د. أكرم خولاني
يصاب بعض الناس بما يسمى السكري الكاذب أو البيلة التفهة نتيجة مشكلة في الدماغ أو في الكلية، وفي حالات نادرة قد تحدث هذا الحالة نتيجة شرب الماء بشكل كبير بسبب مرض نفسي ما، وربما تحدث أثناء الحمل أيضًا.
وهي تتظاهر بعطش شديد إضافة لإدرار كميات كبيرة من البول، إلا أن تشخيصها الدقيق يحتاج لبعض الاختبارات، وعلاجها يعتمد على السبب المؤدي إلى الإصابة.
كيف تشخص البيلة التفهة
عادة يجري الطبيب بعض الفحوصات لنفي الأسباب الأخرى للبوال، فيطلب سكر الدم وكرياتينين المصل للمريض، وإذا كان كرياتينين المصل مرتفعًا فيرجح أن يكون لدى الطفل فشل كلوي، وإذا كان سكر الدم مرتفعًا فالتشخيص هو الداء السكري.
أما إذا كان الكرياتينين وسكر الدم طبيعيين فيلجأ إلى فحوصات تشخيصية لتحديد نوع البيلة التفهة التي يعاني منها المريض، لأن الخطة العلاجية والأدوية المستخدمة تختلف حسب نوع الإصابة، وتشمل الاختبارات المستخدمة:
- تحليل البول Urinalysis: يكون لونه شفافًا مائيًا مع انخفاض تركيزه (أوزموليته)، حيث تكون الكثافة النوعية منخفضة (1.001-1.005) أي قريبة من كثافة الماء النوعية التي تساوي 1.
- تحليل الدم: يلاحظ وجود ارتفاع بالصوديوم وقد يوجد نقص في الهرمون فازوبرسين.
- اختبار الحرمان من الماء Water deprivation test: يعمل هذا الاختبار على تحري سبب البيلة التفهة، وفيه يطلب من المريض أن يتوقف عن شرب السوائل لمدة 2-3 ساعات قبل الاختبار، ثم يقوم الطبيب بقياس التغيرات الحاصلة في وزن الجسم والناتج البولي وتركيز (أوزمولية) البول والدم، في الشخص الطبيعي يرتفع الهرمون المضاد للإدرار مما يزيد تركيز البول فينتج بول مركز مع عدم ارتفاع تركيز الدم، ولكن عند الشخص المصاب يبقى البول ممددًا ويرتفع تركيز الدم.
وعند التأكد من الإصابة بالبيلة التفهة تعطي جرعة من هرمون ديسموبريسن (هرمون مشابه للهرمون المضاد للإدرار) فإذا تحسن تركيز البول والدم يعني أن المشكلة مركزية (دماغية)، أما إذا لم يتحسن فهذا يدل على أن المشكلة محيطية (كلوية).
ومن المهم الانتباه إلى أن هذا الاختبار لا يجرى إلا تحت المراقبة الحثيثة من قبل الطبيب، وخاصة لدى الحوامل والأطفال للتأكد من أنه لم ينتج عنه خسارة في الوزن تتجاوز 5% من كتلة الجسم.
- الرنين المغناطيسي MRI للدماغ: ويجرى لنفي وجود أورام الغدة النخامية.
وبما أن البيلة التفهة كلوية المنشأ وراثية أحيانًا فيمكن تشخيصها قبل الولادة عند الجنين، ويتوفر حاليًا الفحص قبل الولادة للتحري عن طفرات مورثة مستقبلة الآرجنين فازوبريستين (AVPR2) المسؤولة عن الإصابة.
ما خطة علاج البيلة التفهة؟
أولًا.. في المرحلة الحادة يجب منع حدوث التجفاف عن طريق زيادة كمية السوائل التي يشربها المريض لتعويض الضياع البولي المستمر، وكذلك تصحيح اضطرابات شوارد الدم.
ثانيًا.. علاج سبب المشكلة:
- البيلة التفهة المركزية: يُعتمد عادة على تعويض نقص الهرمون المضاد للإدرار بمركب هرموني صنعي يسمى الديسموبريسين desmopressin، ويعطى على شكل بخاخ أنفي أو على شكل أقراص فموية أو حقن.
ويعمل هذا الهرمون المعيض على الحد من تواتر وكمية التبول، وهو فعال وآمن لمعظم المصابين بهذا النوع من البيلة التفهة، لكن يجب على المريض الذي يتناوله ألا يشرب الماء إلا عند الشعور بالعطش لتجنب زيادة كمية الماء في الجسم، وأيضًا إذا كانت الحالة ناجمة عن ورم أو حالة مرضية شاذة في الوطاء أو الغدة النخامية فيجب علاج السبب المرضي أولًا، ثم يبدأ بالمعالجة الهرمونية المعيضة.
- البيلة التفهة الكلوية: يوضع الطفل على حمية غذائية منخفضة الملح لتسهم في الحد من كمية البول التي تفرزها الكليتان، كما سيحتاج المريض إلى شرب كميات كافية من الماء لتجنب حدوث التجفاف، ويستخدم مدر الهيدروكلوثيازيد والذي ينقص من الحصيل البولي في حالة الإصابة بالبيلة التفهة الكلوية، وقد يكون لإضافة الإندوميتاسين أو الأسبيرين تأثير إضافي على مدر الهيدروكلورثيازيد في إنقاص إطراح الماء.
- البيلة التفهة الحملية: تعالج معظم حالات البيلة التفهة الحملية باستخدام الديسموبريسين، وفي حالات نادرة قد تنتج هذه الحالة عن خلل في الآلية المنظمة للعطش، ولا يلجأ الأطباء في هذه الحالات إلى وصف الديسموبريسين كعلاج.
- البيلة التفهة السهافية: لا يوجد علاج محدد لهذه الحالة، ويتركز على علاج المرض العصبي المرافق إن وجد.
أخيرًا.. فإنه رغم كون هذا المرض طويل الأمد، إلا أن إنذاره جيد بتوافر العلاج، وهو لا يؤثر في العمر الافتراضي للمصاب.