الملتقى الوطني الثوري السوري: لا لسوتشي.. نعم لجنيف

  • 2018/01/28
  • 2:49 م
حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

 

حذام زهور عدي

في قاعة قدمتها بلدية باريس الثالثة للملتقى اجتمع عشرات السوريين ليعبروا عن موقف رفض مؤتمر سوتشي، الذي دعت إليه الخارجية الروسية باسم “مؤتمر الحوار السوري”، وعملت جاهدة على حشد أكبر تجمع ممكن من الموالين للنظام وعناصر تحسب على المعارضة السورية.

وبصرف النظر عن الحشد والوقت القليل الذي لا يتناسب مع ذلك العدد، فإن المؤتمرالروسي المقترح لايمكنه إدارة أي حوار ضمن الظروف التي عُقد فيها، ولم يعد هناك أي شك بأن الهدف منه إظهار الديبلوماسية الروسية أنها هي صاحبة القرار النهائي في الوضع السوري وأنها تقدم للدول المشاركة بـ “المسألة” السورية الحل الذي وافق السوريون عليه، والذي لم يعد سرًا أنه الحل الذي جهد الطيران الروسي بأحدث ما صنعته مصانع موسكو من أسلحة الدمار بصنعه.

لقد أطلق تجمع السوريين هذا في باريس على نفسه اسم “ملتقى” مبتعدًا عن مفردة “مؤتمر”، ليس فقط لنفور السوريين من المؤتمرات التي لم يحصدوا منها إلا التآمر على ثورتهم، وإنما لأن هذا التجمع أيضًا كما أعلنت لجنته التحضيرية هو خطوة “قد تكون تجريبية” لجمع سوريين وطنيين ملتزمين بثوابت الثورة لهدف أساسي هو رفض المشروع الروسي “سوتشي”.

تميز الملتقى الوطني الباريسي بأربع نقاط تُحسب له:

– الأولى: أن لجنته التحضيرية التقطت دعوات عدد من المفكرين والكتاب السوريين أو العرب المهتمين بالوضع السوري لتشكيل تجمع يعبر عن موقف الشعب السوري مما يحاك له في سوتشي وأمثالها ،من حلول ليست في مصلحته ولم يقم بثورته من أجل مثل هذه النتائج، فكانت المبادرة للعمل من أجل هذا الملتقى.

– والثانية: أن الملتقى حرص على استقلالية الموقف وابتعاده عن أي أجندة غير سورية، وبرهن على ذلك من خلال التمويل الذاتي لتكلفة انعقاده.

– أما الثالثة فهي وعيه بأهمية التواصل مع الداخل السوري الذي عبرت نقاطه الـ 21، بالرغم من الحصار والقصف، عن رأي واحد يُختصر باستمرار الصمود والتضحيات والحرص على استقلال القرار والتمسك بثوابت الثورة التي قدم الشعب السوري الغالي والرخيص من أجلها. وتجاوبت في هذا مع مواقف الناشطين الذين ظهروا عبر 11 نقطة أخرى غطتها معظم تنسيقياj دول المهاجر. وكان الانسجام السياسي بين الداخل والمهاجر واضحًا ومعبرًا عن وحدة موقف الشعب السوري.

– الرابعة: التنوع الملموس للحضور، والذي حرصت اللجنة التحضيرية عليه، ففي قاعة لا تتسع إلا لعدد محدود من المدعوين، كان المتابع يرى سوريا كما كانت في عشرينات القرن الماضي وحتى ثمانيناته وقبل إحكام المبضع الأسدي تمزيقًا بها، إذ حوت القاعة على تمثيل المذاهب والأديان والإثنيات السورية جميعها، وكان للمرأة حضور نوعي وإن لم تكن النسبة كما تتمناها الحركة النسوية السياسية السورية.

في الكلمات التي ألقيت داخل الملتقى كان يلوح تباين في الصياغة وإلى حدٍ ما وحدة في المواقف… فقد أجمع المتكلمون على قبول وثائق الأمم المتحدة بخصوص الحل السلمي، وأجمعوا على شعار “نعم لجنيف.. لا لسوتشي”، وتباينوا بين من توقف عند جنيف واحد ورفض الأرقام التالية له مع مخرجات مؤتمراتها ولاسيما مؤتمر فيينا والقرار 2245 الذي قبله مؤتمرا الرياض1 و2، وهيئتا المفاوضات اللتين انبثقتا عنهما، وبين من قبلها جميعًا وطالب بتنفيذ حرفي لها تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد أوضح الطرفان أسباب الرفض لما بعد “جنيف 1” أو القبول بما جاءت به الجنيفات التالية، وشرح جميعهم أسباب رفض سوتشي، التي تكررت في كلمات الداخل والخارج.

