دير الزور تستقبل العائدين.. لكنها لا تريحهم

  • 2018/01/28
  • 12:25 ص

امرأة تكنس محيط منزلها المدمر في دير الزور - 2013 (عنب بلدي)

أورفة – برهان عثمان

“الأمور متداخلة ببعضها”، عبارة محلية ربما تلخص الوضع في مدينة دير الزور، يقولها الشاب أبو يزن (37 عامًا)، والذي عاد مع عائلته إلى المدينة قبل أسابيع، بعد أن عاش لخمس سنوات نازحًا في محافظة الحسكة.

زادت أعداد العائدين إلى مدينة دير الزور، وخاصة الموظفين منهم، خلال الأيام التي تبعت سيطرة النظام على كامل المدينة وآخرها حي الحميدية، مطلع تشرين الثاني 2017، ثم أعلنت الحكومة تدريجيًا عودة الخدمات والمؤسسات للعمل، بينما برزت العديد من المشكلات في المنطقة عقّدت من حياة المواطنين وخلفت أبوابًا جديدة للخلافات المجتمعية، من وجهة نظر البعض.

خلقت عودة عشرات الآلاف إلى المدينة خلال الأسابيع الأخيرة نزاعات محلية جديدة بين مقيم لم يرحل ونازح عائد، وفق تعبير أبو يزن، إذ بقيت عوائل في المدينة خلال فترة الحصار، وترى في بقائها “مشروعية وأحقية” على حساب العائدين، إلا أن ذلك لا يميزهم عن النازحين الذين يحاولون العودة إلى مناطقهم، على حد وصف الشاب.

ويشتكي بعض العائدين، الذين استطلعت عنب بلدي آراءهم، من “التشبيح ووصمهم بالانهزام والهروب أمام صعوبات الحصار ومخاطر اقتحام التنظيم”، بينما يلفت الشاب إلى أن من بقي في المدينة “يعتبر أن عودتهم كانت قسرية وتبعًا للمصلحة وليست حبًا بالمدينة”.

“كل ما فعلناه أننا خرجنا مبتعدين عن الفقر والجوع، باحثين عن جزء من حياة”، يضيف أبو يزن، متسائلًا “هل نستحق ما نتعرض له اليوم من تهم وتجريح وأننا لا نستحق أملاكنا بعد تركها خلفنا؟”.

تلك الخلافات الاجتماعية تزيد من مصاعب الحياة، وبحسب الشاب فإن تلك التصنيفات “تقسم الأهالي مانحة بعضهم صكوك الوطنية، بينما تنزع عن البعض جزءًا من حقوقهم الشرعية”، معتبرًا أن المعيارين اللذين يحكمان المجتمع حاليًا هما “القرب من النظام والبقاء في المدينة خلال الحصار “.

ويصف أبو يزن المدينة بأنها “شبكة معقدة من المشكلات المتراكمة التي نتجت عن الحرب”، معتبرًا أنها “طبيعية ومفهومة في سياق الأحداث التي شهدتها المحافظة، إلا أنها لا يجب أن تكون مستمرة”.

طوابير تملأ المدينة

أبو مجاهد (اسم وهمي) شاب عاد إلى مدينته دير الزور قبل شهر، بعد أن نزح قبل ست سنوات إلى محافظة حماة، ويقول لعنب بلدي إن الضغوط السكانية زادت في الأحياء الصالحة للسكن ومقرات العمل، كما ارتفع الطلب على الخدمات، مع عجز واضح من قبل النظام في تلبية حاجات الأهالي.

أصدرت حكومة النظام السوري قبل أسابيع قليلة قرارات فكت ارتباط العاملين المؤقتين والدائمين من أبناء المدينة بالمؤسسات التي انتقلوا للعمل فيها منذ سنوات خارج دير الزور.

أجبر ذلك كثيرين منهم على العودة منعًا لخسارة مناصبهم الوظيفية.
ووفق الرجل (46 عامًا) فإن المدينة “ماتزال تفتقر للكثير من الخبرات البشرية، وخاصة الطبية والهندسية”، مضيفًا أن “المالية والتربية والعدلية وحتى البلدية فقدت معظم أدواتها ومستنداتها، وتحولت إلى ركام ورماد خلال السنوات الماضية، وبالتالي تحتاج المدينة فترة طويلة قبل أن تكون مؤهلة لاستقبال هذه الأعداد من الناس والموظفين”.

ويؤكد أبو مجاهد أن بعض العائدين “مايزالون يفترشون الشوارع، بينما تقيم بعض العوائل في المساجد أو دور الإيواء”، مشيرًا إلى أن “الأخطاء تتراكم في هذه المدينة الصغيرة، وخاصة مع سوء الإدارة والفساد المستشري في كامل قطاعات الدولة”.

