عنب بلدي – محمد حمص
توجهت حكومة النظام السوري، بعد سيطرته على مناطق في محيط العاصمة دمشق العام الماضي، إلى تدوير عجلة الاقتصاد في منشآت صناعية لرفد الخزينة مجددًا، بعد الخسائر الكبيرة التي عاناها الاقتصاد السوري.
وأولت الحكومة اهتمامًا بالمدن الصناعية الكبرى المنشأة في 2004، ومن أبرزها المدينة الصناعية في الشيخ نجار بحلب، والمدينة الصناعية في مدينة عدرا بريف دمشق.تعتبر المنطقة الصناعية في عدرا مركزًا صناعيًا مهمًا، كونها أكبر المدن الصناعية في سوريا بمساحة تصل إلى ثلاثة آلاف هكتار، وقد عملت الحكومة منذ بداية إنشاء المدينة على توسيعها وتشغيلها ودفع المستثمرين إليها عبر تقديم إغراءات لهم، ففتحت أبواب الاستثمار وسهلت على أصحاب رؤوس الأموال فتح استثمارات جديدة في المنطقة، دون تعقيدات إدارية أو شروط تعجيزية، وعملت على بيع أراض ومساحات لأصحاب الشركات.
صراع الطرفين
الأهمية الاقتصادية للمدينة دفعت فصائل الجيش الحر الموجودة في الغوطة الشرقية إلى محاولة السيطرة عليها، فقامت بداية بقطع الطريق الواصل إليها من دمشق في آب 2012، عبر تنفيذ كمائن على الطريق، الأمر الذي دفع النظام إلى إغلاقه، قبل أن تطلق الفصائل في كانون الأول 2013، المرحلة الثانية من معركة “الله أعلى وأجل”، بهدف السيطرة عليها.
لكن الفصائل لم تنجح نتيجة تمترس النظام في معمل السكر الذي يعتبر بوابة المدينة، واقتصرت سيطرتهم على مواقع قريبة منها في تل كردي وتل صوان الصناعيتين، إضافة إلى عدرا العمالية (منطقة سكانية تتبع للصناعية).
الفصائل، بحسب معلومات عنب بلدي، فككت المعامل الموجودة في تل كردي وقامت بسحبها إلى مناطق سيطرتها داخل الغوطة، وخاصة المعامل التي تختص بالصناعات الثقيلة التي استخدمت فيما بعد في صناعة الأسلحة بمختلف أنواعها.
إغلاق الطريق أدى إلى أضرار وصلت قيمتها، لغاية31 كانون الأول 2012، إلى حوالي 20 مليون ليرة سورية، وتوقف 1577 منشأة من أصل 1778 كانت تقلع بالبناء، و436 منشأة قيد الإنتاج، كما أدى إلى خسارة 39976 عاملًا وظائفهم من أصل 47220 عاملًا في المدينة، بحسب بيانات وزارة الإدارة المحلية في حكومة النظام السوري.
الخسائر الكبيرة للمدينة وأهميتها الاقتصادية بالنسبة لحكومة النظام، دفعت قوات الأسد لتأمين محيط المنطقة الصناعية عبر استعادة السيطرة على تل كردي وتل صوان وميدعا وميدعاني وبحارية ومناطق أخرى، من أجل إعادة تشغيلها وضمان وصول المستثمرين إليها، من خلال الطريق الذي افتتحه عبر جسر بغداد إلى مدينة التل في ريف دمشق، بدلًا من الطريق الرئيسي دمشق- حمص، الذي يقطعه “جيش الإسلام” حتى اليوم.
باب الاستثمار مفتوح على مصراعيه
وعقب تأمينها، عملت حكومة النظام السوري على تقديم تسهيلات للمستثمرين وأصحاب المعامل، بحسب ما قاله رئيس قسم الاقتصاد في جامعة حلب الحرة، عصام يونس، الذي أكد لعنب بلدي أن أصحاب الورشات الذين نقلوا معاملهم من المنطقة إلى مناطق آمنة (نتيجة المعارك وخوفًا من تدميرها) وجدوا ترحيبًا كبيرًا وتسهيلات لهم من قبل النظام للعودة إلى منشآتهم، وخاصة منطقة تل كردي.
أما فيما يخص أصحاب المعامل الذين نقلوا استثماراتهم إلى دول مجاورة، سواء في تركيا أو الأردن، عمد النظام إلى وضع ممتلكاتهم، على قوائم الاستثمار لمستثمرين جدد، بعقود زمنية غير محددة تمتد من خمس إلى عشر سنوات، بحسب يونس، الذي أكد أن الخطوة تأتي من أجل تفعيل أكبر مساحة ممكنة من المنطقة الصناعية.
أما المناطق القريبة من المنطقة الصناعية (تل كردي)، والتي حل بمعاملها دمار كبير ونقل جزء منها إلى مناطق سيطرة الفصائل، فعمل أصحابها على إثبات ملكيتهم للمنشآت الصناعية عبر أوراق من غرفة صناعة دمشق، ونقلوها إلى داخل المنطقة الصناعية، وبلغ عددها 437 منشأة، بحسب إدارة المدينة الصناعية في أواخر 2013.
وأعلن مدير المدن والمناطق الصناعية، أكرم حسن، بحسب صحيفة “الثورة” الحكومية، في حزيران العام الماضي، أن إيرادات عدرا الصناعية السنوية لعام 2016 بلغت 2801 مليون ليرة، في حين بلغت الإيرادات التراكمية 17.982 مليار ليرة، وحجم الاستثمارات 2702.79 مليار ليرة بأسعار الصرف الحالية (530 ليرة العام الماضي)، في حين بلغ العدد الإجمالي الفعلي للمعامل قيد البناء 2508 معامل، والعدد الإجمالي التراكمي للمعامل قيد الإنتاج 1298 معملًا، بينما حققت المدينة 59678 فرصة عمل.
وإلى جانب استثمار المنطقة الصناعية عمد النظام إلى استثمار المناطق الزراعية أيضًا، فزرع الأراضي التي سيطر عليها في مناطق ميدعا والميدعاني وبالقرب من قرية العتيبة ومناطق أخرى شرق الغوطة، إضافة إلى مناطق القطاع الجنوبي الممتدة على ثمانية آلاف هكتار زراعي.
كما قامت وزارة الكهرباء في حكومة النظام بإبرام اتفاق مع مستثمرين سوريين، في أيار الماضي، لإنشاء محطة توليد كهرباء بالطاقة الشمسية بقدرة 50 ميغا واط في المدينة ما قد يسهم في تطوير قطاع الكهرباء.
سوريا تصدر مولدات كهربائية إلى روسيا
استثمارات المدينة لم يستفد منها النظام السوري فحسب، وإنما تم تزويد قاعدة روسيا الجوية العسكرية (حميميم) بمولدات كهربائية عبر منشأة صناعية حديثة في مدينة عدرا، إضافة إلى تزويد روسيا بـ 30% من إنتاج المنشاة، بحسب ما نقلت وكالة “نوفوستي” الروسية في كانون الأول الماضي، عن مدير المنشأة، فارس فارس، الذي أكد “نحن ننتج في الوقت الراهن مولدات تعمل بالديزل والغاز بقدرة تتراوح بين ثلاثة وخمسة آلاف كيلو واط”.
وقال المدير للوكالة إن “للمشروع بعدًا استراتيجيًا، حيث كانت المولدات ترسل للجيش السوري، وبدأ تحويل المنتجات للمستهلكين، ويعمل المعمل بطاقة إنتاجية كاملة ويبلغ كادره 250 عاملًا على ثلاث نوبات يومية”.
المدن الصناعية في سوريا
بهدف الارتقاء في الصناعة السورية تم إصدار مرسوم في 2004، أسهم في تفعيل وتطوير دراسة وتنفيذ واستثمار المدن الصناعية وأدى إلى تشكيل مجلس لكل مدينة صناعية يتمتع بصلاحيات واسعة.
ورغم الانتقادات للمرسوم الذي كان يحاول صراحة إفراغ المدن من المنشآت الصناعية وحصر أصحاب الحرف بالمناطق الصناعية، إلا أنه طُبق، وفي وقت خسر فيه البعض الكثير من ميزات أشغالهم أمّن فرصًا لآخرين.
وبحسب المرسوم تم إحداث أربع مدن صناعية هي:
المدينة الصناعية في عدرا بريف دمشق
تقع المدينة في مدينة عدرا التابعة لمحافظة ريف دمشق شمال شرق العاصمة، وتبعد عنها 35 كيلومترًا، وتقسم إلى قسمين الأول مخصص للمنطقة السكنية والتجارية والإدارية بمساحة ثلاثة آلاف هكتار، والثاني مخصص للفعاليات الصناعية بالمساحة نفسها.
وتضم ستة آلاف موقع لمنشأة صناعية من مختلف أنواع الصناعات: هندسية ونسيجية وكيماوية وغذائية ومواد البناء ودباغات وسكب معادن وحرفية، بتكلفة تقديرية كاملة تصل إلى 30 مليار ليرة سورية، بحسب هيئة الاستثمار السورية.
المدينة الصناعية في حسياء
تقع المدينة في محافظة حمص على الطريق الدولي حمص – دمشق في منطقة حسياء، ما يجعلها تتمتع بموقع جغرافي مهم، وتبلغ المساحة الإجمالية للمدينة فيها 2500 هكتار، وتضم صناعات غذائية وهندسية وكيميائية ونسيجية.
وبلغ حجم الاستثمار في المدينة 118 مليار ليرة سورية، منذ تأسيس المدينة في 2004 وحتى انتهاء العام 2017، بحسب ما قاله مدير عام المدينة، بسام المنصور، لصحيفة “الوطن” المحلية.
المدينة الصناعية في الشيخ نجار
تقع المدينة الصناعية في الشيخ نجار في الجهة الشمالية الشرقية من حلب وتبلغ مساحتها 4500 هكتار موزعة على ثلاث مناطق صناعية، وتشمل الصناعات الغذائية والنسيجية والهندسية والكيميائية والبرمجيات، وبحسب مصادر حكومية فإن الإيرادات السنوية المتحققة قبل الثورة هي 1138 مليار ليرة سورية، وبلغ عدد المعامل التي هي قيد البناء 1552 معملًا والمعامل قيد الإنتاج 614 معملًا، في حين بلغ عدد العمال 38800 عامل.
وتعرضت المدينة إلى تدمير بشكل كبير نتيجة العمليات العسكرية بين طرفي النزاع في حلب، لتعود الاستثمارات في المنطقة العام الماضي، إذ نقلت صحيفة “الثورة” التابعة للنظام، في كانون الثاني 2017، عن رئيس المدينة، حازم عجان، أن نسبة الاستثمار بلغت 500% عام 2017، والطاقة الإنتاجية للمدينة زادت بنسبة 75%، وبلغ حجم الاستثمار خلال العام الماضي عشرة مليارات ليرة سورية.
المدينة الصناعية في دير الزور
تقع شمال شرق مدينة دير الزور وتبعد عن مركز المدينة حوالي 15 كيلومترًا على طريق الحسكة، وتبلغ المساحة الإجمالية للمدينة 2850 هكتارًا بتكلفة إجمالية 7.5 مليار ليرة.
وسيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة في 2015، قبل أن تسيطر عليها قوات “سوريا الديمقراطية” في أيلول الماضي.