كثّف دارين أرنوفسكي رمزية الحياة على كوكب الأرض بكل ما مرّ عليها، من حضارات وديانات وكوارث، بمنزل ريفي، في فيلم من تأليفه وإخراجه حمل اسم “Mother” (الأم).
تميز أرنوفسكي بأسلوب سوريالي (فوق واقعي) بمجمل أعماله، جعل مشاهدتها أمرًا شاقًا بالنسبة للعديد من محبي السينما، وفق رأي بعض النقاد، إذ غالبًا ما افتقرت إلى وجود “الحكاية” التي تعتبر العنصر الأساسي في أي عمل سواء كان مسرحيًا أو سينمائيًا أو تلفزيونيًا.
لكن فيلم “الأم” أخذ منحىً أكثر نضوجًا هذه المرة، إذ لم يتخلَّ أرنوفسكي عن طريقة تفكيره، لكنه طوّر من أساليب معالجته السينمائية، فبالاعتماد على الأفكار الفلسفية والرموز، تمكن من صناعة فيلم يروي سيرة الحياة على هذا الكوكب.
والقصة الأساسية للفيلم تقوم على حياة هادئة وعادية لشاعر وزجته في بيت ريفي، لعب دورهما كل من الممثلين خافيير بارديم، وجينفر لورانس، يدخل إلى حياتهما ضيف بطريقة مريبة لعب دوره “إد هاريس”.
يبدأ الشاعر باتخاذ قرارات مفاجئة دون التشاور مع زوجته، حول استضافة الرجل الغريب في منزلهما، ودعوته للإقامة فيه أيضًا، وما هي إلا ساعات حتى يأتي الصباح، ويجلب معه زوجة الضيف التي جسدت دورها ميشيل فايفر، وكأنهما يحتلان المنزل.
على هذه الأرضية البسيطة يبني المخرج مجسمًا صغيرًا لما عاشه كوكب الأرض من حروب وصراعات، بشكل مدهش ومفاجئ لقدرته السلسة على توريط المشاهد في الاندماج بأحداث غريبة إلى هذا الحد، وكأنها منطقية.
ينتمي الفيلم إلى فئة الرعب النفسي، ولا يكتفي فقط بتجسيد ما سبق لنا معرفته عن تاريخ الوجود الإنساني على هذا الكوكب، بل يقدم كذلك رؤية خاصة حول الأحداث التي باتت اليوم جزءًا من ثقافاتنا وحضاراتنا، بعد مرور آلاف السنين عليها.