أورفة – برهان عثمان
“نتجرع الغصات ونشكو همنا إلى الله”، كلمات يرددها عشرات الموظفين من دير الزور، والذين عملوا بعد نزوحهم في مديريات ومؤسسات محافظات أخرى، إلا أنهم مجبرون اليوم على العودة، بعد القرارات الأخيرة لحكومة النظام، التي فكت ارتباط العاملين المؤقتين والدائمين من أبناء المدينة بالمؤسسات التي انتقلوا للعمل فيها منذ سنوات.
سيطر النظام على كامل مدينة دير الزور وآخرها حي الحميدية، مطلع تشرين الثاني 2017، وأعلن تدريجيًا منذ ذلك الوقت عودة الخدمات والمؤسسات للعمل. |
حالة من السخط أثارها القرار بين الموظفين من أهالي دير الزور، مبدين عجزهم عن مواجهته خوفًا على حياتهم وأرزاقهم وأقوات عائلاتهم، وفق تعبير عدد ممن غادروا المحافظة بسبب الحصار وتوقف دوائر الدولة عن العمل، في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، لصالح تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ضياع وتفكير
يقدّر ناشطون نسبة الدمار في مدينة دير الزور بحوالي 80%، ورغم أن النظام يعلن عن بدء إعادة تأهيل المدينة، ويعتبر حيا الجورة والقصور في الجهة الغربية للمدينة، إلى جانب حي هرابش الأقل تضررًا في المدينة.
|
تقول أم محمد (39 عامًا)، إنها تبلغت من المديرية المسؤولة عنها في الحسكة، بإيقاف راتبها الشهري، مؤكدة أنها لم تتخذ بعد قرار عودتها للعمل في دير الزور، لتستطيع الحصول على دخلها.
عملت أم محمد لست سنوات في الحسكة بعد أن نزحت من ريف دير الزور الشرقي، وتشير إلى أنها عاشت نوعًا من الاستقرار خلال الفترة الماضية، مضيفة “أحس أني لعبة تتحرك بموجب قرارات لا تراعي العاملين أو أوضاعهم الاستثنائية (…) لكننا مجبرون على السمع والطاعة كي لا تتوقف رواتبنا”.
تعيل السيدة أسرتها المكونة من أربعة أطفال بعد وفاة زوجها قبل سنوات، وتلفت إلى أنه ليس لها أقارب في دير الزور حاليًا، متسائلة “إلى أين أذهب بعائلتي والجميع يعرف أن الوضع في المدينة غير مستقر، كما أن أولادي اعتادوا العيش هنا ويصعب عليهم العودة إلى مدينة شبه مدمرة”.
تنظر أم محمد إلى أثاث منزلها في الحسكة متنهدة “كيف سننقل كل هذا ونحن لا نجد وسيلة تنقلنا، وفي حال بعناها فمن أين نشتري غيرها في ظل ارتفاع الأسعار؟”.
“لن يسمع أحد صراخنا أو يحس بأوجاعنا”، يقول أبو جاسم (53 عامًا)، الموظف النازح عن دير الزور والذي يعيل أسرتين، وتبلّغ بوجوب عودته للعمل في المدينة، مضيفًا أن ارتفاع إيجارات المنازل وانخفاض الدخل لن يكفي لسد الحاجة في حال انتقل للعيش في دير الزور.
ووفق وجهة نظر الموظف، الذي كان يملك بناء من ثلاثة طوابق سوّي بالأرض جراء القصف، فإن عودة الآلاف من الموظفين، سيخلق أزمة سكن ويرفع الإيجارات بشكل أكبر، معتبرًا أن العيش في دير الزور “مستحيل في ظل الوضع الراهن”.
“كان يجب على من أصدر القرار التفكير بتهيئة المدينة أولًا”، بحسب أبو جاسم، الذي يشير إلى أن “وسائل النقل إلى دير الزور قليلة ومكلفة، كما أن النقل داخل المدينة متوقف (…) البنى التحتية فيها شبه مدمرة وغير صالحة لاستقبال أعداد كبيرة من السكان”.
أزمة أخرى
بعض الأهالي من حي الجورة تساءلوا، خلال استطلاع عنب بلدي آراءهم، عن إمكانية استيعاب الحي لعوائل جديدة في ظل وضع الحي الذي وصفوه بـ “المزري”، مؤكدين أن المدينة تعاني من انقطاع شبكات الكهرباء والمياه، فضلًا عن انتشارالأنقاض في بعض الشوارع.
أزمة جديدة وفق بعض الناشطين أضافها النظام إلى المشكلات التي تعاني منها المدينة وأهلها، لكن قلة، ومنهم أبو حسين (49 عامًا)، الذي يملك بقالية صغيرة في المدينة، يرون أنها “فرصة لتحريك الأسواق من جديد وإلغاء حالة الركود في سوق العقارات”.
عشرات المنازل في المدينة صالحة للسكن وفارغة، وفق أبو حسين، ويعتبر أن “الجميع يجب أن يساعد في تمكين دير الزور وإعادة الحياة إليها”، رغم إقراره بأن ذلك “يتطلب إمكانيات كبيرة تعجز عنها قدرات الأفراد”.
تدفق الموظفين إلى المدينة سيخلق “منافسة شرسة” بين الأفراد على موارد محدودة، وفق ناشطي دير الزور، مشيرين إلى “حالة من التنافر الاجتماعي بين النازحين الذين خرجوا من المدينة وبين الأهالي الذين بقوا فيها.
العودة إلى المدينة تبدأ بإزالة الدمار وتهيئة الظروف المناسبة، لحوالي 150 ألف مدني يعيشون في أحيائها، بحسب تقديرات منظمات مدنية.
ويقر بعض أهالي دير الزور بأن الموظفين مجبرون على تحمل تبعات القرار، “لأن النظام اعتاد إلقاء الأعباء على المواطنين”، معتبرين أن أصواتهم “لن تلقى آذانًا صاغية فبعض الاعتراضات جوبهت بتهديدات أمنية أو إنذارات وظيفية، ما يمكن أن يرتب عليهم عقوبات ربما تصل إلى الفصل النهائي”.