في دردشة مفصّلة مع صديق مطلع، يقيم في غوطة دمشق الشرقية، خلصت إلى نتيجة مفادها، أن لا جديد في عقلية قادة فصائل الغوطة، لذا، فإنه من المُستبعد أن تسفر معركة إدارة المركبات، الملتهبة حالياً، عن جديد.
ففيما يجمع نظام الأسد نخبة قواته، ليتقدم نحو المباني المحاصرة في إدارة المركبات، في حرستا، على تخوم دمشق، ما تزال فصائل الغوطة الفاعلة، تتعامل مع الموقف وفق معادلات تحكمها المناطقية والفصائلية، دون أن تغيب بصمات الرعاة الخارجيين، وصراعاتهم البينية، على تشتت القوى في الميدان.
وقبل أن نخوض في تفاصيل ما يحدث، وما يمكن أن يحدث على تخوم دمشق، يجب أن نقرّ ببسالة المقاتلين من فصائل المعارضة، الذين تمكنوا بأعداد قليلة جداً، وبتكتيات قتالية نوعية، وبأسلحة خفيفة ومتوسطة فقط، من تحقيق تقدم نوعي على واحدة من أخطر الجبهات التي تشكل خط الدفاع الأول للنظام عن دمشق. لكن، تحويل ذلك التقدم إلى حصيلة نوعية نهائية، ما تزال تعوقه عقلية القادة الذين يرفضون تغيير منهجهم في إدارة المشهد الميداني، رغم كل النكسات المتتالية التي مُنيت بها فصائلهم، خلال السنتين السابقتين، في آخر جيوب المعارضة قرب دمشق.
في منتصف تشرين الثاني من العام 2017، أطلقت “أحرار الشام”، معركة “بأنهم ظلموا”، باتجاه ذلك الحصن الحصين المتقدم لقوات النظام، داخل حرستا، “إدارة المركبات”، التي بقيت منيعةً على هجمات المعارضة خلال السنوات الماضية. وتمكن الفصيل المذكور، بمشاركة من فصائل أخرى، أبرزها، “فيلق الرحمن”، من تحقيق تقدم نوعي داخل مباني “إدارة المركبات”، ولاحقاً، داخل أحياء في حرستا، بقيت طويلاً، معقلاً متقدماً لقوات النظام. لكن الإدارة لم تسقط نهائياً. ووراء الإدارة، يوجد الخط الدفاعي الثاني، الضخم، لقوات النظام، على تخوم دمشق، والمتمثل بـ مبنى “المخابرات الجوية”. هذان الخطان الدفاعيان، “إدارة المركبات”، ومن ثم، “المخابرات الجوية”، لو قِيض للمعارضة السيطرة عليهما، لباتت في موقع متقدم للغاية، من دمشق.
ومع تطور المعارك، واستنفار النظام لأغلب فرقه العسكرية الفاعلة، وتشكيل حشود، وصفتها وسائل إعلام بـ “المحشر”، على تخوم حرستا، ما يزال “جيش الإسلام”، أقوى فصائل المعارضة بالغوطة، بعيداً عن المعركة، ويشن معارك جانبية صغيرة، هنا وهناك، ربما، كي يقنع حاضنته الشعبية بأنه يفعل المطلوب.
لماذا لم ينخرط جيش الإسلام في معركة إدارة المركبات؟.. يجيب المطلعون ببساطة، لا يوجد نقاط متقدمة للجيش في محيط إدارة المركبات، والفصائل التي تسيطر على تلك النقاط، وأبرزها، “أحرار الشام”، “لواء فجر الأمة”، و”فيلق الرحمن”، لا تكنّ بمشاعر ثقة حيال “جيش الإسلام”، بعد سنتين من موجات اقتتال وصراع متكررة. وبالتالي، فإن تلك الفصائل غير مستعدة لإدخال جيش الإسلام إلى معاقلها، خشية أن تخسر تلك المعاقل لصالحه.
تلك العقلية التي حكمت قادة فصائل المعارضة في شرق دمشق، قادت إلى خسائر كبرى، كان أبرزها، خسارة المعارضة لحي برزة تماماً، في ربيع العام الفائت.
ينتمي معظم مقاتلي “أحرار الشام” و”لواء فجر الأمة”، إلى حرستا، حيث الجبهة الرئيسة للمعارك، فيما يتولى “فيلق الرحمن” جبهة إدارة المركبات من جهة عربين. ويقف “جيش الإسلام” الذي ينتسب معظم مقاتليه إلى كبريات مدن الغوطة، دوما، متفرجاً. حيث تُحكم المناطقية قبضتها على عقلية قيادات الفصائل المذكورة جميعها.
وهنا نتساءل، إن عجزت تلك الفصائل المذكورة عن إيجاد تسوية في ما بينها، تسمح بتشكيل غرفة عمليات مشتركة، كما أنها تخشى من بعضها، ولا تستطيع تقبل دخول مقاتلي فصيل إلى معاقل فصيل آخر، ولو بغاية قتال النظام.. أليس هناك من سبل أخرى لتدعيم المعركة الجارية على تخوم دمشق.. من قبيل مثلاً، تفعيل جبهات متعددة، تشتت تركيز قوات النظام؟
لسنا عسكريين، لكن، منطق الأمور لا يتطلب خبراء للجزم بأن جيش الإسلام مثلاً، قادر على إشعال جبهات أخرى في الغوطة، بوتيرة عالية، عبر زج جزء نوعي من ثقله العسكري الكبير، بصورة تضطر النظام لتوزيع مقاتليه على أكثر من جبهة. وهو أمر تستطيع القيام به كل فصائل الغوطة، دون الحاجة لإدخال عناصر فصيل إلى معاقل فصيل آخر، ما دامت الثقة معدومة إلى هذه الدرجة.
ما سبق يمكن حدوثه ببساطة، والغريب أن الفصائل المذكورة جميعها، شاهدت وعايشت بنفسها، سقوط فصائل أخرى، ومناطق أخرى، قرب معاقلها، بسبب السياسة ذاتها المتبعة في الوقت الراهن. وخسارة برزة ليست ببعيدة.
المعلومات الواردة في الساعات القليلة الماضية، تقول أن النظام انتقل من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم. ومن المستبعد أن تتمكن الأعداد القليلة والإمكانيات التسليحية المتواضعة للفصائل الموجودة في حرستا وعربين، من مقاومة الحشد العسكري الضخم المزود بأعتى أنواع الأسلحة وبالطيران الحربي الروسي. لذا، لن نُفاجأ كثيراً إن خسرت فصائل المعارضة من جديد، النقاط التي تقدمت إليها في الأسابيع القليلة الماضية، والتي كلفت خسائر بشرية جسيمة في أوساط مدنيي الغوطة جراء قصف طيران النظام والطيران الحربي الروسي. بل الأخطر، ألا تكتفي قوات النظام باستعادة ما خسرته على جبهة إدارة المركبات، وأن تذهب بعيداً للتقدم في عمق الغوطة، بغية شطرها إلى قسمين. وبالتالي، سنكون أمام فصل جديد من فصول تساقط معاقل المعارضة، جراء رفض فصائلها المختلفة التنسيق النوعي في ما بينها.
هل يمكن أن نفاجئ في الأيام القليلة القادمة بتعاون نوعي بين كبريات فصائل الغوطة، بما يسمح بتشتيت قوات النظام على جبهات مختلفة، وإثقال كاهله بمعارك متعددة؟.. نأمل ذلك، لكن حتى الآن لا مؤشرات على ذلك، والتاريخ القريب جداً لا يشجعنا على التفاؤل بهذا الصدد.
وفي الخاتمة، علينا أن نقر، بأن السوريين، وتحديداً، قادة فصائل المعارضة، يتحملون المسؤولية الأبرز في بقاء المشهد السوري رهناً لترتيبات الرعاة الخارجيين، وأجنداتهم المتضاربة. والأخطر من ذلك، أن العُقد المناطقية والفصائلية، هي السبب الموضوعي الرئيس في فشل كل محاولات التقدم النوعي لقوى المعارضة، على الأرض. وما نشهده على تخوم دمشق، ينطبق على عموم التراب السوري.