يعتقد الرجل أن القرارات التي أجبرت الموظفين على العودة “متسرعة وغير مدروسة”، لافتًا إلى أنه “أينما تنقل نظرك في المدينة تجد الطوابير الطويلة والازدحام، بداية من أفران الخبز ودوائر التربية والصحة، وانتهاءً بالطلاب في المدارس، إذ تضم بعض الصفوف 100 طالب.

وفق ما قال ناشطون من دير الزور لعنب بلدي، فإن إصرار النظام على تجاهل قدرات المدينة، يقف خلفه الرغبة في تحسين صورته والتظاهر بعودتها إلى سابق عهدها، مع غض النظر عن القدرة الاستيعابية وحالة الموظفين العائدين، وأغلبهم من محدودي الدخل، ويعانون أوضاعًا مادية متعثرة، دون مكان للإقامة، ما جعلهم عرضة للابتزاز الأمني والمادي مع رفع أسعار المواد وإيجارات العقارات.

وتتراوح إيجارات المنزل في دير الزور بين 50 و100 ألف ليرة سورية، بينما لا يتجاوز متوسط الرواتب في المؤسسات الحكومية في سوريا 35 ألف ليرة (الدولار يترنح بين 450-500 ليرة).

طريق شاق وفوضى

وبينما يعاني غالبية الأهالي الفقر وصعوبة تسيير أوضاعهم، تسببت العودة بتدفق مبالغ ورؤوس أموال، مع وصول فئات من التجار، وبعضهم يتبع لميليشيات “الدفاع الوطني” والأجهزة الأمنية، وسط غياب الرقابة وانتشار الفوضى.

أم محمد (43 عامًا)، مدرّسة سبقت عائلتها لتجهيز مكان للإقامة في المدينة، عادت إلى أبنائها حاملة قلقها على أبنائها الذكور، ويبلغ أكبرهم من العمر 17 عامًا، كما تقول لعنب بلدي، متخوفة من الحواجز المنتشرة والتجنيد الإجباري.

وتضيف أم محمد، التي تقيم في دمشق، أن المواصلات والطرق السيئة أجبرت عائلتها التي لحقت بها على العودة نحو العاصمة، بعد أن قطعوا 100 كيلومتر، عازية ذلك لأعطال الحافلة المتكررة وتوقفها لأكثر من تسع ساعات، عدا عن “الإهانات” التي طالتهم من عناصر الحواجز في الطريق.

يقدّر ناشطون نسبة الدمار في مدينة دير الزور بحوالي 80%، ورغم أن النظام يعلن بدء إعادة تأهيل المدينة تسير العملية ببطء ولم تحقق فارقًا كبيرًا منذ السيطرة عليها.

ويعتبر حيا الجورة والقصور في الجهة الغربية للمدينة، إلى جانب حي هرابش، الأقل تضررًا في دير الزور.
“لا وسائل للتدفئة، والمحروقات غالية، أما المنازل فغير صالحة للسكن ولا تقي برد الشتاء”، توصيفات جاءت على لسان أم محمد، التي ترى أن الجميع “ساخط على الأوضاع الصعبة التي لا تكاد تلامس الحياة بشيء”، نافية الصور التي يروج لها النظام عن عودة الحياة للمدينة.

وتتحدث أم محمد عن تهديدات مستمرة من عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” أو مناصريهم، لمن يحاول العودة إلى المدينة، مشيرةً إلى أن ذلك “يعكس استمرار اهتمام التنظيم وعناصره بالمنطقة ونيته مهاجمتها، ربما على الأقل بتنفيذ عمليات داخل المدينة تستهدف المدنيين”.

على صعيد متصل، طالت خلال الأسابيع الماضية بعض الحرائق والتفجيرات من قبل مجهولين، كما راجت بين الأهالي أحاديث عن حالات قنص مجهولة المصدر، إلا أن ناشطين نفوا لعنب بلدي ذلك، مؤكدين أن المدينة “بعيدة عن تهديد التنظيم، في ظل الانتشار الكبير للحواجز على مداخلها وبين الأحياء”.

صورة سوداء لمدينة تتكدس فيها النفايات والركام، وحياة صعبة طرقاتها شاقة، هو الوصف الذي أجمع الأهالي عليه، بينما يستمر تدفق النازحين العائدين إليها تحت ضغط قرار النظام، دون الاهتمام بتهيئة الظروف المناسبة لاحتواء قرابة 150 ألف مدني يعيشون في أحيائها، وفق تقديرات منظمات مدنية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع