ناشطون يصفون الوضع بـ "الكارثة الإنسانية"
ريف الحسكة الجنوبي.. ألغام وصعوبات تمنع عودة النازحين
أورفة – برهان عثمان
يلاحظ من يزور ريف الحسكة الجنوبي هذه الأيام، مدى التغيرات التي عصفت بالمنطقة خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتحديد داخل القرى التي كانت تشكل خطوط مواجهة بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تسيطر على المنطقة، ومقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ووفق تعبير بعض الأهالي، مُسحت أغلبية قرى الريف الجنوبي للمحافظة عن الخارطة، بينما نزح أهلها متوزعين على مناطق أخرى، ما قلل الأعداد في المنطقة إلى ما دون خمسة آلاف نسمة، بعد أن كانت تضم عشرات الآلاف منهم.
تقطن معظم مناطق جنوبي الحسكة عشائر “الجبور والبكارة والعكيدات”، بينما خلت مدينة الشدادي، التي تبعد عن مدينة الحسكة قرابة 51 كيلومترًا، واقتصرت على احتضان مئات العائلات اليوم، بعد أن كانت تضم أكثر من 20 ألف نسمة، قبل عام 2013، وفق منظمات حقوقية. |
يصف الناشط من الحسكة سيد السيد (31 عامًا) الوضع في الريف الجنوبي بأنه “كارثة إنسانية يغمض الجميع أعينهم عنها”، مشيرًا في حديثه لعنب بلدي، إلى أن الشدادي وغيرها مازالت تعاني من مخلفات الحرب.
لم يعد أحد من النازحين إلى تلك المناطق، وبقوا في مخيمات نزحوا إليها سابقًا، ووفق سيد فإن قريتي “الفدغمي” شرقي نهر الخابور، و”كشكش جبور” غربي النهر، والتي تتربع على مساحة ستة كيلومترات مربعة، مزروعة حتى اليوم بأكثر من ألفي لغم.
ويوضح الناشط أن منطقة جبل مركدة المعروف بـ “الحمة” مزروعة بأكثر من 17 ألف لغم، بحسب اعترافات بعض عناصر التنظيم، وقتل فيها العشرات من الأهالي على مدار الأشهر الماضية، كما نفق المئات من رؤوس الماشية التي ترعى في المنطقة.
كمٌ للأفواه
يقول أبو جلال (52 عامًا)، أحد النازحين من الشدادي ويعيش اليوم في أورفة التركية، إن المشكلة في تلك الرقعة الجغرافية، لا تقتصر على مخلفات الحرب، بل تعاني من نقص الخدمات ما يمنع الأهالي من العودة.
ويشير الرجل إلى أن “العرب ممنوعون من الاحتجاج على أوضاعهم، فأي صوت يعلو، تواجهه الإدارة الذاتية الكردية بالقمع”، معتبرًا أن “داعش والقوات الكردية أخلوا المنطقة من أهلها، ويسعون لجعل تلك المنطقة أكثر أمنًا للقواعد العسكرية المنتشرة فيها، ومن ضمنها الأمريكية”.
ويلفت أبو جلال إلى مخاطر أمنية في المنطقة حتى اليوم، لافتًا إلى أن عمليات التنظيم لم تتوقف في المنطقة، التي تضم خلايا نائمة، فضلًا عن حوادث متكررة تستهدف الأهالي، “بينما تخشى دوريات قسد من التجول ليلًا في المنطقة”، وفق تعبيره.
“يشعل الوضع الراهن فتيل حروب مستقبلية بين مكونات المنطقة”، على حد وصف أبو جلال، الذي يرى أن “تهجير سكان المنطقة ليس حلًا ولن يفيد”، مشيرًا إلى أن “الممارسات القمعية ستدفع بالناس إلى مقاومة سلطة غير شرعية”.
وبحسب ناشطين من الحسكة، فإن قريتي “كشكش والفدغمي”، كانتا تضمان حوالي 600 منزل قبل عام 2013، وتجاوزت أعداد قاطنيهما حينها عشرة آلاف نسمة، إلا أنهما دمرتا بالكامل خلال المعارك، ليتوزع سكانهما بين البوادي القريبة ومنطقة الجزيرة، بينما هاجر البعض خارج سوريا.
“معضلة صعبة الحل”
وفق النازح من ريف المحافظة الجنوبي والمقيم في مدينة الحسكة، أبو فداء (34 عامًا)، فإن الكثير من الخدمات تنقص الأهالي في المنطقة، مشيرًا في حديثه لعنب بلدي إلى أن “الناس يموتون من البرد وانتشار الأمراض، سواء في المخيمات أو تجمعاتهم في البادية”.
ويلقي الشاب بالمسؤولية على القوة المسيطرة على المنطقة، معتبرًا أنها “لم تهيئ الظروف المناسبة التي تمكنهم من العودة إلى مناطقهم لاستعادة حياتهم الطبيعية، ويتساءل “إذا سلمنا بوجود الخطر الأمني ومخلفات الحرب، فلماذا لا تتحرك قسد لتمشيط المنطقة وإزالة الألغام؟”.
“معضلة صعبة الحل” في الوقت الحالي، بحسب أبو يزن (27 عامًا)، المتطوع مع “قسد”، ويعتبر في حديثه لعنب بلدي أن تنظيف المنطقة من آثار التنظيم “يأخذ وقتًا طويلًا”.
ويقول الشاب إن المدنيين غير مؤهلين للتعامل مع الأسلحة والمخلفات، مؤكدًا أنها أودت بحياة الكثير منهم، “الإدارة المحلية وقسد بالتعاون مع المنظمات الدولية وقوات التحالف، يبذلون جهدهم لمساعدة الناس وتنظيف مناطقهم، لكن العملية تتطلب وقتًا في ظل الأعداد الكبيرة من الألغام التي زرعت ضمن مساحات واسعة”.
صعوبات أخرى تواجه الأهالي في المنطقة، تتمثل بإمكانية الحصول على موارد الحياة بعد توقف الزراعة، التي تعتبر المهنة الأساسية لغالبيتهم، وبحسب أبو يزن “دمرت كامل البنى التحتية من مياه وكهرباء ومدارس ومرافق، إلى جانب انعدام وسائل الحياة وإمكانية البقاء فيها”.
ويطالب بعض الأهالي، الذين تواصلت عنب بلدي معهم، بتعويضات عما لحق بهم من أضرار جراء الحرب خلال السنوات الماضية، مشيرين إلى أن “الإدارة الذاتية التي تعتبر مسؤولة عن المنطقة، تتلقى مساعدات دولية بحجة إعادة إعمارها، وتستغلها لتنمية المناطق التي تسيطر عليها ولم تتعرض لكثير من الضرر، على حساب القرى ذات الأغلبية العربية التي دمرت معظمها”.
ويشتكي آخرون من أن المناطق المسموح عودتهم إليها، خالية من المنازل الصالحة للسكن، مرددين عبارة “شلون نرجع ولوين بعد ما تدمرت بيوتنا كلها، وما عندنا القدرة لإعادة بنائها دون مساعدة؟”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :