الصورة الملغومة: محجبات عصر “الفاشنيستا”
عنب بلدي – نور عبد النور
“لا يجب أن نجلس ونتساءل لماذا تصور النساء بصورة معينة، ونحلم فقط في تغيير هذه الصورة”، تقول الصحفية الأمريكية المحجبة ذات الأصول الليبية نور التاجوري، والتي وجدت في مجلة إباحية ميدانًا أتاح لها النضال من أجل “تغيير الصورة النمطية للمرأة المحجبة”.
تقرّ نور، التي اختارتها مجلة “بلاي بوي” الإباحية الأمريكية لإجراء حوار ووضع صورتها كغلاف للمجلة نهاية عام 2016، أنها لم تكن متأكدة من صحة خيارها في قبول استضافة المجلة لها، فاستشارت عائلتها وأصدقاءها ومدرسيها، لكنها كانت بحاجة إلى عمل شيء ما ولم تجد “أفضل من مجلة كانت تعرف في السابق بوضع المرأة في قالب معين”، فكسرت القالب.
ما حدث أن الكسر الذي أسست له نور في عالم الإعلام، وإن سعت إلى تبريره بنية طيبة، تحول فيما بعد إلى شرخ كبير مرّت منه مئات الفتيات المسلمات إلى عالم الأضواء المعتمد على الجمال، وذلك عبر تجميل “الحشمة” بطريقة مبالغ بها، وصلت إلى مرحلة “خلط المفاهيم”.
استعراضات “رفض العنصرية”
في شباط 2017 تمكن زوج المغنية الأمريكية الشهيرة، كيم كارديشيان، من إحداث صدمة لجمهور عرض الأزياء الخاص به عندما استعان بالعارضة الأمريكية المحجبة ذات الأصول الصومالية، حليمة عادن، ليكسر حضورها رتابة الحفل، وأحداثه التقليدية.
ضجّت وسائل الإعلام الغربية حينها بحليمة، التي أطلت بحجاب أسود يغطي رأسها، ومعطف من الفرو البني يغطي كامل الجسم.
لكن حشمة حليمة الكاملة لم تكن محل الجدل، بل موقعها في الحفل كأداة ترويج وتعبير عن التميز، بغلاف ضرورة قبول الآخر ونبذ العنصرية ورفض “الإسلاموفوبيا”.
ولم يكن ظهور حليمة في حفل عرض الأزياء هو الأول ولا الأخير، إذ سبقه مشاركة العارضة في مسابقة ملكة جمال ولاية مينيسوتا، وتأهلت في وقت متأخر من العام ذاته في مسابقة ملكة جمال الولايات المتحدة الأمريكية.
ارتدت حليمة المحجبة “بوركيني” بدلًا من “بيكيني”، وفساتين لامعة طويلة الأكمام تلامس أطرافها الأرض، ورغم ذلك لم تتحول معادلة الاختلاف إلى الزاوية الإيجابية بشكل كلي، مع تساؤلات عن مدى التناسب بين الحجاب كدلالة للسلوك المحتشم، وحفلات يشكل العري واستعراض الجسد محور نجاحها.
وعلى غرار عرض الأزياء الذي شاركت فيه حليمة، باتت الكثير من دور الأزياء العالمية تتعمد إقامة عروض لأزياء المحجبات في محاولة لتقريب فكرة الإسلام إلى الغرب، في الوقت الذي باتت العنصرية تتزايد تجاه المسلمين بفعل ربطهم بالجماعات “الجهادية”.
الغريب في الأمر أن الغرب بات يقبل الإسلام كشكل أو “موضة”، فيما لا يزال الكثير من المسلمين في أمريكا وأوروبا يعانون من “عنصرية”، تمارس تجاههم حتى في بعض الأماكن العامة، كمحطات الحافلات والحدائق.
“عباءات الخليج” هدف الأسواق العالمية
سيطر الحجاب والملابس المحتشمة لأول مرة على عروض الأزياء العالمية، وشهد عام 2017 إقامة عشرات العروض في أوروبا وآسيا وأمريكا لأزياء المحجبات.
كما أدخلت مجموعة من الشركات العالمية أزياء المحجبات إلى تشكيلاتها الخاصة بالربيع والصيف والخريف، مستهدفة بذلك الأسواق الخليجية التي تستهلك نسبة كبيرة منتجات هذه الشركات.
شركة “اتش آند إم” الهولندية الشهيرة اتجهت خلال العام الماضي إلى إدخال أول امرأة محجبة إلى إعلاناتها، مستهدفة بذلك مئات الفروع التابعة لها في الخليج العربي خاصة، والشرق الأوسط عامة.
وسعت الشركة إلى الاهتمام بالمحجبات لزيادة مبيعاتها، إثر الخسائر الكبيرة التي تكبدتها ودفعت بأسهمها إلى التراجع بنسبة 12% على مؤشر “ستوكس” الأوروبي.
وتبدو السوق الخليجية من أكثر أسواق العالم إغراءً لـ “الماركات العالمية”، إذ يتوقع معهد الأزياء الفرنسي “إسمود” أن يصل إنفاق المسلمين على الملابس والأحذية في العام 2019 إلى 500 مليون دولار، وفق تقرير نشره موقع إذاعة “مونت كارلو”.
دور أزياء عالمية مثل “كارولينا هيريرا”، “دولتشي أند غابانا”، “مايكل كورس”، “زارا” وغيرها، باتت توفر تشكيلات من الأزياء خاصة للخليج تتضمن عباءات وشالات رأس.
وعلى الرغم من الإنفاق المتزايد من نساء الخليج على ملابس “الماركات العالمية” مرتفعة الثمن، إلا أن موجة من الانتقادات طالت الانسياق الكبير خلف التصميمات الغربية، على اعتبار أنها “إلغاء للهوية المحلية وفرض أنماط من الملابس غير مناسبة لطبيعة دول الخليج”.
قواعد “إنستغرام” تلزم المحجبات
يزيد عدد المستخدمين العرب لموقع “إنستغرام” المتخصص في الصور عن سبعة ملايين، وفق إحصائية نشرت بداية عام 2017، وبالطبع تزيد نسبة مستخدميه من الإناث عن المستخدمين الذكور بشكل كبير.
ولا يتوقف الموقع بالنسبة للكثير من المستخدمين على كونه مكان مشاركة للصور الشخصية، بل مضمار سباق ووسيلة لرفع مستوى تقدير الذات.
ومع ظهور فكرة “الفاشينستا” للدلالة على عارضات ومدونات “الموضة”، بدا “إنستغرام” مكانًا مناسبًا لإثبات الجدارة وعرض مجموعات الأزياء الخاصة وحصد الإعجابات.
مئات النساء المسلمات تحولن إلى “فاشنيستات” يقضين أوقاتًا طويلة في ابتكار طرق جديدة لوضع الحجاب وتجميل الملابس وإبراز ملامح الوجه باستخدام مساحيق التجميل بما يناسب تصويرها وعرضها على “إنستغرام”.
الكثير من مدونات الموضة على الموقع تحولن إلى عارضات في بعض دور الأزياء، مثل الكويتية آسيا عاكف، التي باتت عارضة لدار أزياء “لويا”، وحصدت اهتمام نحو مليوني متابع مهتمين “بفرادة أسلوبها وجمال ملابسها”.
وتسابق آسيا على صدارة المتابعين عشرات “الفاشينستات” الخليجيات، اللاتي تتراوح أعداد المهتمين بآخر تحديثاتهن وصورهن بين مليون وخمسة ملايين.
لكن سباق “إنستغرام” يفرض على المحجبات المشاركات فيه قواعد صارمة تجعل المبالغة في التجميل أو الغرابة هدفًا ترى الساعيات إليه أنه “يساعد في تحسين النظرة إلى الحجاب”.
وقد تبدو الصورة العامة لمشاركة المحجبات في أنماط حياة كانت محظورة في السابق ومحاولة خلق حالة من القبول العام له في دول الغرب خطوة جيدة في طريق “كسر القوالب النمطية”، لكن هذا الكسر جاء من خلال توظيف الشكل ليساير الآخرين، ما خلق حالة قبول نسبي له، مع الإشارة إلى أن المفاهيم المرتبطة بالحجاب ماتزال موضع انتقاد وتشكيك بل ومحاربة في بعض الأحيان.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :