شعوبنا عميلة للأجنبي
لم تعد هناك فوارق في منطقتنا بين ردود فعل حكم مستبد وآخر، حين يواجه احتجاجا داخليا، حتى يمكن القول إنه باتت هناك مدوّنة سلوك مشتركة مكتوبة، يتم إسقاطها على الوضع، كلما تحرّك الشارع من أجل مطالب معينة، سواء كانت تتعلق بتردّي الأحوال المعيشية، أو من أجل مطالب بالإصلاح السياسي والتغيير.
صارت السلطات تجنّد، على الفور، إعلامها ومنابرها من أجل إظهار المحتجينبصورة المتآمرين والخونة الذين يتلقون أوامرهم من الخارج، كي ينزلوا إلى الشوارع، وهم يرفعون شعارات تخريبية، ويقومون بأعمال خارجة عن القانون، وقد جادت مخيلة حُماة الاستبداد خلال الثورات التي حصلت في السنوات الأخيرة بأصناف من الاتهامات للمتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع، تصلح مادة لمسرحية كوميدية في هجاء رثاثة الديكتاتورية وهزال خطابها ومنطقها.
لم تسلم ثورة من ثورات الربيع العربي، من تونس إلى مصر وسورية وليبيا واليمن، من تهمة تحريكها من الخارج. وفي الوقت نفسه، كانت ثورات الربيع العربي بمثابة المختبر الذي كشف زيف هذه العملة الرخيصة. وعلى الرغم من تهافتها، لا تزال هذه التهمة وبطلانها في مسار الربيع العربي، جاهزة للاستعمال لدى بعض حكومات المنطقة، ومثال ذلك الحكومة الإيرانية التي رفعتها في وجه المتظاهرين الذين خرجوا، في الأيام الأخيرة من الشهر الماضي، ليطالبوا بتحسين أوضاعهم المعيشية المتردّية في بلد غني، يعانون فيه من الفقر والبطالة، بسبب سياسات السلطة الإيرانية وحروبها العبثية الخارجية وتدخلاتها الإقليمية.
نظرية المؤامرة جاهزة، ترميها السلطات كأول رد فعل في وجه كل من يستخدم الشارع سلاحا ضدها، ومن ثم تأخذ منها مظلة لتغطية أساليبها في القمع التي تبدأ بمواجهة المتظاهرين بالهراوات وقنابل الغاز والاعتقالات. وإذا لم يتراجع المتظاهرون عن مطالبهم، تلجأ إلى الرصاص الحي، وفي حال تطور الأمر إلى ثورة، فإنها تعلن الحرب على الشعب بكل أنواع الأسلحة، وليس لديها أي رادع يمنعها من تدمير البلد من أجل مواجهة المؤامرة الخارجية، وإفشال المخططات الأجنبية والحيلولة دون تحقيق أهدافها بإسقاط الحكم الذي جوّع الناس ورماهم في السجون، وأجبرهم على هجرات جماعية بالملايين، كما حصل مع العراقيين والسوريين.
حين صرخ العقيد معمر القذافي، في فبراير/شباط 2011: من أنتم؟ كانت هي المرة الأولى التي يكتشف فيها أن هناك شعبا في ليبيا. وعندما توعد الرئيس السوري بشار الأسد المتظاهرين، بعد أسبوعين على اندلاع التظاهرات في 20 مارس/آذار 2011، اعتبر الاحتجاجات الديموقراطية “مؤامرة مدبّرة”، خلط مدبروها بين “الفتنة والإصلاح والحاجيات اليومية”. وخلال عام واحد، ألقى ستة خطابات، كرسّها للحديث عن المؤامرات الخارجية التي تحاك ضد حكمه، في حين لم يحصل الشعب السوري على أي تأييد خارجي. وكان النظام يحظى بدعم علني من حليفه إيران.
نحن نعيش، اليوم، حراكا جديدا في المنطقة، بدأ بإيران وامتد إلى السودان وتونس. وفي البلدان الثلاثة، تحرك الناس على خلفية اقتصادية، لكن الحكم واجههم بلسان آخر.
ليست إيران بلدا فقيرا، مثل تونس، حتى لا تحل مشكلات سكانها المعيشية، ومن المعيب جدا أن ترمي المسؤولية على الخارج، ففي ذلك إهانة لوعي الشعب الإيراني ووطنيته، واعتراف بالفشل الأمني على الأقل الذي سمح للأجهزة الأجنبية أن تتسلل إلى داخل البلد وتحرك أغلبية الشارع ضد الحكم من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، في حين أن أجهزة إيران تقود الحروب في العراق وسورية واليمن.
باتت هذه المعزوفة البائسة كل ما تملكه الأنظمة العاجزة التي لا تستطيع الاعتراف بفشلها، ولا حل مشكلات البلد. ولذا تجد أن أسهل الطرق هو رمي المسؤولية على الخارج، ليصبح الشعب الذي تحكمه عميلا للخارج.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :