هل يعتذر الجلاد من الضحية؟ وكيف يمكن التخلص من الإرث الماضي لانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا؟ وماذا ستغير الاعتذارات العلنية عن الفظائع المرتكبة.
رواية للجريمة، واعتراف بالخطأ لارتكابها، وتعهد بعدم تكرارها، هي عناصر يجب أن تتضمنها الاعتذارات من قبل الجهات الفاعلة الحكومية أو الشخصيات العامة الأخرى.
أهمية الاعتذار
تُعتبر الاعتذارات مفيدة لعملية المصالحة في الدول التي شهدت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، خلال الفترة التي يتم فيها تخليص المجتمع من آثار الفترة السابقة، وتهيئته للانتقال بسلاسة، ومن دون تكلفة إضافية، إلى مجتمع جديد.
وتوفر الاعتذارات تسجيلًا للحقيقة من أجل التاريخ، فالاعتراف يساعد على توثيق قصص الضحايا كما حدثت بالفعل ومنع بث روايات مشوهة، وهو ما سيوفر إحساسًا بالإثبات للضحايا ولروايتهم، والإقرار بالقيمة الإنسانية لهم ولكرامتهم.
وبما أن هوية الشخص تستند جزئيًا إلى اعتراف الآخرين، فإن الاعتذار يمكن أن يساعد على تجنب الآثار الضارة التي يعاني منها الضحايا، أو التخفيف من حدتها عندما يعكس المجتمع نظرة مشوهة لماضي الشخص على ذلك المجتمع.
وتتعدى أهمية الاعتذار آثارها إلى المجتمع إذ يمكن له تعزيز عملية المراجعة للمعايير الاجتماعية ومناقشتها بشكل علني، وعلى هذا النحو، فإن فعل الاعتذار لا يمسّ الضحية المباشرة فحسب بل المجتمع الأوسع.
لم تقدم شخصيات من جميع أطراف النزاع السوري اعتذارات علنية عن المخالفات التي ارتكبتها، وهو ما يقوّض أهميتها في تيسير المساءلة والتعافي للأفراد والمجتمع و”غسل” انتهاكات حقوق الإنسان.
الانشقاق لا يكفر الذنوب
منذ بداية الحرب السورية انشقّ العديد من المسؤولين السابقين رفيعي المستوى في النظام، وحصلوا على مناصب رئيسية في صفوف المعارضة.
ولا يزال العديد منهم يمتنعون عن الاعتذار علنًا عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبوها، أو عن تورطهم في الفساد الحكومي بصفتهم جهات فاعلة في النظام، مما يفاقم عقلية أن الانشقاق ومناهضة النظام تلغي حالات الظلم الماضية المرتكبة ضد الشعب السوري.
لا يصوّب دعم المعارضة السجل التاريخي لهؤلاء، كما لا يمكن اعتباره صفحة بيضاء تكفر عن ذنوبهم، فضلًا عن أن ذلك يتجاهل الغرض من الاعتذار كآلية لقول الحقيقة والتي تُعتبر حاسمة لعملية المصالحة.
الاعتذار والعدالة الانتقالية
تسهم الاعتذارات العلنية في تحقيق الهدف المتمثل بقول الحقيقة، من خلال تعزيز الدقة التاريخية والاعتراف بمعاناة الضحايا، وعدم تكرار هذه المعاناة من خلال إظهار إصلاح الجاني، وتشجيع التفكّر المجتمعي للقواعد الحالية.
وفي حين تكون الجهات المتورطة بارتكاب الانتهاكات حذرة من المقاضاة أو الانتقام عند الاعتراف بأفعالها، يساهم الاعتذار العلني بتحقيق المصالحة والعدالة الانتقالية في المناطق التي مزقتها الحروب.
واعتمدت عدة دول آليات قول الحقيقة بعد الصراع، والتماس الحقيقة والاعتذارات من قبل منتهكي حقوق الإنسان و/أو مجرمي الحرب، مقابل تخفيض العقوبات أو الحصانة، إذ تسهم هذه التدابير على تعزيز المصالحة، وينبغي النظر فيها في سوريا بعد انتهاء الصراع مع التأكيد على أن تكون الرأفة قائمة على أساس الحقيقة والمساءلة، وألا يحول الانشقاق و/أو أنشطة المعارضة دون العدالة.
وينبغي أن تصدر هذه الاعتذارات من قبل جميع أطراف الصراع التي تسعى إلى إعادة بناء المجتمع السوري.
وتعترف الأمم المتحدة بأربعة ركائز للعدالة الانتقالية وهي الحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار.
أمثلة من تجارب الدول
منذ منتصف القرن الجاري ازداد استخدام الاعتذارات في عمليات المصالحة، ففي عام 2000، قدّم البابا يوحنا بولس الثاني اعتذارًا علنيًا عن الأخطاء التي ارتكبتها الكنيسة ضد نساء الشعوب الأصلية والفقراء.
وفي عام 2016 تم توجيه انتقادات لرئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، على نطاق واسع لعدم تقديمه اعتذارًا جديدًا لضحايا الحرب، بالذكرى السنوية السبعين لاستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية.
كما تم استخدام “لجان الحقيقة” في دول ما بعد النزاع لإتاحة الفرصة لمجرمي الحرب بالتعبير عن ندمهم لضحاياهم.
https://www.youtube.com/watch?v=pUshG1ULkH8
أعد هذا الملف من قبل عنب بلدي بالتعاون مع المركز السوري للعدالة والمساءلة
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :