عشائر الحسكة.. الولاء المفتّت

  • 2018/01/14
  • 11:10 ص

رجال يلعبون "الطاولة" في حي بمدينة بالقامشلي - 17 أيار 2017 (عنب بلدي)

فريق التحقيقات في عنب بلدي

سباق لاستمالة عشائر الحسكة

لم يستغرق غياب محمد الحلو، شيخ عشيرة “عدوان” في محافظة الحسكة، عن سوريا عامين، بعد اتهامه بدعم فصائل المعارضة عام 2012 وتسهيل دخولها إلى مدينة رأس العين، ما دفعه إلى مغادرة البلاد هربًا من تسليمه للنظام.

لكن الحلو (أبو مشعل) حظي عام 2014 بعفو رئاسي، عاد بموجبه إلى الحسكة التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، مع ولاء معلن للنظام.

ولا يعني كون الحلو شيخًا للعشيرة أن أفرادها سيتبعون الولاء ذاته الذي أعلنه، إذ مال قسم منهم إلى دعم “حزب الاتحاد الديمقراطي”، ومنهم ابن عائلته عبد الرزاق الحلو، الذي اندمج في مؤسسات “الإدارة الذاتية” بصفته أحد كبار وجهاء عشيرة عدوان، فيما سعت بعض وسائل الإعلام إلى تصديره على أنه شيخ العشيرة.

وتشير مصادر إعلامية إلى أن أقارب شيخ عشيرة عدوان ينتمون إلى مؤسسات المعارضة السورية في الخارج.

ولعل حالة الولاء المتعدد لأبناء عدوان، وهي إحدى كبرى العشائر العربية في محافظة الحسكة، تشكل صورة مصغرة عن الانقسام الذي يشهده المجتمع العشائري في المحافظة، وفقًا لتوازنات القوى والجهات السياسية المؤثرة.

فمع وصول تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى شرق سوريا تسرب عدد من أبناء العشائر العربية في محافظة الحسكة إلى صفوف مقاتليه، معلنين البيعة والولاء، وهو ما استثمره التنظيم إعلاميًا لتأكيد ولاء العشائر في سوريا له.

في الوقت ذاته كان النظام و”حزب الاتحاد الديمقراطي” يسعيان أيضًا لاستمالة موقف العشائر العربية في الحسكة، وتصدير صورة إعلامية تحتكر ولاء عشيرة بأكملها في موقف أحد أبنائها، فيما يبدو أن الكرد لعبوا دورًا أكبر في هذا المجال على اعتبار أنهم القوة المسيطرة على الأرض.

من “ولاء المصلحة” إلى ولاء “الهدنة”

انطلاقًا من حالة شيخ عشيرة عدوان، محمد الحلو، يمكن القول إنه لم يقم بداية الثورة بتسهيل دخول فصائل المعارضة إلى مدينة رأس العين بغية دعمهم، بل من باب الحفاظ على مصالح عشيرته، وتقليل الخسائر الناجمة عن زج أبناء العشيرة في صراع مسلح يمكن أن يؤدي إلى سقوط عشرات القتلى.

وما يؤكد هذا الطرح هو أن الحلو كان قد شغل في السابق منصب عضو في مجلس الشعب كممثل عن الحسكة، ولم يكن له تاريخ في معاداة النظام السوري.

ويرى الصحفي السوري إبراهيم حبش أن “العشائر تمثل جانبًا مهمًا من النسيج الاجتماعي السوري العام، وما انطبق على هذا النسيج من مناهج أيديولوجية انسحبت أيضًا على العشائر فكان لها نفس الأثر من حيث الولاءات، وما هو زائد في حالة العشائر يتركز في تمسك أفرادها بقراهم وملكياتهم”.

ومن هذا المنطلق “كان الولاء الطاغي للعشيرة على سواها هو المحرك الأساسي لإعطاء الولاء لمن يسيطر على مناطقهم مقابل بقائهم فيها نتيجة لتصورات عنيفة في الذاكرة الجمعية ستصيب خطوط العشيرة الحمراء في حالات النزوح وما يترتب على هذه الحالة من ثمن باهض”، وهو ما يسميه حبش “ولاءً مصلحيًا”.

ومع اختلاف القوى العسكرية من صيغة فصائل تسعى إلى التمدد، وتحول التحركات العسكرية إلى شكل تنظيمات عسكرية مدعومة من جهات دولية، لم يكن لدى بعض العشائر سوى أن تبدي ولاءً للقوة المسيطرة، على أمل حفظ وجودها.

وهنا ينتقل الولاء من “مصلحة” إلى “هدنة” مع العسكر الجدد من وجهة نظر حبش الذي يضيف “هادن أبناء العشائر من يسيطر على قراهم حسب رضا دولي، وما لهذا الولاء المهادن من عائد إلا الحفاظ على القرى التي تنتشر فيها هذه العشائر كما حصل في نموذج سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مناطق بعض العشائر”.

رجال في أحد أحياء مدينة القامشلي، 29 أيلول 2016 (عنب بلدي)

“الإدارة الذاتية” ومحاولات استمالة العشائر العربية

على الرغم من انقسام الولاءات داخل العشيرة الواحدة، إلا أن العشيرة العربية ماتزال ذات أثر مهم على المجتمع المحلي، وهو ما يفسر رغبة القوى على الأرض في سحب بساط الدعم العشائري إلى جانبها.

ونجح “حزب الاتحاد الديمقراطي” في حصد دعم شيخ قبيلة شمر، حميدي دهام الهادي الجربا، إذ تم تعيينه كحاكم مشترك لـ “مقاطعة الجزيرة” في الإدارة الذاتية، إضافة إلى عدد من المسؤولين في مؤسسات الإدارة الذاتية الذين ينحدرون من العشائر.

ولشخصية حميدي دهام أثر كبير في جعله هدفًا بعينه دون غيره، فإلى جانب انتمائه إلى عائلة لها تاريخ على المستوى السياسي الوطني، تمكن حميدي من تكوين “مشروع إمارة صغيرة” في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، وأسس فصيلًا عسكريًا من أبناء عشيرته (شمر)، تحت مسمى “قوات الصناديد”، التي تقاتل إلى جانب “قوات سوريا الديمقراطية”.

وهو ما جعل منه حليفًا مهمًا، أسدى إلى الحزب خدمات عدة، أبرزها تأمين المنطقة الحدودية مع العراق حيث يتمركز دهام، ويتركز انتشار قواته، واستمرار الحشد في المناطق العربية لصالح “PYD” وذراعه العسكرية.

ويخوض “حزب الاتحاد الديمقراطي” محاولات أخرى لاستمالة العشائر العربية في المنطقة، تتجلى في المؤتمرات المتكررة التي عقدها ممثلون عن الحزب وعن “الإدارة الذاتية” مع وجهاء عشائر الجزيرة السورية.

ورغم ذلك، إلا أن “PYD” ينفي محاولات التقرب من العشائر بشكل منظم ويعتبر أن أي تمثيل لهم في المؤسسات أو المراكز القيادية داخل “الإدارة الذاتية” هو على أساس قومي وليس عشائريًا، إذ يؤكد حكم خلو، الرئيس المشترك لـ “المجلس التشريعي في مقاطعة الجزيرة”، لعنب بلدي، أن “التمثيل في الإدارة يتم من خلال المكونات القومية والسياسية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني”.

وتضم مؤسسات الإدارة الذاتية شخصيات عشائرية عربية عدة، ومنها وزير هيئة التموين، فنر العكيد، من عشيرة شمر.

كما تمكنت الإدارة الذاتية من إشراك قسم من أبناء العشائر في انتخابات الفيدرالية، إذ تولى الشيخ حميدي دهام مهام الترويج للفيدرالية والدعوة إليها وامتداحها أمام وسائل الإعلام، بينما لعب الناشط السياسي حسن العلي العساف (من قبيلة طيء العربية)، دروًا كبيرًا في دعوة عرب الحسكة إلى “التصويت بنعم للفيدرالية لأنهم بهذا سيحافظون على وجودهم السياسي”.

ورغم بروز بعض الأصوات العشائرية التي انتقدت الفيدرالية، ودعت إلى التخلي عن فكرتها، إلا أن دعواتها بدت مهمشة بالمقارنة مع أبناء العشائر الذين انخرطوا في مشروع “الإدارة الذاتية”.

حكم خلو، الرئيس المشترك لـ ”المجلس
التشريعي في مقاطعة الجزيرة“

وردًا على سؤال عنب بلدي حول أبناء العشائر الذين رفضوا الفيدرالية، قال حكم خلو “يجب أن نفرق بين العشائر من حيث أنها جزء من المجتمع ومن يدعون تمثيلهم للعشيرة ويصادرون قرار العشيرة، وما يهمنا هو رأي المجتمع وليس آراء بعض الأشخاص، وعمومًا فإن رأي المجتمع بقبول الفيدرالية إيجابي”.

العشيرة الكردية خارج الهدف

بينما يستند “حزب الاتحاد الديمقراطي” إلى الحشد العشائري العربي لإدخال المكون العربي في إطار مؤسسات “الإدارة الذاتية” ودعم صورته في المجتمع العربي داخل الحسكة، يبدو هذا التعويل أقل أثرًا على العشائر الكردية.

بالنظر إلى المجتمع الكردي في منطقة الحسكة فإنه في الغالب ذو أصل عشائري، إلا أنّ أثر العشيرة تراجع بشكل كبير مؤخرًا، إذ يشير ناشطون من الحسكة إلى أن العائلة حلّت محل العشيرة بالنسبة للكرد، ولم يعد ذكر العشيرة يرتبط باسم أفرادها.

من جانبه، يرى الصحفي إبراهيم حبش أن “الأحزاب الكردية همشت العشائر، وأخذت دور البنية التنظيمية التي تجمع أغلب أبناء المجتمع، فحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يحظى بثقة طيف واسع من الكرد ومن ضمنهم مشايخ العشائر التي ساهمت في تعزيز هذه الثقة”.

وكانت العشائر الكردية في محافظة الحسكة أسست مجلسًا خاصًا لها عام 2013 لتلعب منذ ذلك الحين دور الوسيط بين “PYD” والنظام السوري فيما يخصّ الشؤون الخدمية وغيرها من الأمور التي تحتاج لتنسيق بين الطرفين.

جمال عبدي، ممثل عشيرة الكابارا في “مجلس العشائر الكردية”، يؤكد على الدور التوافقي الذي يلعبه المجلس، ويقول في لقاء مع عنب بلدي “نحن نلعب دور الوسيط الإيجابي بين جميع المكونات الموجودة في محافظة الحسكة ونتدخل في حل جميع المشاكل التي تحصل بين كل الأطراف، سواءً أكانت بين الإدارة الذاتية أو الحكومة، ونحن في مجلس العشائر لا ننحاز لأي جهة أو أي طرف، ونقف على مسافة واحدة من كل الأطراف”.

وينفي عبدي وجود أي دور سياسي أو عسكري للمجلس “إذ إننا مجلس عشائري فقط ولا نتدخل بالأمور المتعلقة بالسياسة، وليس لدينا أي أجندات عسكرية أو قوة عسكرية على الأرض إطلاقًا”.

ورغم ذلك فإن البيانات التي يصدرها والمواقف التي يعبر عنها المجلس تعبر عن ميله إلى تأييد حزب “الاتحاد الديمقراطي”، إذ يعتبر المجلس “وجود الفيدرالية ضمانًا لوحدة سوريا وعاصمتها المركزية دمشق والتي لا بديل عنها”، كما يرى أن “وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة لها دور في الذود عن حمى هذا الوطن، وسطروا ملاحم البطولة والتضحيات”.

 

حميدي دهام الهادي، شيخ قبيلة شمر

أبرز القبائل العربية والكردية في الحسكة

تصل مساحة محافظة الحسكة إلى 32 ألف كيلومتر مربع، ورغم صغر مساحة هذه المحافظة إلا أنها تضم خليطًا من أعراق وأديان عدة، وتتميز بوجود مجتمع عشائري متشعب وتمركز قبائل عدة.

