عنب بلدي – العدد 137 – الأحد 5/10/2014
في الوقت الذي يُكمل فيه الحجاج شعائر الحج في مكة المكرمة، يصلي أبو نزار صلاة العيد بين أشجار الأراضي الزراعية المجاورة لبلدة اللطامنة في ريف حماة الشمالي مع عدد من النازحين، بينما تبدو شوارع البلدة خالية من الحياة عدا أصوات خافتة لبعض العصافير على شرفات المنازل المدمرة، التي تسللت عبرها خيوط شمس خجولة، معلنة مع أول غارة بداية يوم نزوح جديد.
أبو نزار، أحد المرابطين على جبهات القتال في البلدة تحدث لعنب بلدي، “البلدة خالية من الأهالي منذ فترة، إلا أن البراميل تطالنا بشكل يومي في الأراضي الزراعية المتاخمة لها، التي اتخذ منها من بقي من سكان البلدة ملجأ لهم”، ويتابع حديثه “ندفن بشكل يومي شهيدًا أو اثنين، كما أن أطفالنا لم يعيشوا من أجواء العيد إلا صلاتنا في الصباح، وهم يقلبون أنظارهم بين البسمة والحزن، تارة نحونا وأخرى على منزلهم البعيد المدمر من بين أغصان الأشجار”.
وليس بعيدًا عن أراضي اللطامنة الزراعية التي تغص بالخوف، كان للعيد طعم وبهجة أخرى عند ثوار مدينة مورك الذين تمكنوا ضمن غرفة عمليات “مورك الموحدة” من تحرير النقطة السادسة الواقعة خارج المدينة من الجهة الشرقية وقتل وجرح العديد من قوات النظام واغتنام عدد من الأسلحة والذخائر.
ينهي أبو نزار حديثه “امتلأت سماء البلدة صباحًا بتكبيراتنا فرحًا بتحرير النقطة السادسة شرق مدينة مورك، التي لاتزال الاشتباكات فيها على أشدها”، لكنه توقف عن الكلام عند سماعه صوت بكاء طفل في خيمة تحت إحدى الأشجار.
نقطع الكيلومترات القليلة باتجاه حماة المدينة التي تعيش حالة من الخوف والتضييق الأمني، لنجد آهات من نوع آخر، قيس الشامي أحد ناشطي مدينة حماة تحدث لعنب بلدي عن أجواء العيد هناك، “المدينة مليئة بالشبيحة وهو ليس بالأمر الجديد، وعلى الرغم من نشاط حركة أسواق المدينة في ليلة العيد وانتشار تجمعات للأطفال في معظم الأحياء، إلا أن الأجواء لم تعد كما كانت”.
غلاء غير مسبوق تشهده أسواق المدينة على مستوى السلع الغذائية واللباس بالإضافة إلى الازدحام الشديد، إذ يضيف قيس “يتحكم التجار بالأسعار كل حسب مزاجه كما ترتفع الأسعار عادة خلال أيام العيد بشكل كبير، ويعيش الأهالي حياتهم بين مكتفٍ وفقير لا يملك قوت يومه”.
لا تخلو المدينة من رائحة الموت حتى في أيام العيد، فبالإضافة إلى الشهداء الذين قدمتهم منذ بداية الثورة، تستمر المدينة بزف أبنائها واحدًا تلو الآخر؛ ينهي قيس حديثه “نوثق كل يوم شهيدًا على الأقل من أبناء المدينة تحت التعذيب في سجون الأسد، مدينتنا قدمت الكثير وإرادتنا قوية وسنستمر ما دامت الدماء تسري في عروقنا”.
يمر العيد الثامن على أطفال سوريا بعد أن كان شبحًا مخيفًا في عيدهم السابق، وتستمر المعاناة ويغدو الخوف ملازمًا لطفولة بريئة، لتتبعثر أحلامهم على طاولة الحرب، في حين يتساءل أهالي حماة عن مصير أطفالهم في ظل انعدام المقومات الأساسية للنشأة الصحيحة التي اعتادوا على تربية أولادهم عليها قبل أن يكون شعارهم في كل سنة منذ أن تألم طفل درعا “بأي حال عدت يا عيد”.