عنب بلدي – العدد 137 – الأحد 5/10/2014
إن الفقدان بأي مرحلة عمرية موقف صعب بالنسبة للأطفال، لأنهم بذلك يفقدون الإحساس بالأمان من الأشخاص الكبار المحيطين بهم والمسؤولين عنهم، لذلك ففقدانهم يجعلهم يعيشون حالة من الخوف والقلق الصعب، حتى لو كانوا غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم بكلمات واضحة.
الأحداث الصادمة التي يشهدها الطفل يوميًا وطبيعتها الكارثية بكل ما تحمله من عناصر القصف والدمار وفقدان الأشخاص من حوله، تشكل مصدرًا للخوف عنده، لكن الخوف الأساسي هو عدم فهم ماذا سوف يحصل لاحقًا، وبقاؤه قلقًا حول احتمالية فقده الأشخاص المحيطين به دفعة واحدة، لذلك يزداد تعلقه بهم بشكل زائد.
كما أن هاجسًا يتكون لدى الطفل دون الخمس سنوات بعد فقدان الأب والأم، لأنه يختبر فقدان الأشخاص من حوله بشكل يومي نتيجة الأحداث التي نعيشها هذه الأيام.
هناك اختلاف بين الأطفال في فهمهم لحقيقة الموت، فإذا كنا نتكلم عن الأطفال بعمر ما قبل المدرسة فإنهم يجدون صعوبة في فهم فكرة أن شخصًا ما قد اختفى إلى الأبد، حيث يتعلق خوفهم الأساسي بأنهم قد هجروا وتُركوا لوحدهم.
ويفسر الأطفال ذلك بأن سلوكهم هو المسؤول عن اختفاء هذا الإنسان، بحكم طريقة تفكيرهم في مرحلة الطفولة هذه، حيث إنهم يُرجعون كل ما يحصل في الكون لهم لأنهم يعتبرون أنفسهم مركز الكون.
مثلًا قد يفسر الطفل بأن ما حدث لأبيه عند وفاته مرتبط بسلوك قام به هو، وبذلك يقوم بتعميم هذا الخوف ويبدأ بالخوف من كل الأشخاص المحيطين به.
وقد يعبر الأطفال عن انفعالاتهم وعدم فهمهم لهذه الخبرة المؤلمة بسلوكيات مثل الضرب والعدوان والانطواء على الذات، وأحيانًا قد تظهر لديهم صعوبات نطق.
أما الأطفال الأكبر سنًا فيبدون فهمًا أفضل لحقيقة الموت، ومع ذلك تظهر لديهم سلوكيات وردود أفعال مشابهة لردود الأطفال الأصغر سنًا.
هذا يعني أن الطفل يمر بمرحلتين في طريقه لفهم حقيقة الموت، في المرحلة الأولى لا يفهم معنى الاختفاء ويعتقد بعودة المتوفى مرة أخرى ويخلط بين الخيال والواقع.
مثلًا إذا شاهد الطفل الشخص المفقود في مقطع فيديو فإنه يعتقد بأنه لازال على قيد الحياة، ثم ينتقل الطفل إلى مرحلة أخرى كلما تقدم به العمر، ويبدأ بفهم معنى غياب الشخص، ولكن لا يزال يخلط الخيال بعالمه عالم الأشباح والأرواح.
أما الطفل بعمر ثماني سنوات، فيتمكن من إدراك فكرة الموت وفهمها كما يتداولها الكبار، حيث يمكنه فهم معنى الاختفاء الكامل للإنسان.
المهم في هذه الحالة ألا نلغي شعورًا يعتبر رد فعل طبيعي تجاه الفقدان، من الطبيعي أن يعيش الطفل هذا الفقدان، وأن يفقد الأشخاص من حوله بحكم خبرته وبحكم التطور الفكري الذي لم يكتمل بعد إلى حد ما. علينا عدم مصادرة هذا الخوف، وإنما تقبله والتعامل معه، وذلك من خلال السماح للطفل بأن يتكلم عن مشاعره وانفعالاته، وتشجيعه على متابعة حياته اليومية، وعدم فرض طقوس الحزن والحداد الممارسة من قبل الكبار عليه.
كما يجب عدم السماح للطفل تحت ثلاث سنوات حضور مراسم الدفن، لأنه غير قادر على فهم ما يحدث، وبالتالي من الممكن أن يكون هذا الأمر مؤذيًا بالنسبة له.
أخيرًا، يجب الرد على أسئلة الطفل والاستماع له عند رغبته بالحديث عما شاهده وخبره، ربما أثناء موت أحد ما أمامه، وتشجيعه على تذكر الأحداث عند رغبته بذلك، ولكن يفضل الابتعاد عن التفاصيل المؤلمة، خاصة إذا كان الموت يتضمن خبرات وذكريات عنيفة.