سيرين عبد النور – دير الزور
وجهتان أساسيتان تقتسمان رحلات الديريين اليوم وهما الخط الشرقي، ويضم قرى الريف الشرقي والوجهة الأساسية فيها مدينتي الميادين والبوكمال، والخط الغربي الذي يضم قرى الريف الغربي والوجهة الرئيسية فيها محافظة الرقة، لكن خط السير إلى الوجهتين بات محدودًا بعدد من القرى، والطريق محفوفة بالحواجز واللصوص.
ريم، معلمة نزحت مع أهلها الى مدينة الرقة، تقول بحزن “أنا مجبرة على قطع الطريق عدة مرات في الشهر، وفي كل مرة أشعر بأني مقسمة ومتعددة الوجوه”.
معاملة مختلفة ومطالب متنوعة تشير إليها ريم، يقابلها الركاب عند كل حاجز، “جميع النساء هنا مجبرات على النقاب والسفر برفقة محرم”؛ لكن هذه المطالب تختلف عند الوصول إلى حواجز الأسد، الذي يصبح “البرقع” عنده أداة جريمة ودليل إدانة على الخضوع لتنظيم “الدولة” وموالاته، وقد يؤدي في أغلب الأحيان إلى الاعتقال، ولذا تسارع النسوة بخلعه قبل الوصول إلى حواجز النظام.
لا يكاد ينتهي الحديث عن نقاط التفتيش في دير الزور، ولطالما شكلت قرى الحسينية والجنينة والكسرة محطات أساسية فيه، وهي نقاط أساسية في رحلات المسافرين عبر الريف الغربي، حيث كانت تتمركز فيها حواجز “الدولة” التي نشرت الرعب والهلع بين الأهالي. وقد فُقد العشرات من الناشطين والمقاتلين والمدنيين على تلك الحواجز لمجرد الاشتباه بهم، ولايزال مصير أغلبهم مجهولًا.
ولا يقتصر التفتيش عند حواجز “الدولة” على أسماء المطلوبين، بل يتعدى ذلك “ليشمل أجهزة الهاتف وحقائب السفر وأسباب حلق اللحى ومحاضرات مطولة حول الأخلاق والآداب والدين” بحسب حسين، وهو طالب جامعي يعمل على سيارة أجرة ليعيل والديه، ويضيف “حديث مستفز، لكن الرد عليه قد يكلف الإنسان حياته”.
قليلون نجوا من سجون هذه الحواجز وخرجوا حاملين قصصًا تثير الذعر عما يحدث داخل تلك السجون، حيث يتم تصفية أغلب المعتقلين بعد التحقيق معهم “بشكل وحشي”.
اليوم غابت تلك الحواجز، باستثناء بعض الصبية الذين يقفون إلى جانب “رايات الدولة” ويطالبون العابرين بهوياتهم؛ يقول محمد عصام أحد سكان قرية الجنينة “لقد تم سحب جميع العناصر من الحواجز وإخفاء آلياتهم منذ بدء الضربات الغربية ضد التنظيم”.
محمد الذي يصف ما كان الأهالي يعانونه بقوله “كنا لا ننام في الليل خوفًا منهم وخوفًا من القصف، وحياتنا باتت لا تطاق بسب تشددهم وتعديهم على الأهالي بحجج واهية”.
وقد بدأ التنظيم حملة ملحوظة لإخلاء مقراته والتخفيف من حواجزه المنتشرة في المنطقة؛ فحاجز “المغله” الذي سمي نسبه إلى القرية التي يتموضع فيها، وكان يعتبر من أكبر الحواجز ويضم معسكرًا صغيرًا، بات اليوم شبه فارغ إلا من بعض العناصر المحليين.
يقول محمد عصام “لقد أخلى التنظيم معظم مقراته، ومعسكرات مثل العكيرشي، التبني، منجم الملح، وكونيكو، التي كانت تعتبر من أضخم المعسكرات”.
وتعتمد الخطة الجديدة للتنظيم على إعادة توزيع عناصره وإخفاء آلياته، وذلك تحسبًا للغارات التي يشنها التحالف الدولي ضده، وهذا ما خفف بشكل كبير من خسائر التنظيم.
ورغم وقوع إصابات في صفوفه، إلا أنها اقتصرت على عناصر محلية أو مقاتلين قليلي الأهمية، منقذًا قياداته وأغلب آلياته العسكرية وذخائره الحربية من التدمير.
فسحة من الراحة والشعور بالأمان خلّفها غياب الحواجز عن طرقات المسافرين، لكن بعضهم ما زالوا متخوفين من عودة أكثر وحشية وتطرفًا، يواجهونه بالأمل بغد دون حواجز؛ يقول أحد ناشطي المدينة “من رائحة الشتاء المبطن بالخوف، قررت أن أرتدي الأمنية عساها تكون حافزًا يوحي بالدفء”.