مخيمات النزوح.. من خيام متناثرة إلى مدن منظمة
إدلب – طارق أبو زياد
تشعر بالضياع للوهلة الأولى وكأنك في مكان يفتقر لأدنى تنظيم. خيام في كل مكان كيفما نظرت وأينما توجهت. وللوصول إلى خيمة حسين حمادي في مخيم عطشان، على الحدود التركية السورية، كان لا بد أن نسأل أحدًا عن الطريق.
وقفنا عند بائع محروقات في وسط المخيم وسألناه، فأجاب “تمشي على الطريق الرئيسي 200 متر، بعدها إلى اليمين بطريق فرعي تجد أزقة، الثاني على اليسار والخيمة الأولى على اليمين، نادي يا حسين يخرج”.
أنهى بائع المحروقات كلامه وسط دهشتنا، فعن أي طرقات يتحدث ونحن في مخيم بني على أراضٍ زراعية لا يوجد فيها إلا التراب. توجهنا بحسب ما أخبرنا البائع وفعلًا كان الوصف دقيقًا، كأنك تسير في مدينة منظمة ومرتبة فينتشر الباعة بأشكالهم على طول الطريق الرئيسي، مشكلين سوقًا للمخيم، الذي حمل اسم “عطشان”، نسبة لقاطنيه، وهم أهالي بلدة عطشان بريف حماة الشمالي.
المخيم تحوّل إلى مدينة صغيرة
حسين حمادي، وهو نازح من ريف حماة إلى المخيمات الحدودية مع تركيا، تحدث لعنب بلدي عن مراحل تحوّل المخيم طيلة السنوات السابقة، فهو من أوائل النازحين، حسب قوله.
“عندما وصلنا إلى هنا كانت المنطقة شبه خالية من الناس، عبارة عن أراضٍ زراعية كأي أراضٍ أخرى، وبدأنا بنصب الخيام التي لا تتجاوز المئة، كنا نتعامل مع كل شيء على أنه مؤقت، فلم ننصب الخيم جيدًا”.
“عادي اتركها هكذا، هي أيام ونعود.. كنا نقول لأنفسنا، لكن تطور الوضع وتحوّلت الأيام القليلة إلى أشهر ثم سنوات”، يقول حمادي، مضيفًا “لم تعد هذه الخيام تكفي، وأصبح لزامًا إعادة ترتيبها، ورويدًا رويدًا امتلأت الأرض بها، وأصبحت الأعداد تتزايد باستمرار، وتحول المخيم إلى مخيمات كبيرة واكتظ بالنازحين”.
أسواق المخيم
سرعان ما جعلت مستلزمات الحياة التي تؤمّنها الأسواق في بلدة أطمة، البعيدة نسبيًا عن سكان المخيم، فكرة افتتاح دكان صغير مقبولة، وفعلًا بدأ الأمر بدكاكين من خيام أيضًا تقدم خدماتها البسيطة للنازحين.
وتطور الأمر بها حتى تحولت من دكاكين البقالة، إلى محلات تجارية فيها كل المستلزمات، وشكلت سوقًا تجاريًا متكاملًا في المخيمات، ولم يعد هناك حاجة لذهاب النازحين إلى أطمة.
“نسينا حق العودة”
عماد الحسن، نازح من منطقة الغاب بريف حماة، وفي خيمته التي تحولت إلى شبه منزل، بعد تكوين غرفة من الحجر ووضع الإسمنت على الأرضية، تحدث إلى عنب بلدي عن دمار منزله في سهل الغاب، خلال المعارك التي جرت في المنطقة منذ سنوات، قبل أن يبني “منزله” الذي استقبلنا فيه.
يقول عماد “في بداية الأمر لم نكن نتوقع أن نجلس في المخيم سوى بضعة أيام، ولكن سنين مرّت ونحن بانتظار العودة، كنا مجبرين على التأقلم والبحث عن عمل في المنطقة وتأمين مستلزمات الحياة، وفعلًا افتتحت دكانًا للحلاقة في المخيم، وله مردود جيد الآن يكفيني ويكفي عائلتي”.
يكمل عماد بحرقة تبقى واضحة رغم محاولته إخفاءها، “لم نعد نفكر بالعودة إلى منازلنا، هنا أصبحت حياتنا كلها، فكل أهل قريتي وأقاربي معي هنا، هذا هو الوطن، بناسه لا بالأرض التي تعيش فوقها”.
وعن عودته إلى منزله في سهل الغاب في حال هدأت الحرب، أجاب عماد “لن يعود أحد، الناس أسست حياة جديدة هنا، الجميع تقريبًا أصبح لديهم عمل مختلف عمّا كان قبل الثورة، المخيم يتطور، والعديد منا أنشأوا منازل شبيهة بمنازلهم القديمة التي هُجّروا منها”.
أمل العودة “في القلوب”
من زاوية أخرى يرى عباس عبد المجيد، نازح من ريف إدلب الشرقي، أنه من المستحيل أن ينسى أي شخص أنه يعيش نازحًا في مخيم وله حق العودة إلى منزله.
“تذكرنا هذه الأيام بمخيمات الفلسطينيين في سوريا قبل الثورة، فهي أيضًا تحولت إلى أحياء متكاملة، نحن هنا مانزال في الخيم، وماتزال الحرب دائرة، وأملنا موجود بالعودة في أي وقت وبفارغ الصبر”.
وتوجد في سوريا عدد من المخيمات الفلسطينية التي تحولت إلى أحياء مكتظة عشوائية، أبرزها مخيم اليرموك في دمشق، ومخيم النيرب في حلب، والرمل الجنوبي في اللاذقية.
يردف عبد المجيد “قصور الغربة لا تغني عن تراب الأرض، ونزوحنا إلى هنا يعتبر غربة في الوطن، لذلك أدعو وأحث كل النازحين في الخيام بعدم التخلي عن فكرة العودة، فلن يحدث بنا كما حدث بالفلسطينيين، سنعود شاء من شاء وأبى من أبى”.
تعتبر الحدود السورية- التركية، الشمالية لمحافظة إدلب، منطقة تجمع للمخيمات وبأعداد ضخمة، والكثير من المخيمات تحولت إلى مدن وقرى صغيرة، حتى إنها تسمى بأسماء أهاليها، مثلًا مخيم عطشان، ومخيم الزيارة، اللذان يأخذان اسمهما من المناطق التي أتى منها النازحون، وكأنهم حملوا بلداتهم وقراهم ومدنهم معهم، ضمن أمتعتهم التي هربوا بها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :