لقد خرجوا من السجن ليعيدونا إليه
محمد رشدي شربجي
غالب الظن أن العملية التركية المرتقبة ستبقى كذلك، كاسمها، مرتقبة، وستبقى وسائل الإعلام المتكاثرة تنقل التصريحات والعواجل المتكاثرة بدورها أيضًا عن المسؤولين الأتراك أنهم لن يتوانوا للحظة عن هذه العملية والدفاع عن أمنهم القومي.. إلخ.
وواقع الحال أن تركيا لا ترغب بحرب من هذا القبيل، أو أنها غير قادرة على ذلك، فالحملة على عفرين تستوجب موافقة روسية على الأقل، وهو ما يبدو أنه غير متاح مع التصريحات الروسية الأخيرة التي نفت الانسحاب العسكري من عفرين.
والحقيقة أن روسيا تنتظر تنازلًا لا تملك تركيا تقديمه، فهي بالرغم من نفوذها القوي على فصائل المعارضة، ولكن يبقى النفوذ الإيراني داخل “المجاهدين”، الذين جاؤوا لنصرتنا أكبر وأقوى، فتركيا لا تستطيع إقناع الجولاني بانسحاب من إدلب، رغم أنه ينسحب بدوره أمام ميليشيات إيران دون قتال.
ليس في هذه العملية “المرتقبة” ما يثير الفرح، وأستغرب من بعض المهللين وهم يعلمون أن تركيا تقايض مناطق للمعارضة بإدلب عدا عن الضحايا المدنيين المتوقعين لهذه العملية.
وليس فيها ما يثير الحزن كذلك، فحزب الاتحاد الديمقراطي، فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا وعماد قوات سوريا الديمقراطية، استغل بخسة ونذالة الحرب القذرة على الإرهاب لتحقيق أطماع توسعية والسيطرة على أراض ومناطق وضمها إلى كردستان سوريا، بالرغم من أن الكرد ليس لهم حتى مطالب تاريخية في معظمها.
ولعل أكبر جرائم حزب العمال الكردستاني في سوريا أنه وضع، عن عمد، المظلمة الكردية في وجه الثورة، بدل النظام المسؤول الأول والأخير عن وجودها. هل يمكن أن ننسى مثلًا أن صالح مسلم روج في لقاءاته لرواية النظام بأن المعارضة هي من قصفت نفسها بالكيماوي لاتهام نظام الأسد في ذلك؟ ولا يعفي هذا بطبيعة الحال “المجاهدين” وقدرتهم العجيبة على استعداء البشرية والقضاء على فرص نجاة المسلمين أينما وجدوا.
لقد ابتليت الثورة بتنظيمين قضيا عليها، وحولاها إلى مشكلة أمنية تتسابق الدول إلى القضاء عليها، الأول هو تنظيم القاعدة وعموم السلفية الجهادية، التي نقلت معركتها مع أمريكا إلى سوريا، وبات على السوريين المكويين بنيران الأسد وميليشيات محور المقاومة والممانعة أن يجابهوا أيضًا الولايات المتحدة، المترددة أساسًا في دعم الثورة السورية.
والتنظيم الثاني هو حزب العمال الكردستاني، الذي نقل معركته مع تركيا إلى سوريا، ليضع عموم الشعب الكردي في سوريا في وجه الثورة المدعومة من تركيا، بدل النظام الذي ظلم الأكراد لعقود من الزمن.
وبالمحصلة فإن كلا التنظيمين اللذين خرجا من عباءة الأسد، أسهما بقصد وبغيره بتمكين الأسد من إعادة السيطرة على معظم الجغرافيا السورية. من كان يتخيل أن يصل النظام السوري إلى دير الزور أو أن يستعيد مطار أبو الظهور لولا المجاهدون؟ ولا شك أن حزب العمال الكردستاني سيعيد عفرين إلى الأسد عما قريب. لقد خرجوا من السجون ليعيدونا إليه!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :