عنب بلدي – العدد 137 – الأحد 5/10/2014
- القربان والحج
أكبر قربان مخيف هو ظاهرة الحرب، وهو قربان من نوع جديد، وكانت إفرازًا لتكوّن الدولة، ونمو الحضارة في فجر التاريخ البشري؛ فالدولة نشأت على العنف، إلا أنها وحسب الخط الذي بنيت عليه، أصيبت من نفس العلة بعدوى العنف، إنما بشكل آخر؛ ففي الوقت الذي استطاعت الدولة توفي الأمن الداخلي لأفرادها النائمين في كنفها، نقلت العنف إلى مستوى الاصطدام مع الدول الأخرى، ويبقى هذا العنف المسيطر عليه ضمن الدولة الواحدة، كامنًا تحت الرماد، حتى ينفجر بأفظع صورة وإطار في صورة الحرب الأهلية، كما في الحرب الأهلية الأمريكية ـ الإسبانية ـ الروسية أو أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا. لقد شاهدنا في رواندا حيث تم مسح 200 ألف إنسان من خريطة الحياة في مدى أسابيع قليلة، أو في سجل العار في البوسنة وكوسوفو؟!.
وفي المقابل، إن فداء إسماعيل، ومشروعية الأضحية، إعلان ضمني للسلام العالمي، والله لن يأكل اللحم ولن يشرب دم الأضحية، بل النية والتقوى {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} (سورة الحج، 37).
إن مظاهرة الحج الكبرى هي قمة السلم في الاجتماع الإنساني؛ فليس هناك من مدينة على وجه البسيطة إلا ومنها حاج، قد جاء على ضامر بشكل أو آخر، قد تصل إلى طائرة الكونكورد، وقد تكون ضامرات المستقبل الصواريخ، أو القطارات المغناطيسية الطائرة. وكما يجتمع المسلم مع أخيه المسلم في حلقات تكبر بشكل متصاعد، بدءًا من حلقة الحي في المسجد، ومرورًا بصلاة أهل البلد الواحد معًا خارج البلدة في صلاة العيد؛ فإن الحج الأكبر هو اللقاء الكوني الأعظم، ولذا ناسبه خطاب عالمي، ومن أهم خطاباته إعلان السلام العالمي.
إن جوهر الحج لا يدركه كثير من المسلمين، الذين يحرضون على تأديته، حيث يجب أن يحقق الحج بهذه المعاني الضخمة، التي كرسها، لتكون ينابيع للشحن الروحي السنوي لكل العالم الإسلامي، الذي هو في غابة فعلية من العنف المدمر