المرأة والتغييرات الثورية
عنب بلدي – العدد 136 – الأحد 28/9/2014
أعادت الثورة النظر في الأدوار التي تمارسها المرأة في مجتمعها، وأعادت التفكير في علاقة المرأة بالرجل وفي علاقتها بذاتها وواقعها.
القواعد الاجتماعية السائدة، كانت أسّست للمرأة دورًا مهمًا وهو الأسرة، لكن بالمعنى المعيشي الخدماتي الأقل شأنًا في إدارة القرار وإدارة القضايا العامة والجوهريّة، وأعطتها نمط التبعية الاقتصادية والاجتماعيّة والقيمية، وحالة عطالة في التشريع والتخطيط والرقابة والمحاسبة، ودورًا ثانويًا غير سيادي، وحرية شخصية ضيقة، وحرية عامة مربوطة بمجتمع استبدادي. حيث الإرادة مسلوبة والقرار غير مستقل -وأحيانًا خاطئ- نتيجة نقص الخبرة والتقزيم والتهميش وسوء الإعداد الثقافي والقيمي، ينعكس سلبًا في المسؤوليات الملقاة عليها، ويؤطّرها في قصور فكري سياسي، ما أنزل مرتبة المرأة عن مرتبة الرجل في الاستحقاق المجتمعي، وأنقص شأنها القانوني.
لم تتمتع المرأة بنفوذ حقيقي قبل الثورة، فنفوذها ارتبط بوضعها الأنثوي والحالة الاجتماعية السياسية للعائلة، أما نفوذها المبني على المعرفة والفكر والسياسية؛ فكان ضئيلًا، خصوصًا في ظل استبداد شامل، وأجواء عصبوية تجلّت في الصراعات الطبقية والمناطقية والمذهبية، وفي تصنيف جنسوي غير عادل. ولم تحظ المرأة بفرص متكافئة عمومًا بسبب التحيز والتمييز، وبسبب مسألة التشكيك في كفاءتها وذكائها، فظلت تمثّل الأنماط التقليدية المتوارثة بجهل.
بعد الثورة أخذت التغييرات تتسارع وتظهر بوضوح، وعلى رأسها المشاركة السياسية والحرية الفردية، فزاد انتباه المرأة للمسائل السياسية، وشاركت في الحالة الثورية والوطنيّة، لكنّ مشاركتها السياسية الرسمية في المعارضة، ظلّت ضعيفة؛ نتيجة تحجيم دورها السياسي في الحكومة السورية ومجالها السياسي، فلم يتعدّ وجودها السياسي حالة التحاصصات والمحسوبيات والتجميل والتصفيق، وقد انتقل الوضع نفسه إلى المعارضة السورية التي تجلى فيها قصور سياسي عام لم يقتصر على المرأة، فقد ظهرت هيمنة المجتمع الذكوري، وتعمّق َفساد الرؤية العصبوية المذهبية والحزبية والعرقيّة والشللية، وانعكس سلبًا في الأداء السياسي العام، وفي مشاركة المرأة.
الثورة زادت انتباه المرأة إلى قضايا الحرية والعدالة والحقوق، ولم تعد القوة الجنسية التي كانت تستعملها المرأة كنقاطٍ لصالحها ملائمة للزمن الجديد، بل أسهمت في إرباكها وزيادة مصائبها، وعجزت عن مساعدتها وحمايتها، خصوصًا عندما وضعتها في استحقاقات وواجبات ومسؤوليات لم تكن مهيّأة لها أو مستعدة للقيام بها خارج المنظور التقليدي.
المرأة تخوض التغيير الحاد في النمط الاجتماعي المرسوم لها، وفي تشكيل أدوار جديدة لم تتوقعها، وأداء أدوار طارئة؛ فهي المعيل، وهي المغتربة، وهي وحدها رب الأسرة من دون رقابة، وبلا حماية، وهي وحدها التي ينبغي أن تجد حلولًا للمخاوف الداخلية والخارجية وللمخاطر، هي التي عليها أن تجيب عن إشكاليات جديدة، وتطرح أفكارًا جديدة لاحتواء واقعها، ومضطرة للدفاع عن نفسها بنفسها ضد الواقع الصعب، الذي سيطحنها إن لم تؤسّس آلية دفاع وحماية وتمكين لنفسها وأسرتها.
فكيف ستتصرف؟ وما هو الصح؟ وما هو الخطأ؟ وما هو الصالح وما هو الطالح؟ وإلى أي درجة تكون حرية الفكر؟ وما هي حدود الحرية الشخصية؟ ما المحظور؟ وما المباح؟
المرأة الآن تعدّ هوية جديدة وأبناءً جددًا، وبالتالي فإن الدور التقليدي يتغيّر بأدوار جديدة يتم معايشتها وقبولها، طوعًا وقسرًا، نتيجة المتغيرات من جميع الأطراف، التغييرات جاءت حادة ومن دون أن تمر بعملية تراكم خبرات؛ لكنها ستطوّر تعاطي المرأة معها في عملية يومية، وستكون تغييرات طويلة الأمد وعميقة التأثير.
لم تعد العملية الوطنية والثورية والقيادية امتيازًا للرجال، أصبحت امتيازًا للأفراد من الجنسين معًا، بما يلائم الاحتياجات والظروف والمسؤوليات. الوضع لا يتغير بالصراخ وتكرار “حدوتة” قمع المرأة والتمييز، بل يتغير بالبدء الفعلي بعملية التمكين الذاتي للمرأة، لإعدادها للمرحلة الحاضرة والمرحلة القادمة.
وللحديث تتمة..
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :