"قلعة أبو عبدو" خارج الحسابات
بلدة قرفا قبل رستم غزالة وبعده
عنب بلدي – درعا
تميزت بلدة قرفا في ريف درعا بأهمية خاصة طوال السنوات التي سبقت اندلاع الثورة السورية في عام 2011، رغم أنها ليست من كبرى بلدات المحافظة، ولا تحظى بموقع استراتيجي يميزها عن غيرها.
ينحدر رستم غزالة من قرية قرفا في درعا، ويعتبر من أكثر المقربين من النظام السوري، إذ تقلد عدة مناصب أمنية وعسكرية في دمشق وحلب وبيروت أثناء وجود الجيش السوري في لبنان، وكان آخر هذه المناصب تعيينه رئيسًا لفرع الأمن العسكري في ريف دمشق، ومن ثم رئيس إدارة الأمن السياسي في سوريا. |
لكنها اعتبرت مسقط رأس رستم غزالة، أحد أبرز الشخصيات الأمنية في نظامي الأسد الأب والابن، والذي استطاع تحويلها إلى “قلعة أبو عبدو” كما كان يلقبها دائمًا، وشيد فيها قصرًا لا تخطئه عين من يدخل البلدة، ودفع بنسبة كبيرة من شبابها للالتحاق بالخدمة في صفوف الجيش والقوات الأمنية، حتى باتت ذات النسبة الأكبر بعدد الضباط مقارنة ببقية مدن وبلدات محافظة درعا.
مع اندلاع الثورة السورية، لم يكن غريبًا لدى أبناء محافظة درعا انضمام بلدة قرفا إلى ركب المظاهرات الشعبية، وانشقاق العشرات من أبنائها والتحاقهم بصفوف فصائل المعارضة لاحقًا، إلا أن الأمر كان غريبًا، وربما صادمًا لدى رستم، الذي توجه بنفسه لقيادة المعارك في “قلعته”، واستدعى المئات من المقاتلين من خارج البلدة، بهدف التصدي لمحاولات تقدم فصائل المعارضة نحو البلدة، وبادر بنفسه إلى تفجير قصره الشهير، مدّعيًا أنه وجه بذلك رسالة أن “المعركة للدفاع عن قرفا وليست للدفاع عن قصر رستم غزالة”.
جوبهت “الثورة الشعبية” في بلدة قرفا بحملة أمنية مشددة، قُتل واعتقل على إثرها المئات من الأهالي، لا سيما ذوي المنشقين عن قوات الأسد، وأُحرقت العشرات من المنازل.
واستطاعت قوات الأسد بقيادة غزالة إيقاف تمدد فصائل المعارضة نحو البلدة والسيطرة عليها، وبعد نجاحه في حملته نُقل عنه قوله إن “القرداحة تسقط، وقرفا لا تسقط”، والذي يظن الكثيرون أنها الجملة التي وضعت حدًا لحياته في نيسان 2015، في ظروف غامضة لم تُعرف تفاصيلها الكاملة، إلا أن المؤكد فيها أن رد فعل نظام الأسد بعد مقتله توحي بأنه لم يكن حزينًا على خسارة أحد أبرز قياداته الأمنية.
ما بعد رستم ليس كما قبله
بعد مقتل رستم غزالة، اختفت بلدة قرفا عن خارطة الصراع في محافظة درعا، ولم تعد قوات المعارضة قادرة على الوصول إليها وشن أي عمل عسكري للسيطرة عليها، بينما اختارت قوات الأسد تهميشها وإعادة تطويعها من جديد، بحسب وصف أبو جهاد الغزالي، أحد أهالي البلدة.
وقال لعنب بلدي إن انشقاق أعداد كبيرة من أبناء البلدة دفع بالنظام إلى الحقد على البلدة وتهميشها بالكامل، إذ تعاني حاليًا من ضعف كبير في خدمات المياه والكهرباء والخدمات الصحية، وتشن قوات الأسد بين الحين والآخر حملات اعتقال وتجنيد إلزامي.
وأشار أبو جهاد إلى أن ضباطًا من قوات الأسد يرافقهم ضباط روس زاروا البلدة سابقًا لتوزيع المساعدات الغذائية، لكن الهدف الحقيقي من الزيارة كان إذلال الفقراء من الأهالي من خلال توزيع المساعدات عليهم بشكل مذل.
انخفض عدد سكان قرفا بشكل ملموس نتيجة نزوح أعداد كبيرة من سكانها، وخاصة ذوي المنشقين، خوفًا من عمليات ثأر من قوات الأسد، ورأى أبو جهاد أن هناك “محاولات حثيثة من عدد من أبناء البلدة الموالين للنظام للترويج أن أهالي البلدة من المؤيدين، وهذا الكلام غير صحيح، فالبلدة شأنها كشأن أي منطقة خاضعة لسيطرة قوات الأسد”.
واعتبر أن وقوف بلدة قرفا في وجه رستم غزالة عند اندلاع الثورة يؤكد على موقف أبنائها الحقيقي.
فصائل المعارضة تبتعد
خارج البلدة تقف قوات المعارضة على مسافة قريبة منها إلى الجهة الجنوبية الغربية، لكن آخر أعمالها العسكرية كان في أيار 2015، ضمن معركة “أخرجوهم من حيث أخرجوكم”، والتي لم تحقق أهدافها في السيطرة عليها وقطع أوتوستراد دمشق- عمان الدولي.
واعتبر محمد الخطيب، المقاتل في صفوف فصائل المعارضة وأحد المجندين المنشقين عن قوات الأسد من بلدة قرفا، أن البلدة فقدت أهميتها الاستراتيجية لدى “الجيش الحر” بعد خسارة مدينة الشيخ مسكين.
وأوضح لعنب بلدي أنه لا يوجد أي مخطط لشن أي معركة قريبة على البلدة، قائلًا “بغض النظر عن اتفاقية خفض التصعيد، هناك جبهات عديدة في المحافظة ذات أهمية أكبر من جبهة بلدة قرفا، لا سيما في درعا البلد ومثلث الموت”.
ورفض الخطيب ما يُشاع عن أبناء البلدة بأنهم من المؤيدين لقوات الأسد، مشيرًا إلى أن “تاريخ البلدة بكونها مسقط رأس رستم غزالة، هو ما يساعد على انتشار مثل هذه الإشاعات”.
ويعيش أهالي البلدة حالة من الانتظار حتى لحظة إخراج قوات الأسد من بلدتهم، واعتبر الخطيب أن البلدة تعيش الاحتلال منذ عشرات السنوات، سواء في زمن رستم غزالة أو بعده، ويطمح العشرات من مقاتلي فصائل المعارضة من أبناء البلدة إلى العودة إلى منازلهم قريبًا ودخولها للمرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية.
واعتقلت قوات الأسد العشرات من أبناء بلدة قرفا منذ اندلاع الثورة، وبحسب إحصائيات محلية، يُقدر عدد المعتقلين بأكثر من 170 معتقلًا، مازال مصير معظمهم مجهولًا، في الوقت الذي قُتل 14 معتقلًا تحت التعذيب في سجون قوات الأسد، بين هؤلاء المعتقلين أعداد من الضباط المنشقين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :