جودي سلام – بيروت
تتناقل المواقع المهتمة بأخبار المعتقلين في سجون الأسد، تسريبات عن استشهاد بعضهم تحت التعذيب منذ أكثر من سنة ونصف، في حين يبقى مصير الآخرين مجهولًا نظرًا لتكتم النظام حول أي معلومات تخصهم؛ لينعكس ذلك على زوجات المعتقلين اللاتي يعشن حالة من الضياع والفوضى في المشاعر، تزيدها الاتهامات والإشاعات التي تتناقلها البيئة المحيطة بهن، حول قراراتهن العاطفية أو تصرفاتهن الاعتيادية ومحاولتهن العمل لسد النقص الذي خلفه غياب الزوج.
“ثرثرة واتهامات فارغة”
ريما صاحبة الـ 25 عامًا، اعتقل زوجها منذ سنتين ولا تعلم شيئًا عنه، تعيش حاليًا في لبنان مع ابنها وتعمل كي “تعيش”، إلا أنها لم تسلم من “كلام الناس” كما تقول لعنب بلدي، “توقعت أن يكون أهلنا في الخارج حضنًا لنا في مصيبتنا، خصوصًا أننا نساء بتنا نعيش لوحدنا في هذه البلاد الغريبة”.
في حين تقول هند، وهي زوجة معتقل آخر، بأن “ثرثرة المجتمع الفارغة” هي ما جعلت النساء يفكرن بالانفصال عن أزواجهن داخل المعتقلات بهدف “الزواج والسترة”، وتضيف “المجتمع هو من يدفع بالنساء لارتكاب الأخطاء والحماقات… رفقًا بالقوارير”.
بدورها عتاب، التي زادت فترة اعتقال زوجها عن عامين، تستنكر ضغط المجتمع عليها “صرت أكره نظرة المجتمع، فالكل ينظر لنا نظرة الشفقة، ويفكر بأننا نرغب فقط بالزواج من أجل السترة، ويتناسون بأن زواج أي امرأة فينا هو من حقنا وهو ما شرعه الله لنا دون أي شفقة أو فضل… أنا أرفض الزواج من أي أحد فقط من أجل السترة، إن تزوجت فهو حق من حقوقي ولن أخجل به”.
رغبة بالزواج أم “خيانة”
في حين ترى أميرة، التي اعتقل زوجها منذ سنتين ونصف ولديها 4 أطفال منه، أن هجرة النساء وغربتهن جعلهن يختلطن بالذكور، مردفةً أن “أي امرأة قد تشعر بالرغبة بالزواج أو قد تحب رجلًا آخر، خصوصًا أن الجميع باتوا يحتاجون في هذه الظروف الصعبة لنوع من الاستقرار العاطفي”.
وتردف أميرة “إذا شعرت المرأة برغبة في الزواج وزوجها معتقل، فعليها أن تطلّق نفسها فورًا، لأنه بات من الخيانة أن تحب رجلًا وهي ما زالت متزوجة”، مشيرةً إلى أن “الأساس هو أن يكون كل شيء حسب الدين والشرع، وبعدها لا يهمّ ما سيقوله المجتمع”.
لكن البيئة المحيطة بالزوجة ترى، في أغلب الحالات، أن انفصال الزوجة عن زوجها بعد انقطاع أخباره في المعتقل “خيانة”، كما تقول أميرة؛ إلا أنها ترد أن ذلك من حق الزوجة إذ “لم أقرأ في السيرة النبوية أن إحدى الصحابيات انتظرت زوجها مدة مجهولة ولا أحد يستطيع تقديرها، كما لم أسمع عن إحدى الصحابيات استشهد زوجها ولم تتزوج فورًا بعد قضاء عدتها”.
وأوضحت أن “عمر بن الخطاب سأل ابنته عن المدة التي تستطيع الزوجة أن تصبرها بعيدة عن زوجها، فأخبرته أنها 6 أشهر؛ لذا كان حريصًا ألا يبتعد الأزواج عن زوجاتهم أكثر من هذه المدة”.
وختمت أميرة بأن “الحياة يجب أن تستمر ولم يحمّل دين الإسلام المرأة أي شيء لا تطيقه وكان حريصًا عليها، فلماذا نحملها نحن كل هذا”.
صبرٌ وانتظار رغم الألم
لكن عددًا من الفتيات اللاتي اعتقل أزواجهن، رفضن فكرة الزواج من رجل آخر، رغم جهلهن بمصير الزوج؛ كحال منيرة، التي تعيش مع ابنها الوحيد، فقد مضى على اعتقال زوجها 3 سنوات، وتقول لعنب بلدي أنها ستنتظر زوجها مهما طالت فترة غيابه؛ معللةّ ذلك “ما ذنب المعتقلين الذين يعيشون على أمل لحظة الإفراج ليعودوا إلى زوجاتهم وأبنائهم، ثم يجدون زوجاتهم قد انفصلن عنهم… ألا يكفيهم ما عانوه؟”.
وتضيف منيرة “أعترف بأن الحياة بلا زوج صعبة، ولكن حالنا يبقى أفضل من وضعهم وهم يعيشون هذه الظروف القاسية” في إشارة إلى التعذيب الذي يطال المعتقل في أقبية السجون.
أما بيلسان فقد اعتقل خطيبها منذ حوالي سنتين ونصف، وتتهافت الأسئلة عليها من أهلها وأصدقائها “هل ستنفصلين عنه وترتبطين بآخر؟”، خصوصًا أن وضع الخطيب غامض وانقطعت أخباره منذ أكثر من سنة.
لكن بيلسان ترفض الانفصال رفضًا قاطعًا، مشيرة إلى أن “أي علاقة بين زوجين أو خطيبين، مبنية على السراء والضراء… أنا مستعدة لأن أتحمل هذه المحنة حتى يخرج من المعتقل وهذا نصيبي وأنا راضية بما قسمه الله لي”.
الزمن “القاسي” دفع للارتباط بآخرين
في الآونة الأخيرة وردت أنباء كثيرة عن وفاة المعتقلين تحت التعذيب، لكن ذوي المعتقل لا يستطيعون التحقق منها غالبًا؛ رغم ذلك فقد تزوجت عددٌ من النساء اللاتي وصلهن خبر استشهاد أزواجهن، بعد “العدة” برجل آخر.
كحال أسماء، وهي ابنة الـ 24 عامًا وابنها يبلغ 4 سنوات، إذ وصلها خبر استشهاد زوجها في المعتقل، وقد أقنعت حماتها ابنها الثاني بالزواج من زوجة أخيه “من أجل الحفاظ على الطفل”.
وبعد أن تزوجت بـ 5 أشهر، خرج الزوج الأول من المعتقل، ليواجه “صاعقة كبرى ويفضل الموت على أن يشاهد الحدث” بحسب ما نقلته أسماء، التي أردفت أن الأخ طلقها وعادت لزوجها.
وتعتقد سمية، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وهي زوجة لمعتقل أيضًا، أن النظام هو مصدر هذه الشائعات “ليزيد من معاناة البشر وتخبطهم”، مضيفةً “وصلني خبر وفاة زوجي أكثر من مرة، ولكن لا أستطيع أن أثق بهذا النظام فهو نظام غدار وهمّه تعذيب الناس، لن أصدّق إلا إذا خرج أحدهم وأخبرني أنه رآه ميتًا”.
لكنها أردفت “رغم أكاذيب النظام، فلا ألوم أي زوجة انفصلت عن زوجها في مثل هذا الزمن القاسي وأرى أن لكل إنسان ظروفه… المهم أن يكون كل ما تفعله المرأة حلالًا وحسب ما جاء به الدين”.
إذن.. ما هي نظرة الشرع؟
أحمد بدر الدين أستاذ في العلوم الشرعية، أفاد بأن من حق أي امرأة انقطعت أخبار زوجها لأكثر من سنة أن تطلب الطلاق من القاضي، وأن تعتدّ بعدها ومن ثم تصبح حرة في حال أحبّت الارتباط.
وأردف بدر الدين بأن “زماننا هو زمن الفتن والانفتاح، ولا يجوز للنساء أن يلجأن للطرق غير الشرعية للتفريغ من حاجاتهن العاطفية، في حين أن الدين لم يجبرهن على الانتظار”.
ونقل الشيخ أحمد اللدن، مفتي البقاع اللبناني، في حديث لعنب بلدي أن الفترة المعتبرة لانفصال الزوجة “هي غياب الزوج 4 سنوات على مذهب الحنابلة”، إلا أن لكل حالة وضعًا خاصًا في ظل الظروف الحالية، مشدّدًا على أنه لا يصح للمرأة اتخاذ القرار لوحدها دون الرجوع إلى القاضي الشرعي.
بدوره عزا الشيخ عبد الناصر المعني بالأحوال الشخصية للاجئين السوريين في البقاع الشرقي، “ارتكاب بعض النساء البعيدات عن أزواجهن لبعض الأخطاء والعشق بالسر”، مع أنهن ما زلن مرتبطات بأزواجهن، لأن ذلك “أسهل عليهن من ثرثرة الناس وخوفهن من كلام المجتمع”، مفضلًا “أن تنفصل المرأة عن زوجها المفقود في حال شعرت بأنها غير قادرة على انتظاره”.
وخلال الاستطلاع الذي أجرته عنب بلدي لعددٍ من الشباب والنساء في منطقة البقاع اللبناني، عزا الغالبية أصل المشكلة إلى التكتم الأمني لنظام الأسد حول أخبار المعتقلين ومنع أهلهم من زيارتهم، في حين وثق مركز توثيق الانتهاكات أكثر من 5000 شهيد تحت التعذيب، ما جعل نساءهم يصلن لهذه المرحلة من التخبط والفوضى وعدم التركيز.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :