عنب بلدي – نينار خليفة
“تعرضت لإصابة كبيرة عندما سقطت قذيفة على غرفتي وأنا نائمة، قُتل زوجي وبُترت قدمي اليسرى، انكسرت النقالة التي كنت مستلقية عليها عند نقلي إلى المستشفى، ما أدى إلى تفاقم وضع الجرح وتفتت في القدم المصابة، خضعت لعملية بتر للساق في مشفى زملكا، وبسبب القصف الكثيف على المدينة نقلت إلى مشفى حمورية، وأكملت علاجي الطبي في مشفى دار الشفاء، أجريت لي العديد من العمليات الاضطرارية، وكانت هذه العمليات تتم على فترات متباعدة بسبب القصف”.
لم تتوقف حالة خديجة ذات الـ 19 عامًا هنا، فبعد فك المثبتات حان وقت تركيب الطرف الصناعي، تم شراء المفصل من لبنان وأدخل إلى دمشق، واضطرت المنظمات المختصة لدفع أتاوات كبيرة لتمريره إلى الغوطة المحاصرة.
تكفّل المتبرعون لفريق “ملهم التطوعي” بدفع ثمن المفصل بعد سماع قصة خديجة، وهي حاليًا تجري أولى محاولات المشي بواسطته.
“كنت حاملًا عند إصابتي، وبعد ولادتي بشهرين افتتحت المدارس في الغوطة، فقررت العودة لأكمل دراستي وأحصل على شهادة الثانوية العامة الفرع العلمي، وذلك بعد اضطراري للانقطاع عنها بسبب إصابتي الحربية”، تكمل خديجة مُظهرة قدرًا من الإصرار والأمل “حاليًا أنتظر العودة للدراسة، فقد أغلقت المدارس بسبب القصف الشديد على الغوطة الشرقية، كل النشاطات متوقفة في الغوطة بسبب القصف، فقط المشافي الميدانية تعمل…”.
خديجة واحدة من مئات الآلاف الذين فرضت عليهم الحرب أن يعيشوا ظروفًا استثنائية، وأوجاعًا ومسؤولياتٍ ربما تفوق قدرتهم على التحمل، هي الحرب التي لم تترك أحدًا إلا وتلظى بنيرانها، ولكنها تركت آثارها في جسد البعض بإصابة خلفت إعاقة، كانت ستكون بسيطة لو توافرت ظروف العلاج المناسبة والتي تبعد بضعة أمتار عن الغوطة.
تقول آلاء التي تعيش في كفربطنا “أصبحت المعيلة لعائلتي المكونة من خمسة أفراد، بعد أن أصيب والدي بالشلل جراء سقوط قذيفة، عمري الآن 20 عامًا وأعمل مدرّسة، ما من سند لنا في هذه الظروف الصعبة إلا الله…”.
ثلاثة ملايين سوري “مصابو حرب”
وتوضح إحصائيات منظمة “الصحة العالمية” الأخيرة، التي نشرتها منتصف كانون الأول 2017، إلى أن ما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص أصيبوا منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011، أي بمعدل 30 ألف إصابة كل شهر.
التقرير الذي أعدته “الصحة العالمية” بالتعاون مع “المنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة” بيّن أن 1.5 مليون من بين الثلاثة ملايين مصابون بإعاقات دائمة، 86 ألفًا منهم مبتورو الأطراف، ونوّه التقرير إلى أن ثلثهم من الأطفال.
وتسببت القيود بالغة الشدة على إتاحة الرعاية الطبية، في أن تتحول الإصابات التي يعاني منها كثير من المصابين إلى اعتلالات تلازمهم طيلة حياتهم، بحسب التقرير الذي أكد أن تلك الاعتلالات كان من الممكن الوقاية منها لو حصل هؤلاء الأشخاص على الرعاية الملائمة في الوقت المناسب.
تراجع الخدمات المقدمة وزيادة الحاجة
مع طول أمد الحرب تراجع نشاط الجمعيات التي تعنى بالمصابين والجرحى في مناطق سيطرة المعارضة، جراء شح التمويل، والتكاليف المرتفعة التي يستلزمها العلاج الطويل وتعويضات الأطراف الصناعية، إذ يتجاوز تكاليف تركيب طرف صناعي بدائي 1500 دولار، في حين يبلغ تركيب طرف صناعي ذكي، نحو 60 ألف دولار، وهي مبالغ مرتفعة جدًا إذا ما قيست بعدد المحتاجين إليها.
يصف زكريا، وهو أحد المصابين في الغوطة والذي تسببت إصابته بإعاقة تحولت إلى دائمة نتيجة خطأ طبي وهو المعيل الوحيد لعائلته، الوضع الإنساني الصعب الذي يعاني منه الجرحى نتيجة الحصار المفروض على الغوطة، وموجة البرد التي عصفت بالمنطقة.
ويرى زكريا أن أكثر ما يحتاج إليه الشخص المصاب هو الغذاء والدفء، ولكن الظروف الحالية تجعل من الصعوبة بمكان تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية منهما.
وأردف “لا يشعر بالجريح إلا الجريح… البرد يزيد من معاناتنا وأوجاعنا، يلجأ معظم المصابين إلى إحراق ثيابهم من أجل التدفئة”.
وأشار زكريا إلى أن التدفئة تحتاج إلى الحطب الذي تبلغ تكلفة الكيلو منه 300 ليرة سورية، وهو ما يتعذر على المصاب تأمينه. أما عن الغذاء “فننتظر المساعدات التي تصل من الجمعيات عبر سلل غذائية توزع علينا كل شهرين”.
مؤسسات تقدم خدماتها لمصابي الحرب في الغوطة
جمعية لمسة عافية
تقدم الجمعية خدماتها إلى نحو 800 إلى 850 مصابًا، وفق ما صرح مسؤول العلاقات العامة في الجمعية لعنب بلدي.
وأوضح أن الخدمات المقدمة تتضمن إعانات نقدية شهرية، إلى جانب مساعدات غذائية وصحية وطبية تقدم حسب حاجة المصاب وعائلته وقدرات الجمعية.
كما تقدم الجمعية أجهزة طبية لمساعدة المصابين في الحركة (كراسي عجزة، عكازات، ووكر للمشي)، وخدمات المعالجة الفيزيائية.
وإضافة إلى ذلك يقوم أعضاء الجمعية بزيارة منازل المرضى، إلى جانب تنظيم نشاطات مخصصة للدعم النفسي والترفيه كالحفلات والرحلات التوعوية للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وتشمل أنواع الإصابات:
الشلل الرباعي، الشلل النصفي، بتر الأطراف، الاستسقاء الدماغي، الإعاقة العقلية، داء ويلسون، داء بيترس، السرطان، فقر الدم، شلل في طرف علوي أو سفلي، الإصابة بالعمى، سوء التغذية الحاد جدًا الذي قد يؤدي إلى إعاقة.
وعن التحديات التي تواجه الجمعية لفت محمد إلى أن الحصار المفروض على الغوطة يأتي في مقدمة الصعوبات التي تقف عائقًا أمام عمل الجمعية، والذي ينجم عنه صعوبة شديدة في تأمين المواد النوعية التي يكون المصابون بأمس الحاجة إليها، بالإضافة لقلة الدعم والموارد المخصصة للمصابين المدنيين، فضلًا عن مخاطر القصف الذي يطال المناطق المدنية دون استثناء.
المركز التخصصي لتأهيل أذيات الحبل الشوكي
يتضمن المركز برنامجًا تدريبيًا لإعادة تأهيل المصابين ودمجهم في المجتمع، في ظل كثرة الإصابات وغياب الحلول لخدمة هذه الشريحة من المجتمع.
يقدم المركز خدمات المعالجة الفيزيائية والرعاية الصحية الشاملة لنحو 500 مصاب.
وتشمل أنشطة المركز التأهيل البدني، والنفسي، إلى جانب التأهيل العلمي والعملي والذي يتضمن دورات لتعليم اللغتين العربية والإنكليزية ودورات قيادة الحاسوب.
مؤسسة فرحة للأطراف الصناعية
تعمل مؤسسة فرحة في الغوطة الشرقية منذ أكثر من عامين على تقديم خدماتها لمصابي بتور الأطراف السفلية عن طريق كادر فني خضع لدورات علمية وتدريبية من داخل وخارج الغوطة بإشراف مهندسين واختصاصيي أطراف صناعية، وفقًا لمحمد جابر محيي الدين مسؤول القسم الإعلامي.
وأشار محيي الدين إلى أن المؤسسة قدمت حتى الآن أطرافًا صناعية لـ 600مصاب، والمعالجة الفيزيائية لـ 900 شخص، مبينًا أن آخر إحصائية لعدد المبتورين في الغوطة الشرقية وصلت إلى 2500 شخص.
وعزا محمد عدم قدرة المؤسسة على تقديم الخدمات لكافة المصابين بسبب الغلاء الكبير في أجور التنقل والمواصلات إلى المؤسسة، والتي من الصعب تحملها من قبل المريض، بالإضافة لصعوبة تأمين المواد الأولية للقطع الممكن تصنيعها ضمن الغوطة، والارتفاع الكبير بسعر المواد التي يجب إدخالها إلى الغوطة، فضلًا عن بعض العوائق المحلية كارتفاع سعر المحروقات، والصعوبات الأمنية بسبب القصف شبه اليومي المستمر على الغوطة.
أما عن الخدمات التي تقدمها المؤسسة فتبدأ بتقديم المعالجة الفيزيائية بعد الإصابة مباشرة لتهيئة الجسم والعضلة المصابة على استيعاب الطرف الصناعي، ومن ثم يتم تقديم تأهيل رياضي لتركيب الطرف الصناعي، ومن ثم تصنيع وتركيب الطرف الصناعي للمصاب وتدريبه على استخدامه ضمن حياته اليومية.