محمد رشدي شربجي
أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نتائج استطلاع المؤشر العربي الذي أجراه في 14 بلدًا عربيًا، بالإضافة لاستطلاع آراء عينة من المهجرين السوريين في لبنان والأردن وتركيا.
شمل الاستطلاع 26618 مستجيبًا أجريت معهم مقابلات شخصيّة وجاهية ضمن عيّناتٍ ممثّلة لتلك البلدان، وبهامش خطأ يتراوح بين ± 2-3 %، ويعادل مجموع سكّان المجتمعات التي نُفّذ فيها الاستطلاع 90% من عدد السكّان الإجماليّ لمجتمعات المنطقة العربيّة. وقد نفِّذ هذا الاستطلاع الميداني خلال الفترة من كانون الثاني إلى تموز 2014. وأوضح الدكتور محمد المصري، منسق وحدة الرأي العام في المركز العربي، أنّ استطلاع المؤشر العربي الذي ينفذه المركز للعام الثالث على التوالي هو أضخم مسحٍ للرأي العام في المنطقة العربيّة، وتمثّل بياناته مصدرًا مهمًا لصنّاع القرار والباحثين والمهتمين بشؤون المنطقة العربية.
تكاثرت في الآونة الأخيرة الأحزاب والجماعات والمنظمات التي تدعي تمثيل الشعب السوري، ابتداءً بالنظام السوري الذي حكم سوريا خمسين سنة بنظام الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع وانتهاءً بتنظيم الدولة (داعش) وأشباهها الذين يدعون تمثيل الهوية العربية السنية في سوريا.
تتعامل هذه الجماعات مع الشعب السوري كأنه كتلة مصمتة، على الرغم من أنه لم يسبق لأحد أن أجرى استطلاعات ومسوح إحصائية ليعرف آراء مواطنيه الذين يدعي تمثيلهم.
لقد أظهر المؤشر العربي أن الانقسام في الآراء والتوجهات قد تجاوز الانقسام الطائفي الذي يرغب بتكريسه النظام السوري وأشباهه في الجانب المقابل، ليظهر أن الانقسام داخل المكونات جميعها تجاه أي قضية من القضايا، وهو ما يتعاكس مع رغبة البعض المدعيين للتمثيل الطائفي للمكونات السورية.
كانت العينة المستطلعة من اللاجئين السوريين هي الأكبر من بين العينات من غير البلدان، حيث شملت 5467 في بلدان اللجوء المحيطة في سوريا (لبنان، الأردن، تركيا، المناطق السورية على الحدود التركية)، وهذه العينة من الناس تمثل اللاجئين الذين بنسبة كبيرة أتوا من مناطق عربية سنية وهم الذين يدعي بعض الجماعات احتكار تمثيلهم باسم الدين.
سنورد بعض الأرقام ذات الدلالة فيما يخص رأي العينة المستطلعة آراؤها من السوريين بخصوص الديمقراطية وعلاقة الدين بالدولة.
على عكس ما تروج هذه الجماعات فقد أظهر المؤشر العربي أن 20% فقط أيدوا مقولة أن الأنظمة الديمقراطية غير جيدة في الحفاظ على النظام العام، في حين أيد 31% مقولة أن النظام الديمقراطي غير حاسم وحافل بالمشاحنات، كما وافق 18% فقط على مقولة أن الإسلام يتعارض مع الديمقراطية، و44% رأوا أن مجتمعاتنا غير مهيئة للديمقراطية، كما أيد 80% من السوريين النظام الديمقراطي باعتباره “نظامًا له مشكلاته ولكنه أفضل من غيره من الأنظمة”، كما اعتقد 85% من السوريين أن نظام سياسي تعددي تتنافس فيه الأحزاب مهما كان انتماؤها هو الأكثر ملائمة لبلدهم، في حين اعتقد 25% أن النظام السياسي الذي تتنافس فيه الأحزاب الإسلامية فقط هو الملائم لبلدهم، وهي ذات النسبة تقريبًا (23%) التي اعتقدت أن النظام السياسي الذي تتنافس فيه الأحزاب غير الدينية فقط هو الملائم لبلدانهم، واللافت أن 23% فقط أفادوا أن النظام السياسي الذي يطبق الشريعة الإسلامية بدون انتخابات هو نظام مناسب لبلدهم، وقد قبل 62% وصول حزب إسلامي للسلطة في حين عارضه 28% كما قبل 47% وصول حزب علماني للسلطة وعارضه 39%.
وعن السؤال عن دور الدين في الحياة العامة والحياة السياسية تبين أن 87% من السوريين يصنفون أنفسهم متدينين أو متدينين إلى حد ما، كما رفض 82% القول إن كل شخص غير متدين هو شخص سيء، وأيد 79% القول بأنه ليس من حق أي جهة تكفير الذي يحملون وجهات نظر مختلفة في تفسير الدين، ووافق 76% على مقولة أنه ليس من حق أي جهة تكفير الذين ينتمون إلى أدي أخرى.
وفي الحياة العامة أظهر 62% أنه لا فرق لديهم في التعامل مع أشخاص متدينين أو غير متدينين، كما أيد 64% مقولة أن الممارسات الدينية ممارسات خاصة يجب فصلها عن الحياة السياسية الاجتماعية.
في الحياة السياسية أيد 80% القول أن على شيوخ الدين عدم التأثير في كيفية تصويت الناخبين، و71% رأوا أنه يجب ألا يؤثر شيوخ الدين في قرارات الحكومة، و76% وافقوا على مقولة أنه لا يحق للحكومة أن تستخدم الدين للحصول على تأييد الناس لسياساتها، وأقل من النصف أي 41% أيدوا مقولة أنه من الأفضل للبلد أن يتولى المتدينون المناصب العامة في الدولة، وفي رقم ذي دلالة أيد 56% مقولة أن الأفضل لسوريا أن يجري فصل الدين عن السياسة، ومن المهم الإشارة أن مؤيدي الفصل على مستوى العالم العربي ارتفعت من 41% في عام 2011 إلى 51% في عام 2014.
تبين لغة الأرقام والإحصاءات أعلاه أن الشعب السوري في أغلبيته مؤيد للديمقراطية، وللنظام التعددي السياسي، ولضرورة ابتعاد رجال الدين عن السياسية، بل وبتقدم طفيف لمن يعتقد بضرورة فصل الدين عن السياسة.
قد تبدو هذه الأرقام معاكسة لما يروجه أنصار الدولة الإسلامية وأشباهها، كما هي معاكسة لما يريد ترويجه النظام السوري وأتباعه، ولكنها تؤكد على حقيقة واحدة وهي أن الشعب السوري ليس كتلة مصمتة يدعي أحد تمثيلها بالمطلق، بل هو متعدد متنوع بحكم طبيعته وطبيعة الحياة منذ بدء البشرية.