لغز حميميم
تثير الهجمات التي تعرضت لها، أخيرا، قاعدة حميميم الجوية الروسية فيسورية (نحو 3 كيلومترات من مدينة جبلة الساحلية)، تساؤلات كثيرة، لجهة مصدر الهجمات، وطريقة القيام بها، والطرف (أو الأطراف) المسؤولة عنها، والمعاني أو الرسائل التي تحملها، سواء لجهة علاقتها بالتصعيد الذي تقودهروسيا على الأرض، أو جهودها لعقد مؤتمر سوتشي، أواخر يناير/كانون الثاني الجاري، وارتباط ذلك كله بأجندة الرئيس فلاديمير بوتين الانتخابية.
ملخص القصة أن صحيفة كومرسانت الروسية كشفت عن تعرّض قاعدة حميميم، ليلة رأس السنة، إلى هجوم بقذائف هاون أدى إلى تدمير ما لا يقل عن سبع طائرات جاثمة على الأرض، أكثرها من طراز سوخوي 34 التي تعدّ مفخرة سلاح الجو الروسي. وسارعت وزارة الدفاع الروسية إلى نفي الخبر، لكن إصرار الصحفي الذي كتب القصة على معلوماته، ونشره صورا للطائرات المدمرة، ومقارنة أرقامها بأرقام طائرات ظهرت في صور نشرتها وزارة الدفاع خلال زيارة بوتين القاعدة، في 11 الشهر الماضي، دفع الوزارة إلى الاعتراف بالهجوم، مؤكدة مقتل اثنين من جنودها فيه. في اليوم التالي، اعترفت روسيا بفقدان طائرة مروحية، قالت إنها سقطت نتيجة عطل فني، أدى إلى مقتل طاقمها. وعلى الرغم من اللغط الذي ثار بشأن كيفية حصول هجوم رأس السنة، وفيما إذا تم استهداف القاعدة بقذائف هاون أم بصواريخ غراد، أخذاً في الاعتبار مدى هذه الصواريخ، والمسافة التي تفصل القاعدة عن مناطق المعارضة السورية، مع ذلك، بدا الحدث مفهوما في إطار كونه هجوما تقليديا، تم باستخدام أسلحة بسيطة تتوفر بكثرة لدى فصائل المعارضة، لا بل يتم تصنيع بعضها محلياً. لكن الملفت كان إعلان قيادة قاعدة حميميم قبل يومين عن تعرّضها لهجوم جديد تم، هذه المرة، بواسطة طائرات مسيّرة عن بُعد (درونز). وقد تمكّنت هذه الطائرات من اختراق الدفاعات الجوية الروسية، نظراً لأنها مصنّعة من مواد لا تستطيع الرادارات رصدها، علمًا أن روسيا نصبت عام 2016 منظومة صواريخ من طراز إس 400 في محيط القاعدة، وتعد هذه المنظومة الدفاعية الأحدث في العالم، وتتسابق دول كثيرة لاقتنائها، كان جديدها تركيا. وقد دفع ذلك إلى تنامي الشكوك، الروسية خصوصا، بشأن أن مثل هذه الهجمات ما كانت لتتم، لولا وجود مساعدة أجنبية، أميركية خصوصا.
لقد اعتمد نجاح مغامرة بوتين السورية حتى الآن على وجود حالةٍ من عدم المبالاة، إذا لم نشأ القول عدم الممانعة الأميركية، اتجاهها واتجاه أهدافها. ففي عهد الرئيس باراك أوباما، ذهبت توقعاتٌ إلى أن واشنطن قد تسعى إلى تحويل سورية إلى أفغانستان روسية جديدة، رداً على ضم القرم. هذا لم يحصل، لأن أولويات أوباما كانت، على الترتيب، الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، ومواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان بسط نفوذه على مساحات واسعة من سورية والعراق. في العام الأول من رئاسة ترامب، ظل القضاء على التنظيم أولوية، لكن احتواء إيران، وليس التغاضي عنها، أصبح هدفًا للإدارة الجديدة. راهن ترامب وفريقه على تعاون روسيا لاحتواء إيران، لكن هذا لم يحصل، لأسباب داخلية أميركية واعتبارات استراتيجية روسية.
وبدل أن تتحسّن العلاقات الأميركية – الروسية في عهد ترامب، بلغت أخيرا أسوأ حالاتها منذ نهاية الحرب الباردة، إذ صنفت استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة، روسيا، إلى جانب الصين، خصما يسعى إلى تقويض المصالح الأميركية في العالم. فيما أثارت تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التي اعتبر فيها الوجود الإيراني في سورية “شرعيًا”، نوبة غضب في واشنطن. وقبل أيام قليلة، سربت جهات استخباراتية أميركية خبرا مقتضبا عن استضافة وزارة الدفاع (البنتاغون) بعض قادة فصائل المعارضة السورية، وركّزت المداولات على استئناف برنامج المساعدات العسكرية لها لمواجهة المليشيات المدعومة إيرانياً على الأرض. إذا صحّ ذلك، فهذا يعني انقلاباً في السياسة الأميركية في سورية، وهو أمرٌ يجب أن يقلق الرئيس بوتين الذي يبدو أنه يرتّب المسرح السوري سياسيا وميدانيا لترجمته انتصارا كبيرا في عملية إعادة انتخابه في شهر مارس/ آذار المقبل، فهل يكون هذا الرد الأميركي على التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :