فريق التحقيقات في عنب بلدي
سامية.. من “عانس” إلى “أرملة”
“ليتني لم أتزوج، ليتني لم أكن امرأة”، تنهال الدعوات على لسان سامية، التي هربت من نظرات المجتمع ووصفه لها بأنها “عانس”، إلى قدر جعلها “أرملة الشايب”، و”خادمة لأهلها” من جديد.
تحت ضغط عائلتها تزوجت سامية (اسم مستعار) قبل ثلاثة أعوام من رجل في الثالثة والسبعين من عمره بينما لم تكن تتجاوز هي الخامسة والثلاثين، لتجد نفسها ممرضة لمسن مصاب بالسكري يحتاج من يرعاه ويسانده في الأشهر الأخيرة من حياته.
عنب بلدي التقت سامية داخل منزلها في مدينة القامشلي، ورغم الحماسة التي أبدتها للحديث عن معاناتها، والكشف عن وجهها واسمها الحقيقي، إلا أن والدتها واجهتنا برفض كبير، وعارضت حديث ابنتها للإعلام.
عرضت سامية فيما بعد أن تروي قصتها دون الكشف عن هويتها الحقيقية، وأفاضت في الكلام النابع عن معاناة بدأت في منزل عائلتها، وانتهت فيه مرة أخرى.
“عانس، عانس، كان أبي وإخوتي وأمي يكررون ذلك على مسامعي، وعقب وفاة والدي، عمد أخي إلى تزويجي من رجل مسن”، ولم تكن تملك هي خيارًا في القبول أو الرفض، بل استسلمت مجبرة للحياة مع زوجها.
تؤكد سامية أن الرجل الذي تزوجته كان جيدًا، لكنها لم تجد سبيلًا لخلق التفاهم بينهما، وربما لم تجد الوقت الكافي لذلك، إذ تمكن منه المرض، وتوفي بعد نحو خمسة أشهر على زواجهما.
وكانت نهاية حياة المسن بداية لمرحلة جديدة من مآسي سامية، زادت الحرب طينها بلّة، فأضافت إلى اضطهاد العائلة فقرًا وخوفًا، اختصرته بقولها “مشرّدة يا أختي”.
ولعل الحرب التي أنهكت سامية خلقت عشرات الحالات المشابهة لحالتها، إذ تؤكد المحامية إيفين كلش لعنب بلدي أن ظاهرة زواج المسنين من فتيات ونساء أصغر منهم بعشرات السنوات أصبحت منتشرة بشكل كبير في محافظة الحسكة بعد الحرب.
الفقر الذي عانت منه سامية تجده المحامية كلش أحد أبرز أسباب هذه الظاهرة، إذ أدت بطالة الشباب، من وجهة نظرها، إلى “تفضيل بعض الفتيات للرجل المسن على اعتبار أنه جاهز من الناحية المادية ومستعد أن يوفر لها حياة كريمة”.
وتضيف كلش، “في الحرب زادت حالات زواج الفتيات من كبار السن، بسبب تناقص أعداد الشباب في البلد، منهم من توفي في الحرب، ومنهم من أصيب بإعاقة، ومنهم من هاجر”.
وتبرر المحامية بعض مخاوف الأهالي في هذا الإطار، وبالتحديد ما يرتبط منها بموجات النزوح الداخلي والخارجي، التي كانت سببيًا في زيادة بعض حالات الاغتصاب والتحرش بالفتيات.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على منطقة دون أخرى في سوريا، كون الأسباب التي أدت إلى تزايد انتشارها أصابت السوريين في مختلف المناطق، وخلقت لديهم أزمات متماثلة من الطبيعي أن تكون نتائجها واحدة.
ففي الغوطة الشرقية على سبيل المثال تُسجل خلال الشهر الواحد ثلاث زيجات لرجال مسنين من نساء وفتيات يصغرنهم بفارق عمريّ كبير، بحسب مدير إدارة السجل المدني، إسلام الدمشقي، الذي يؤكد أن أغلب هذه الحالات تكون لرجال توفيت زوجاتهم أو نزحن إلى مناطق أخرى.
ويعد الجدّ محمد خالد من مدينة حمورية أحد هؤلاء الرجال الذين تزوجوا بعد بلوغهم سن السبعين، وهو لا يرى أي حرج في شرح دوافعه للزواج مجددًا، وإن كانت مقتصرة على حاجته إلى وجود سيدة “تخدمه”.
يقول السيد محمد، الذي يبلغ من العمر 75 عامًا، لعنب بلدي، “ماتت زوجتي وبقيت أعزبًا لمدة خمسة أعوام، لم أكن أريد الزواج، ولم أرد أن يخدمني أحد من أولادي، فقررت أن أتزوج لأجد من يخدمني”.
وتلتقي قصة الجدّ محمد خالد مع قصّة سامية في فكرة “الخدمة”، التي تجعل من الزوج جانيًا يحصّل راحته على حساب ضحيّة محكومة بشريعة العادات والتقاليد والظروف الصعبة.
يبرر مدير إدارة السجل المدني في الغوطة، إسلام الدمشقي، زواج محمد خالد وغيره من المسنين المقبلين على الزواج بـ “الملل من الوحدة والحاجة إلى الاستقرار”، وترى المحامية إيفين كلش أن مثل هذا الزواج ينعكس بشكل سلبي على المرأة ويسلبها حقوقها.
تعيش اليوم زوجة محمد خالد معه “على الحلوة والمرة” رغم ظروف الحصار المطبق على الغوطة الشرقية “وتخدمه” وتوفر عليه عناء سؤال المساعدة.
أما سامية، فلم تستطع أن تُحصّل أي جزء من الميراث الذي يحقّ لها شرعًا، كما حرمها أولاد الزوج من المنزل الذي كان قد سجله باسمها قبل أن يتوفّى بحجة أن عملية الفروغ لم يتم تثبيتها في المحكمة، فعادت، بحسب تعبيرها “خادمة في منزل أخيها”.
زواج المسنين في سوريا “أعزب دهر ولا أرمل شهر”
أبدى المجتمع السوري تسامحًا حيال القضايا المتعلقة بالرجل، ووضعها في سياقها الطبيعي، متيحًا للرجل ما لم يتحه لنصف المجتمع الآخر، متغاضيًا عن “زلات” قد تصطدم بها المرأة بحجة أنها “امرأة” وأنه “رجل”، إذ كان ومازال طلب المرأة للزواج أمرًا معيبًا في أعراف المجتمع السوري، خاصًا مع تقدمها بالعمر، إلا أنه أمر متاح، بل ومُشجَّع عليه، بين يدي الرجل حتى وإن بلغ خريف عمره، تحت مقولة “أعزب دهر ولا أرمل شهر”.
لم يكن زواج الرجل المتقدم بالعمر مشهدًا جديدًا في حياة السوريين، بل أخذ سياقًا مألوفًا قد تنقلب معه الموازين ويُقابَل باستغراب في حال توفيت المرأة ولم يتزوج زوجها من أخرى في غضون أشهر معدودات.
ومع انقلاب أركان المجتمع السوري على عادات ترسخت داخله منذ عقود، كان للسنوات السبع الأخيرة في سوريا أثر في تعزيز التناقض عبر ارتفاع حالات زواج المسنين في سوريا، في وقت أبدى فيه الشباب عجزهم عن الوصول للزواج الأول، مستسلمين للأمر الواقع.
هربًا من نظرات المجتمع إلى خدمة زوج مسن
بالحديث عن خلفيات انتشار ظاهرة زواج المسنين في سوريا، يتوجب الحديث بداية عن تحذيرات عدة هددت المجتمع السوري وأرهبت إناثه من “شبح العنوسة” مع تخطي عدد الإناث في سوريا حاجز 65% من مجمل فئات المجتمع، وفق ما صرح القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي، لصحيفة “تشرين” الحكومية، في شباط 2017.
وكان الزواج من ثانية أحد الحلول التي اقترحها المعراوي للقضاء على ظاهرة العنوسة، بالتزامن مع دعوات عدة وجهها شيوخ سوريا في المساجد وخطب الجمعة لحث الرجال على الزواج بثانية، مركزين بذلك على الرجال المقتدرين وليس على الشباب في مقتبل العمر.
تلك التلميحات كان لها أثر على الرجال المتقدمين بالعمر والذين تخطوا مرحلة تكوين النفس، نسبيًا، بامتلاكهم منزلًا كحد أدنى، الأمر الذي كان كفيلًا بإقناع أهل الفتاة للموافقة على زواج ابنتهم من رجل متقدم في العمر، سواء أكان أرملًا أو متزوجًا أو مطلقًا.
وراجت الفكرة في المجتمع، رغم الضجة التي أحدثتها، خاصة بعد اعتماد رجال الدين في إقناعهم للرجال على قاعدة شرعية تقول إن الزواج الثاني يصبح “حاجة ملحّة” في حال انتشار العنوسة بالمجتمع، “منعًا لانتشار البغاء” و”لحماية نساء مجبرات على الانحراف عن الدين والعادات”.
تركيز رجال الدين لم يكن على الزواج من الفتيات الصغيرات كما اعتقده البعض، بل حثوا على الزواج من النساء الأرامل وزوجات الشهداء وأمهات الأيتام ذوات الحاجة المادية، ليكون الزواج الثاني من وجهة نظرهم حلًا لمشكلتين، ارتفاع نسبة العنوسة وتزايد عدد الأرامل.
إذ خلّف موت أكثر من نصف مليون سوري، منذ عام 2011، آلاف النساء الأرامل اللواتي تُركن في مواجهة أعباء الحياة بمفردهن، وسط جدل كبير حول إيجاد حل لهن.
الشيخ علاء حلواني، الخريج من معهد شرعي بدمشق والمقيم في مدينة إدلب، قال في حديث سابق لعنب بلدي إن أكثر حالات الزواج الثاني انتشارًا في سوريا تكون من أرملة، بهدف “الستر عليها وكفالة أيتامها”، وتابع “قابلت كثيرين ممن يسعون للزواج من امرأة ثانية تطبيقًا لسنة رسول الله (ص)، بالإضافة لوجود دافع إنساني لدى الرجال بالزواج من أرامل الشهداء على وجه التحديد، لكي يوفروا لهن العيش الآمن ويقوموا بتربية الأولاد”.
زواج أم “بيع وشراء”
رغم الدعوات إلى الزواج من الأرامل والنساء اللواتي تخطين العمر المتعارف عليه للزواج في البلد، وجد بعض الرجال المتقدمين بالعمر فرصة لتلبية رغباتهم بالزواج من “بنات العشرين”، هنا لم تكن الدوافع في إطار الاستجابة لحاجات المجتمع الملحة تجاه النساء، بل ظلت ضمن رغبات بعض المسنين بتجديد شبابهم مع فتيات يستعيدون من خلالهن أيام الزمن الجميل، حسب معتقداتهم الموروثة.
ورغم تأييده لزواج الرجل أيًا كان عمره، طالما أن القانون والشرع لا يمانع، ظل المجتمع السوري ينظر إلى زواج كبير السن من فتاة تصغره بكثير على أنها “صفقة بيع وشراء”، وسط مؤشرات إلى ارتفاع وتيرة هذه الظاهرة سواء في مناطق المعارضة أو مناطق النظام، على خلفية الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها العائلات السورية.
وبذلك أصبحت الفتاة السورية، اليوم، تقبل بأي زوج يكفيها ماليًا ويُشعِرها بالحماية، رغم أنها كانت لا تقبل به في الحالة العادية، تجنبًا لتلميحات عدة تضعها في إطار كلمة “عانس”، بالإضافة إلى امتلاكها “فرصة” التخلص من ظروف مادية صعبة تعيشها في منزل والديها، كما تعتقد.
دوافع المسنين للزواج من صغيرات، كما تراها الدكتورة زهراء بيطار، تتبع لعوامل نفسية وموروثات ذكورية، يريد معها المسن اختبار “فحولته” وقدرته على ممارسة الجنس كالشباب، بالإضافة إلى قناعته أن الزوجة إذا كانت صغيرة يمكن أن تعيد له شبابه وتنجب له الأولاد، وفق ما قالت بيطار لعنب بلدي.
وتابعت أن الظروف المادية للفتاة وأهلها مهدت الطريق أمام زواج كبار السن من فتاة بحاجة للزواج، بإمكانها أن تلبي كافة احتياجاته الجنسية والاجتماعية والحياتية.
من ناحية أخرى، لم ينكر علماء النفس والمجتمع أن حل العنوسة وانتشار الأرامل في المجتمع السوري يكون بالزواج، شرط أن يقوم على أسس صحيحة وعلى إرادة حرة من قبل الطرفين، وفق ما قال الدكتور إسماعيل زلق لعنب بلدي.
الدكتور إسماعيل، اختصاصي ومدرب في الطب النفسي، أضاف أنه يجب احترام رغبة المرأة وتقدير إرادتها وتوعيتها بعواقب زواجها من رجل يباعدها كثيرًا بالسن، داعيًا منظمات المجتمع المدني إلى لعب دور في مجال توعية الأرامل، وإعداد دورات تدريبية توعوية بهذا الخصوص.
ومع ذلك رأى الاختصاصي النفسي أن زواج كبار العمر من نساء يصغرنهم بالعمر قد لا يكون له أثر سلبي دائمًا، وقد يكون فعلًا حلًا لمشكلة متفشية بالمجتمع تزيد في حالات الحروب ووفاة رجال كثر، ولكن بما يتناسب مع حالة المرأة.
زواج المسنين من صغيرات في علم النفس
بعيدًا عن الضوابط القانونية والشرعية، ينظر علم النفس إلى فقدان الشريك على أنه “الخسارة الأكبر” التي تلحق بالإنسان على الصعيد الاجتماعي، خاصة بعد انشغال الأولاد في حياتهم الخاصة واستقلالهم عن والديهم.
منسق الصحة النفسية والدعم النفسي في منظمة “مستقبل سوريا الزاهر”، الدكتور عمار بيطار، يرى أن دوافع الرجل المسن للدخول في علاقة جديدة يأتي في إطار شخصي لتعويض ما خسره على الصعيد العاطفي والاجتماعي والروحي وحتى الديني.
الدكتور بيطار أضاف في حديثه لعنب بلدي أن الخلفية الدينية والاجتماعية والموروثات الثقافية السائدة في المجتمع تعزز لدى كبار السن فكرة الاستجابة السريعة للزواج، من منطلق أن وجود المرأة في المنزل حاجة ضرورية وأن الاحتياجات المنزلية بالنسبة للرجل في المجتمع السوري لا تُلبى إلا بوجود ربة المنزل التي تدبر الأمور من مأكل ونظافة وإدارة شؤون المنزل ومن فيه، فضلًا عن تلبية احتياجات الرجل المختلفة.
“تلك الدوافع غالبًا ما تكون في حال فقد الزوج زوجته الأولى وأصبح أرملًا”، يقول الدكتور عمار بيطار، مشيرًا إلى أن الدوافع السابقة تختلف عن دوافع الرجل في حال رغب بالزواج على زوجته الأولى، إذ غالبًا ما تكون تلك الحالات بدافع مرض الزوجة الأولى أو تحت دعاوى انشغالها عن زوجها وتقدمها بالعمر وعدم قدرتها على القيام بمسؤولياتها تجاهه، من تلبية الاحتياجات العاطفية والنفسية للرجل، والتي قد تلبيها له الزوجة الثانية، خاصة أن القانون والشرع لا يمنع تعدد الزوجات في حال كان الزوج مقتدرًا.
هل يمكن أن تتأقلم الزوجة وأطفالها مع رجل مسن؟
من منظور آخر، يرى علم النفس أن لزواج المسن من فتاة في مقتبل العمر آثارًا نفسية قد تطال الزوجة وأطفالها، ومنها شعور الزوجة بـ “الظلم” وأنها ليست بالمكان الصحيح، ما يشكل عندها حالة قلق مزمن لا تعرف مصدره بالضبط، وفق ما قالت الدكتورة زهراء بيطار.
الدكتورة بيطار، الاختصاصية في الطب النسائي، أوضحت لعنب بلدي أن الزوجة من الصعب أن تتأقلم على العيش مع رجل بعمر والدها، وغالبًا ما تتخلل علاقتهما مشكلات كبيرة قد لا تطفو على السطح، بسبب انعدام التقبل النفسي عند المرأة وشعورها بأنها سُلبت حياتها وشبابها ما يعرضها لحالات اكتئاب.
ومع ذلك ترى الدكتورة زهراء بيطار، التي وثقت حالات عدة كهذه خلال عملها، أن وجود زوج كبير بالعمر له تأثير على الأطفال أيضًا، من ناحية شعورهم بـ “الانتقاص” إذا كان الأب كبيرًا بالعمر، خاصة أن صعوبة سيطرته عليهم يفقدهم “الراعي الأخلاقي” الأول في حياتهم لقلة تأثرهم بهم، حتى وإن كان ميسورًا ماديًا.
وتابعت الدكتورة بيطار “الأثر الأكبر في حياة الأطفال أن والدهم المسن قد يموت، ما يجعلهم عرضة إلى فقدان المعيل، والمرشد الأول في حياتهم”.
وعن التأقلم، قالت بيطار إن كلمة تأقلم “كبيرة جدًا”، إذ إنها غالبًا ما تصبح صعبة التحقّق عند مواجهة ظواهر خارجة عن المألوف، كأن تعيش المرأة مع رجل بعمر والدها مثلًا.
لا سقف أعلى لسن الزواج في القانون.. وشرط الكفاءة “منسي”
لا يمانع قانون الأحوال الشخصية السوري زواج الرجل والمرأة أيًا كان عمرهما، طالما تجاوزا سن “الأهلية القانونية”، المحدد للذكر ببلوغه سن الـ 15، وللأنثى سن الـ 13، فيما لم يضع سقفًا أعلى لعمر الرجل والمرأة في عقد الزواج، طالما استوفى العقد كافة الشروط التي تجعله صحيحًا شرعًا وقانونًا.
المادة رقم 27 من قانون الأحوال الشخصية السوري تُعرّف الزواج على أنه “عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعًا، غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل”، ويشترط العقد موافقة الطرفين على الزواج وموافقة ولي أمر الفتاة، بالإضافة إلى وجود شاهدين من الرجال، أو رجل وامرأتين.
إلا أن القانون السوري يضع ضمن اعتباراته، وإن كان شكليًا، توفر شرط “الكفاءة” بين الزوج والزوجة، ومن هنا تُجسد الكفاءة ضرورة التوافق المادي والعمري والاجتماعي والثقافي بينهما.
وسنّ القانون السوري المادة رقم 19 والتي تقول إن “من شروط الكفاءة الزوجية تناسب السن، فإذا كان الخاطبان غير متناسبين سنًا ولم تكن هناك مصلحة في هذا الزواج فللقاضي ألا يأذن به”.
إلا أن محامية في دمشق قالت لعنب بلدي إن القضاة غالبًا لا يراعون توفر شرط الكفاءة العمرية بين الرجل والمرأة طالما أن الزوجين بلغا السن القانوني وأبديا موافقتهما على الارتباط بحضور ولي أمر الفتاة.
وعلى اعتبار أن المحكمة الشرعية في سوريا لا تقبل تزويج الفتاة إلا بحضور ولي أمرها، حتى وإن بلغت سن الأهلية، فإن القاضي الشرعي يزوج الفتاة دون اعتبار لسنها، حتى وإن كانت قاصرًا، ويكتفي بالحصول على موافقتها وموافقة ولي أمرها المسؤول عنها دون النظر إلى الفروقات العمرية بينها وبين زوجها، وفق ما قالت المحامية التي فضلت عدم ذكر اسمها.
وتابعت أنه في حال كانت الفتاة قاصرًا وأراد والدها تزويجها برجل يكبرها كثيرًا في السن فإن القاضي يكرر سؤاله للفتاة عن موافقتها على الزواج، وقد يسألها على انفراد إن كانت تعرضت لضغوطات من قبل أهلها للموافقة على الزواج.
أما في حال غياب أولياء الفتاة فيحق للقاضي أن يزوجها تطبيقًا للقاعدة الفقهية التي تعتبر القاضي وليًا لمن لا ولي له، وذلك في حال ارتأى أن القاصر أو الفتاة البالغة مؤهلة للزواج، أو إن ارتأى أن في زواجها من رجل يكبرها بالسن مصلحة خاصة أو عامة.
نظرة شرعية حول زواج المسنين من صغيرات
لم يضع الفقه الإسلامي في أحكامه، التي تعتمدها المحاكم الشرعية في سوريا، سقفًا أعلى لعمر زواج الرجل طالما أن زواجه يأتي في إطار “درء المفاسد” وضمن الضوابط الشرعية التي يحددها الإسلام.
وغالبًا ما ينظر الإسلام إلى زواج المسنين من منظور إنساني أوجبه ضرورة شعور الرجل، ومثله المرأة، بالاستقرار في مراحل العمر الأخيرة، خاصة مع انشغال الأولاد مع عائلاتهم وغياب شريك الحياة.
وبالحديث عن الفروقات العمرية بين الزوجين لا يشترط الفقه الإسلامي سنًا معينًا في الزواج من حيث تقارب عمر الزوجين أو تباعدهما، بل يرغّب بكل ما فيه استقرار الحياة الأسرية طالما أن الشريكين موافقان على هذا الارتباط، وفق ما قال القاضي الشرعي ضياء ليلى لعنب بلدي.
ويحرّم الإسلام إجبار الفتاة على الزواج من رجل يكبرها بالسن، ويُعتبر وليها “آثمًا” في حال أجبرها على ذلك، إذ إن موافقة الفتاة كانت ومازالت أساسًا لصحة الزواج في الإسلام.
ضياء ليلى، قاضٍ في محكمة الغوطة الشرقية التابعة للمجلس القضائي في دمشق وريفها، أوضح لعنب بلدي أنه لا قاعدة شرعية تحدد فارق العمر بين الزوج وزوجته، استنادًا إلى أن الرسول (ص) تزوج من امرأة تكبره بالعمر 15 عامًا، ومن امرأة يكبرها بالعمر 30 عامًا.
وتابع أن الكفاءة تكون واجبة في حال استشعر الزوجان أن لفارق العمر الكبير بينهما أثرًا سلبيًا على علاقتهما وعلى أولادهما وعلى المجتمع بشكل عام.
وتابع أن “الكفاءة بالعمر بين الزوجين تكون أوفق في حال التقارب العمري لئلا يشيخ الرجل ويصبح هرمًا في نظر زوجته الشابة أو العكس، فيكون لذلك تأثير سلبي في علاقتهما ويفقدان بذلك السكينة المرجوة من العلاقة الزوجية”.
أما في حال الحروب ومع ازدياد عدد الأرامل وزوجات الضحايا في المجتمع فإن للإسلام نظرة يشجع من خلالها على الزواج منهن، في حال موافقة الرجل والمرأة، دون النظر إلى فارق العمر، وفق ما قال القاضي ليلى.
وتابع “لا بد للحياة من الاستمرار تحت أي ظرف، والزواج يغير الحياة ويزيل ما يصيب من الهموم فخير متاع الدنيا المرأة الصالحة، وتقاسم الهموم والتكاليف يخففها”.
واعتبر ضياء ليلى أن الإسلام يحفظ حق المرأة الصغيرة في السن حال تزوجت من رجل يكبرها بكثير، إذ لها من الميراث ما يحق لكل زوجة، معتبرًا أن “الوقوف على الأحكام الشرعية والتثقيف الشرعي للطرفين وتثبيت الزواج لدى المحاكم الشرعية القائمة” أمر في غاية الأهمية للحفاظ على حق الزوجة وأولادها.
أما الشيخ وليد الخطيب، من إدلب، اختصر الحالة بشقين اثنين، الأول من الناحية الشرعية التي أكد فيها أن زواج الرجل المسن “حلال قولًا واحدًا، ولا أحد يجرؤ على تحريم الحلال”.
أما من حيث الاختيار فقال الخطيب لعنب بلدي إنه يتوجب أن تُراعى “المصلحة العامة لكلا الطرفين”.
بين مؤيد ومعارض ومتحفظ..
كيف ينظر السوريون إلى زواج المسنين؟
تتعدد الأسباب التي تدفع المتقدمين بالعمر إلى الزواج من نساء وفتيات يصغرنهم بأعوام كثيرة، إلا أن هذه الظاهرة التي ازداد انتشارها في سوريا بعد الحرب خلقت جدلًا اجتماعيًا، ووزعت السوريين بين مؤيد لها، ومعارض، ومتحفظ عليها.
فبينما يراها البعض حلًا لتأخر زواج الفتيات، يعتقد آخرون أنها وسيلة جيدة لـ “الستر على زوجات ضحايا الحرب والمعتقلين”، وتنظر إليها فئة أخرى نظرة إيجابية على اعتبارها “خالية من نقد الشرع”.
إلا أن شريحة كبيرة من السوريين ترفض هذا الزواج، وترى فيه أمرًا سلبيًا يحمل الكثير من الأعباء النفسية والاجتماعية على النساء بالدرجة الأولى، وعلى الأطفال أيضًا.
انقسام الآراء حول الظاهرة تجلّى في استطلاع الرأي الذي أجراه مراسل عنب بلدي في حماة، الذي سأل بعض المواطنين عن وجهات نظرهم حيال الأمر.
إبراهيم حبابة، أحد سكان ريف إدلب الجنوبي، قال لعنب بلدي إنه لا يرى ضيرًا في زواج الرجل المتقدم في العمر من فتاة صغيرة، وذلك بسبب تناقص أعداد الشبان إثر الحرب في سوريا، كما يشدد على أن هذا الزواج لا يحمل أي سلبيات.
أما عساف العساف، من ريف حماة، فيرفض زواج المسنين من فتيات صغيرات، معتبرًا أن التفاهم بين فتاة عشرينية على سبيل المثال ورجل خمسيني سيكون مستحيلًا كونها سترى فيه أبًا وليس زوجًا.
ووفق استطلاع أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني، وصفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، فإن غالبية المشاركين يذهبون لتأييد موقف العساف، إذ صوّت 59٪ منهم بـ “ضد”، فيما عبّر 11٪ فقط عن تأييدهم الكامل لهذا الزواج.
22٪ من المشاركين في الاستطلاع، والذين وصل عددهم إلى 1500، أيدوا زواج المسنين إذا كانت الزوجة من “أرامل ضحايا الحرب”.
بعض مستخدمي “فيس بوك” الذين علّقوا على الاستطلاع فسّروا وجهات نظرهم تجاه زواج المسنين من نساء صغيرات في السن.
وكتب عماد شبيب “المرأة بحاجة للرجل إن كانت أرملة، وأنا أفضل زواج الرجل بأرملة”، كما ساق شبيب لتأكيد موقفه رأيًا شرعيًا يقول بضرورة تعدد الزوجات.
أما خالد الحلبي فذهب إلى تحليل أسباب هذا الزواج، واعتبر أن الوضع المادي للرجل هو المعيار، ومن وجهة نظره فإن بعض الأهالي لا ينظرون إلى “عمر وخُلُق ودين الرجل”، بل إلى أمواله.
من جانبه دعا نادر الحريري إلى دعم الشباب والشابات في موضوع الزواج كحل لمثل هذه الظاهرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :