغل الإعلام والمراصد، علمًا أن أغلب المفخخات لا تصل إلى هدفها بل تنفجر قبل ذلك بكثير”.
ونقل حديثًا مع قادات في “تحرير الشام”، قالوا فيه “هل تريدنا أن نستنزف مع النظام في البادية ثم هم (الجيش الحر) يحكمون المحرر؟”.
ودعا المشككين في حديثه للتواصل مع عشائر المنطقة، مشيرًا إلى أن “تحرير الشام” تمنع رباط أي فصيل منذ عامين في كل من أبو الظهور وجبل الحص ومنطقة الرهجان.
وكان الداعية السعودي عبد الله المحيسني، الذي استقال من “تحرير الشام”، العام الماضي، برر أمس ما يجري بأنه يعود للاقتتال الأخير بين “الهيئة” و”أحرار الشام” والذي مكن الأولى من السيطرة على معظم محافظة إدلب.
واعتبر الداعية أن “الآلاف قعدوا عن الجهاد بينما فقد آخرون إرادة القتال، ومع هذا فيشهد الله أني منذ خروجي من الهيئة وأنا أسعى للتصالح بين الفصائل وتشكيل غرفة عمليات مشتركة ولكن للأسف لا إجابة”.