وترتبط أغلب القبائل الموجودة في الحسكة بامتداد لها في الجزيرة السورية والدول المجاورة، كما تتنوع بين قبائل عربية وأخرى كردية.

شمّر

تعدّ من القبائل العربية الكبرى التي يمتد نفوذها من السعودية إلى سوريا مرورًا بالعراق، ويقال إنّ فروعها تصل إلى إيران.

يشير المؤرخ السوري الراحل تركي علي الربيعو، إلى أن شمّر هي فرع من قبيلة طيء لكنها تمددت وأصبحت أصلًا.

وينتشر أفراد قبيلة شمّر في سوريا على الحدود الشرقية مع العراق، ويتركزون في محافظة الحسكة.

لا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد أفراد القبيلة في الحسكة، إلا أن تقديرات بعض المصادر العشائرية تشير إلى أنهم لا يتجاوزون 50 ألفًا.

ورغم ذلك إلا أن العشيرة استطاعت أن تلعب دورًا في الحياة السياسية السورية والمشاركة عبر زعيمها دهام الهادي ضمن مجلس الشعب سابقًا، كممثل عن محافظة الحسكة.

وتعد شمر اليوم من القبائل المقربة من حزب الاتحاد الديمقراطي، إذ يشغل شيخها حميدي دهام الهادي منصب “الحاكم المشترك لمقاطعة الجزيرة”، كما ينحدر فنر العكيد، وزير هيئة التموين من قبيلة شمر، ويحظون عمومًا باهتمام من الإدارة الذاتية.

طيء

تحيط هذه القبيلة بالقامشلي من جميع الجهات، خاصة أن زعماء القبيلة العربية يعتبرون القامشلي جزءًا أساسيًا من ديرة طيء، وبحسب مصدر عشائري في طيء فإن أعداد القبيلة تصل إلى 400 ألف نسمة، تنقسم إلى 13عشيرة.

ليس لدى قبيلة طيء ميليشيا مسلحة إلا أن هناك بعضًا من أبنائها يقاتلون إلى جانب “قوات سوريا الديمقراطية”، فيما ينتمي أغلبهم إلى “قوات الدفاع الوطني” التابعة للنظام.

وينقسم ولاء أبناء القبيلة بين الإدارة الذاتية، فيما يميل أغلبهم إلى موالاة النظام.

الجبور

ينتشرون في الحسكة وأريافها وتصل أعدادهم إلى 350 ألف نسمة، وأبرز شيوخها من “آل المسلط الملحم”.

يعتبر شيوخ هذه القبيلة الحكام الفعليين لمدينة الحسكة تاريخيًا، وكان لهم حضور سياسي في تاريخ سوريا الحديث، بين معارضين للنظام من آل المسلط، وممثلين عن الحسكة من العائلة ذاتها في مجلس الشعب.

يوالي قسم منهم النظام حاليًا، فميا يذهب آخرون ضمن القبيلة لتأييد المعارضة، ولا يوجد مسؤولون في الإدارة الذاتية من قبيلة الجبور، فيما يقاتل بعض أبنائها مع “قوات سوريا الديمقراطية.

عدوان

هي من القبائل العربية، ويبلغ عددها ما يقارب 12 ألف نسمة، بحسب المؤرخ علي تركي الربيعو، وتسكن في غرب مدينة رأس العين وجنوبها.

برز اسم شيخ العشيرة محمد الحلو (أبو مشعل) بداية الثورة السورية، بعد أن ساعد فصائل معارضة في الدخول إلى رأس العين، ما أدى إلى خروجه من سوريا خوفًا من تسليمه للنظام، إلا أن الحلو عاد عام 2014 بعفو رئاسي وأعلن ولاءه للنظام.

الكابارا

إحدى أكبر العشائر الكردية في سوريا، يتركز انتشار أفرادها في مدينتي الحسكة وعامودا، إذ يتبع لها ما يزيد عن 65 قرية سورية، ولا تتوفر معلومات دقيقة عن أعدادها.

ينحدر من قبيلة الكابارا عضو المجلس الوطني الكردي، وممثله في الهيئة العليا للمفاوضات، عبد الحكيم بشار.

الدقوري

قبيلة كردية يتركز انتشارها في مدينة عامودا بريف القامشلي، ولها عدة فروع منها عشيرة سيلفيان وحجيان وغيرها.

وتذكر المراجع التاريخية أن لعشيرة الدقوري تاريخًا في مقاومة الاحتلال الفرنسي من خلال عدد من أبنائها، كصالح آغا الدقوري، وغيره.

ميران

تدعى أيضًا “كوجار” وهي كلمة كردية معناها “بدو رحّل”، وهم رعاة متنقلون، ينتشرون في ديريك ورميلان، ويقدر عدد أفرادها بـ 30 إلى 40 ألفًا.

الأومريان

تتكون من مجموعات كردية هاجرت من تركيا في خمسينيات القرن الماضي، ويتركز انتشارها في مدينتي عامودا والقامشلي.

البكارة

تعد قبيلة البكارة من أكبر قبائل سوريا وتنشر في الحسكة ودير الزور والرقة وحلب وإدلب وحماه ودرعا.

يبلغ عدد أفرادها في الحسكة نحو 350 ألف بحسب تقديرات محلية، فيما يتركز ثقلها الأكبر في دير الزور.

انضم قسم كبير من أبناء البكارة إلى الثورة السورية مع انطلاقها وشاركوا مع “الجيش الحر” في معارك عدة، ومع تطور الأحداث كانت القبيلة محط أنضار دولية، ما حدا بإيران للاتفاق مع النظام لاستمالة نواف البشير، أحد شيوخها البارزين، وإعادته إلى سوريا ومنحه الصلاحية لإنشاء “جيش عشائري” مدعوم من ميليشيات إيرانية في القامشلي، ليقاتل إلى جانب النظام في الشمال الشرقي السوري.

قسم كبير من أبناء العشائر المرتبطة بالبكارة كان لهم موقف مغاير حيال ذلك، إذ أصدر عدد من الضباط والقادة العسكريين والناشطين بداية العام الماضي بيانًا أكدوا فيه بقاءهم إلى جانب ثورة الشعب السوري ومناصرتها.

النفوذ العسكري العشائري في الحسكة

ميليشيات “المصلحة الشخصية”

بالنظر إلى طبيعة التركيب التنظيمي للعشائر يمكن القول إن الحشد العسكري المبني على أساس عشائري يمكن أن يكون ذا أثر قوي في أي صراع عسكري، ويسهم في ترجيح الكفة للقوى التي تقاتل القوات العشائرية ضمنها.

لكن الأمر يبدو مختلفًا بالنسبة لطبيعة الصراع السوري، إذ لم تبرز أي مجموعة عسكرية بمسمى عشائري كقوة مستقلّة ذات هدف أيديولوجي معيّن، بل اقتصرت القوى العسكرية العشائرية على فصائل صغيرة، تدعم بعض الجهات العسكرية، أو تتولى مهمة حفظ أمن مناطقها.

ولعل الجزيرة السورية، كمجتمع عشائري، تجسد مثالًا واضحًا عن ذلك، إذ صدّرت عشائرها عشرات المجموعات العسكرية الصغيرة التي ذابت في “قوات سوريا الديمقراطية”، أو “الدفاع الوطني” التابع لقوات النظام، أو في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”، مع الإشارة إلى أن الكثير من المقاتلين العشائريين دعموا فصائل المعارضة في الحسكة خلال العام الثاني للثورة السورية.

باستثناء ذلك برزت مجموعات مستقلّة عقدت تحالفات مع المقاتلين الكرد، مثل “قوات الصناديد” التي تعد قوات دعم لمصالح زعيم قبيلة شمّر، حميدي دهام الهادي الجربا، وقوات “النخبة” التي يستخدمها أحمد الجربا، رئيس تيار “الغد السوري” كأداة لتحقيق التوازنات على الأرض وفق مصالحه وارتباطاته السياسية.

تشييع المقاتل في قوات الصناديد صفوك خميس في بلدة تل كوجر بالحسكة – 6 شباط 2017 (ANHA)

“قسد”.. غسل الشبهة القومية بالعشيرة العربية

اعتمدت “قوات سوريا الديمقراطية” على إبرام تحالفات مع قوى عشائرية عربية عدة، كما سعت من خلال شيوخ عشائر إلى تجنيد بعض المقاتلين العرب في صفوفها، وهو ما يخدم صورة “قسد” كتشكيل عسكري يضم مقاتلين من كافة المكونات في الجزيرة السورية، ولا يقتصر على الكرد، رغم أنهم يمثّلون الغالبية العظمى من مقاتليها.

لكن ريزان كلو، الرئيس المشترك لـ “هيئة الدفاع في مقاطعة الجزيرة” ينفي أن يكون الكرد هم القوة الأكبر عددًا في “قوات سوريا الديمقراطية” ويعتبر أن “نصفها أصبح من المكون العربي ومن جميع العشائر ولا نستثني أحدًا ماعدا البعض الذين يكونون إلى جانب النظام السوري، أما المكون العربي فقد انضموا إلى قوات سوريا الديمقراطية من جميع العشائر”.

وعلى الرغم من ذلك لم تستمر العلاقات بشكل سليم بين “قسد” والفصائل العشائرية العربية التي تحالفت معها، بل اصطدم هذا التحالف بجدران اختلافات المشاريع والشعور بالاستغلال المتبادل بين الطرفين.

وتتجلى هذه الصدامات في الخلافات التي ظهرت إلى العلن بين “قسد” و “قوات النخبة” في معركة السيطرة على مدينة الرقة، والتي أدت إلى انسحاب الأخيرة من “قسد” خلال صيف العام الماضي.

أما “قوات الصناديد”، ومع بقائها ضمن “قوات سوريا الديمقراطية”، إلا أن الكثير من الحساسيات تسود العلاقة بينهما، إذ بدأت بعض الأصوات داخل “قسد” تعترض على سياسة “الصناديد” في “محاولة الحصول على مكاسب أكبر على الأرض، وعدم الاكتفاء في تحقيق حماية مناطق شمّر.

كما يتهم بعض مقاتلي “قسد” قوات “الصناديد” بتوزيع هويات على مطلوبين للتجنيد في “وحدات حماية الشعب” ما يحول دون تجنيدهم، ويزيد أعداد منتسبي “الصناديد” في قوائم “قسد”.

وبذلك قد تتحول الحالة العشائرية التي تعول عليها “قسد” إلى “نقمة” خاصة مع توسع نطاق سيطرتها في ريفي دير الزور وحلب حيث تتركز العشائر العربية، وسط مخاوف من تشكيل تحالفات عشائرية عربية تؤذي البنية التنظيمية لجناح “حزب الاتحاد الديمقراطي” العسكري.

“داعش” ثم النظام.. ملاذان للعشائر العربية

مع توسّع نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد عام 2014 في منطقة الجزيرة السورية، كان خيار أبناء العشائر العربية في الحسكة إما “البيعة” أو تشكيل فصائل محلية تحارب التنظيم إلى جانب “قسد”.

ويشير الصحفي إبراهيم حبش إلى أن “قسمًا من أبناء العشائر، وكحالات فردية، انضم إلى تنظيم الدولة كرد فعل على قيام ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بحرق عدد من القرى العربية وتهجير أهلها”.

بالمقابل، آثر بعض أبناء العشائر العربية الانضمام إلى “الدفاع الوطني” الذي يشكل رديفًا لقوات النظام، ويتمركز في بعض النقاط ضمن مدينتي الحسكة والقامشلي.

فيما يدور الحديث عن تشكيل مجموعة عسكرية عشائرية جديدة في الحسكة، يتزعمها شيخ قبيلة البكارة نواف البشير، الذي انشقّ عن صفوف المعارضة السورية، ليعود إلى دمشق معلنًا ولاءه للنظام.

ولم يتم حتى الآن الإعلان عن تشكيل هذه المجموعة، إلّا أن مصادر متطابقة اطلعت عليها عنب بلدي سابقًا أكدت أن المجموعة ستبدأ في القتال إلى جانب قوات النظام، بداية العام الجاري.

وتشير المصادر إلى أنّ عملية تدريب المجموعة تتواصل من قبل قادة من “الحشد الشعبي” القادمين من العراق، في معسكرات في جبل كوكب والحزام الأمني و”اللواء 156”، وهي مواقع تحت سيطرة النظام في محافظة الحسكة.

وبناء على ذلك يبدو أن حظوظ “قوات سوريا الديمقراطية” في استقطاب العشائر العربية في الجزيرة السورية تتراجع بشكل سريع، الأمر المرتبط بدخول النظام على خط الحرب ضد تنظيم “الدولة” منذ منتصف العام الماضي، وظهور فصيل “جيش المغاوير” التابع للمعارضة السورية في دير الزور بدعم من “التحالف الدولي”.

قوات الصناديد

تأسست “قوات الصناديد” عام 2013، من بعض أبناء قبيلة “شمر” العربية، ويتركز مقاتلوها في مناطق تل حميس وتل كوجر في ريف الحسكة.

انضمت “الصناديد” إلى “قوات سوريا الديمقراطية” مع بداية تأسيس الأخيرة عام 2015، وشاركت معها في معارك عدة.

بندر حميدي دهام الجربا، القائد العام لقوات الصناديد

يعتبر مؤسسها حميدي دهام الهادي الجربا من أبرز القادة العشائريين في الحسكة، وهو القائد المشترك لمقاطعة الجزيرة، وهو ابن عم أحمد الجربا قائد “قوات النخبة”.

شاركت قوات “الصناديد” في حملة “غضب الفرات” بقيادة “قوات سوريا الديمقراطية”، لكنها لم تشارك في معارك السيطرة على الرقة.

يقدر ناشطون العدد الكلي لـ “الصناديد” بألف مقاتل، ويشار إليهم على أن دورهم غالبًا يكون في حماية الآبار النفطية في المنطقة الحدودية مع العراق.

كما يشار إلى “قوات الصناديد” أنها مخصصة لحماية “حلم إمارة حميدي دهام”، الذي يسعى إلى تثبيت وتوسيع نفوذه، وتحقيق زعامة عشائرية واسعة بالاعتماد على النفط كوسيلة لتعزيز موارده المالية.

قوات النخبة:

أحمد الجربا، رئيس تيار الغد السوري

تتبع “قوات النخبة” لـ “تيار الغد السوري” الذي يرأسه أحمد الجربا، وهو ابن عم حميدي دهام، من قبيلة “شمر” العربية.

تأسست “النخبة” عام 2016، ويصل عدد مقاتليها إلى ثلاثة آلاف، حسبما قال الجربا في لقاء صحفي خلال شباط الماضي، إلّا أن القوات تعرضت لانشقاقات أدت إلى تسرب عدد من فصائلها إلى “قسد”.

تعمل قوات النخبة تحت جناح “التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية”، كما يعد أحمد الجربا حليفًا مقربًا من المملكة العربية السعودية ويحظى بدعم وإشادات من وزارة الدفاع الأمريكية لـ “قدرته على تعبئة القوات المحلية” دعمًا لمعركة السيطرة على الرقة التي شاركت فيها “النخبة” الصيف الماضي.

ويؤكد الجربا أن قواته تتلقى الدعم اللوجستي من القوات الأمريكية التي تقود “التحالف الدولي”، مع الإشارة إلى ان الدور الأمريكي لا يمتد إلى التسليح أو تقديم الأموال.

مقالات متعلقة

  1. وسط فلتان أمني.. اغتيال شيوخ عشائر في دير الزور
  2. برعاية النظام.. عشائر تعلن تشكيل وحدة مقاتلة في سوريا
  3. مجهولون يستهدفون مسؤولًا في "الإدارة الذاتية" بدير الزور
  4. عقب انتقاد أمريكي.. "مجلس سوريا الديمقراطية" يسارع إلى التقرب من العشائر العربية

في العمق

المزيد من في العمق