وفي لفتة مميزة لاقت الدعوة إلى جبهة عريضة (كانت واضحة في رسالة الدكتور برهان غليون إلى الملتقى وفي كلمة الدكتورة فداء حوراني) تتمثل فيها كل أطراف الثورة بغض النظرعن الخلفيات السياسية أو الأيديولوجية، لاقت ترحيبًا من معظم الحضور، فاللحظة لحظة خطر على السوريين كافة، وعليهم أن يتعاونوا من أجل دفع ذلك الخطر وبناء الوطن الذي يحلمون بالعيش مع أولادهم وأحفادهم فيه.

الواقع أن اللجنة التحضيرية بذلت جهدًا ملموسًا في تنظيم الملتقى، من حيث التقنيات الإعلامية بما فيها الترجمة لأكثر من لغة، والتواصل مع الداخل الذي كانت تجمعات تنسيقياته تتابعه وتصر على إسماع موقفها للخارج علّ المجتمع الدولي ينظر بعين العدالة والإنسانية إلى ما تريده من حقوق إنسانية يدعي تبنيها والدفاع عنها، ومن حيث الدعوات وتبليغها، لكنّ التقصير كان بدعوة تجمعات سياسية وتنظيمات سورية كان يمكن أن تقدم صورة أفضل لوحدة الشعب السوري، وغالب الظن أن الحملة الفيسبوكية العامة على تلك التنظيمات والتي لم تستطع تقديم مسيرة ناجحة للعمل الثوري هي ما دفع بعض أعضاء اللجنة التحضيرية لمثل هذا الموقف… وقد يكون عدم معرفة بعضهم الآخر بمن يجب أن يُدعى عاملًا آخر في هذا التقصير، كما كان من المفيد الانتباه لمتوسط أعمار المدعوين وتغليب من هم دون الخمسين لأنهم حملة الرسالة ومستقبل سوريا، بدلًا من المتوسط الذي بدا وكأنه جاوز الستين بين الحضور.

وقد أخذ بعض الحضور على الملتقى الباريسي الابتعاد عن اتخاذ أي موقف أو الإشارة إلى ما يحدث في سوريا من أحداث جسام كمسألة التهجير القسري في الرقة والتبديل الديموغرافي فيها وفي عشرات القرى العربية الواقعة شرق الفرات وغربه، وعدم التطرق إلى دخول القوات التركية الأراضي السورية قاصدة عفرين، مع أن ذلك الحدث المهم كان يجري يوم انعقاد الملتقى نفسه، لكن الراصد للملتقى يجد عذرًا له، فقد حدد هدفه مسبقًا بموضوع سوتشي فقط، ولم ترغب لجنته بالدخول فيما قد يشوش على هذا الهدف.

أيضًا أُخذ على الملتقى بعض الاضطراب والفوضى في مسألة برنامجه إذ بينما أعلنت الدكتورة سميرة مبيض عن عرض فيلم وثائقي، لاحظ الحضور تجاهل الإعلان وعدم عرض الفيلم، كما تلعثمت السيدة نجوى سحلول مقدمة البرنامج في تقديم الفقرات بسبب الاختلاف بين الورقة التي أمامها وما يعلنه أعضاء آخرون من تغيير، ولم تكن العلاقة مع الداخل في كثير من الأحيان سببًا بذلك، كما تجاوزت كلمات أخرى الوقت المحدد لها تجاوزًا أخل إلى حدٍ ما بترتيب البرنامج ووقت مداخلات الحضور.

أما السلبية الكبرى للملتقى فهي في البيان الختامي الذي كان يحتاج لتركيز فقراته من جهة وحذف بنود إنشائية لا لزوم لها من جهة أخرى، كما يحتاج لإتاحة الفرصة للحضور للحوار حولها، أما أن يُعلن أن الحضور قد توافقوا على البيان الذي يسمعه كثير منهم للمرة الأولى ولم يشاركوا فيه فذلك أحد تقاليد المؤتمرات التي نفر الشعب منها وكرهها، وأحد تقاليد الأنظمة التي ثارت شعوبها عليها.

وفي كل الأحوال كان الملتقى صوتًا سوريًا جامعًا أسمع العالم موقف رفض الشعب السوري للاحتلال الروسي ومخططاته، وللاحتلالات الأخرى، وما نرجوه ونأمله منه هو المتابعة النشطة لتوحيد الموقف السوري وتشكيل الجبهة الوطنية العريضة المقترحة، والاستمرار بأساليب نضالية تعيد للمرحلة الأولى من الثورة ألقها، وتقدم للعالم الوجه الحضاري الأجمل للشعب السوري.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي