بدأ الروس يتحسبون لفشل مؤتمرهم السوري في سوتشي. قال نائب وزير خارجيتهم، لافرنتييف، إن اللقاء سيعقد تحت إشراف الأمم المتحدة، وروسيا ستساعدها. وأضاف مبعوث الرئيس بوتين الخاص، نائب الوزير بوغدانوف، إن روسيا لم تحدّد بعد موعد اللقاء. بما أن الأمم المتحدة لم تعلن رغبتها في الدعوة إلى “سوتشي”، وفي الإشراف عليه، فإن لافرنتييف كذب عندما ربط مصير اللقاء بها. أما بوغدانوف فقد فاقه في الكذب، بإعلانه أن موعد اللقاء لم يحدد بعد، على الرغم من أنه حدد رسميا في يومي 29 و30 من شهر يناير/ كانون الثاني، وقيل إنه سيحضره ما بين 1500 و1700 سورية وسوري، وسيناقش الدستور والانتخابات.
يذكّر كذب الروس الحالي بكذبهم السابق، حين دعا رئيسهم بوتين، باستحفاف مهين، إلى عقد “مؤتمر للشعوب السورية” في قاعدة حميميم الروسية، وأجبرته ردود أفعال السوريين الغاضبة والمواقف الدولية على نقله إلى مطار بشار الأسدفي دمشق، ثم إلى سوتشي إياها، قبل إعلان بوغدانوف فشله بطريقةٍ تشبه الطريقة الحالية في التعامل مع “سوتشي”، وملخصها يومذاك أن موعده لم يحدّد رسميا، وكذلك من سيدعون إليه.
إذا كان “سوتشي” لم يفشل بعد، فإنه فقد بالتأكيد بعض راهنيته وأهميته، وتحول إلى مشروع يرجّح أن لا يحضره العدد المطلوب للتغطية على مقاطعته سورياً، أو أن يبت في المسائل المطروحة، عبر قرارات ممكنة التنفيذ. وبما أن فشل “سوتشي” لن يكون أمرا مقبولا من رئيسٍ يريد تجديد ولايته بعد شهرين ونيف، ادّعى طوال عامين إنه حسم الأمور في سورية، فكسب الحرب ضد الإرهاب، وجاء بالفصائل إلى طاولة المفاوضات بشروطه، وأخرج واشنطن من التسوية وانفرد بها، وأخذ موطئ قدم في هيئة المفاوضات العليا، عبر إدخال منصة تابعة لمخابراته إليها، وفرض، نظريا، مناطق خفض تصعيد، وأعاد جزءا كبيرا من عتاده إلى روسيا، وأقام قاعدتين عسكريتين في سورية، فإنه لن يتخلى ببساطة عن جني الثمار السياسية لجهوده العسكرية والديبلوماسية، وسيصر على جلب السوريين إلى حلٍّ ينفرد به، يحشرهم في “شراكةٍ” مع الأسد، تعطيهم مناصب وزارية في حكومةٍ هو مرجعيتها، وبعد أن يكمل فترة رئاسته الحالية في السلطة عام 2021، يرشح نفسه لولايتين رئاسيتين جديدتين لا شك في فوزه بهما، بقرار روسي تدعمه قوة سلاح بوتين الفتاك.
بما أن فشل “سوتشي” سيكون أمرا جللا بالنسبة لروسيا، فإن الكرملين لن يتخلى عنه، أو عن تقديم بدائل له، منها انعقاده في ظل تعديلاتٍ تقلص الآمال المعلقة عليه. لكن هذا سيبقى في جميع الأحوال فشلا، ولن تفلت الديبلوماسية الروسية منه، في حال استمر تماسك الموقف الشعبي والوطني السوري تجاه سياسات بوتين و”سوتشي”، ولم تنجح موسكو في اختراقه أو الالتفاف عليه بمعونة تركيا، عبر تعديل هذه النقطة أو تلك من القرارات الدولية، أو تقديم تنازلات لأنقرة في موضوع مسلحي قوات الاتحاد الديمقراطي (الكردي) أو إطباق إيران ومرتزقتها على ما بقي من مناطق خارج سيطرة السلطة الأسدية، أو إطلاقها موجة تشدد تسحب خلالها “منصة موسكو” من هيئة التفاوض العليا، واعترافها بالهيئة لإسقاط جنيف بصورة نهائية، وتصعيد جهدها العسكري إلى مستوياتٍ غير مسبوقة من حيث مدته وشدته… إلخ، أو هذه الخطوات مجتمعة.
في المقابل، بما أن انعقاد “سوتشي” سيكون إخفاقا جديا للثورة السورية، وضربة يرجّح أن تدفع بها إلى أكثر أحوالها سوءا، فإنه لن يكون هناك ما هو أكثر أهمية من المحافظة على أجواء التعبئة الوطنية ضد مشروع روسيا، ومن استخدام هذه الأجواء، من جهة أخرى، لإصلاح عيوب مؤسسات العمل الوطني ونواقصها، ورفع روح السوريين المعنوية وتوطيد تلاحمهم الوطني، وزيادة جاهزية الفصائل القتالية. من غير المعقول أن ينجح السوريون في مواجهة سياسات دولة عظمى، ثم يفشلون في إصلاح أوضاع جهات هي جزء منهم، وتنتمي سياسيا وعسكريا إليهم. ولا بد من زيادة الجهود التي يجب أن تكرس للمهمة الثانية، من أجل تجاوز “سوتشي” بنجاح، والاستعداد لمنع أعدائنا من حسم المسألة السورية لصالحهم، مع اقترابها المتزايد من مراحلها النهائية. وعلى الجملة: علينا إيلاء قدر كاف من الاهتمام لسوتشي، من دون تجاهل ما يجري ميدانيا وسياسيا من جهود لحسم الصراع لصالح أعدائنا: روسا كانوا، أو إيرانيين، أو أسديين، أو مرتزقة نصر الله.
هذا عام حسم، وحّد السوريون أنفسهم شعبيا لملاقاته عبر رفض “سوتشي”، ولا مفر من أن يوحدوا أنفسهم سياسيا وعسكريا بروح الوطنية الجامعة التي أبدوها، كي لا يربحوا معركة ويخسروا الحرب.