تجار اختفوا وآخرون لمع نجمهم
أسماء جديدة لرجال أعمال في سوريا.. مَن وراءهم؟
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
شكلت الحرب الدائرة في سوريا فرصة لبروز من يطلق عليهم “تجار الحروب والأزمات”، الذين ازدادت ثرواتهم، مستغلين الأحداث والظروف الأمنية المتردية.
من هؤلاء أسماء لم يعرفها المواطن السوري، الذي نشأ خلال عقدين من الزمن على أسماء تجار كبار امتلكوا المفاصل الاقتصادية تحت سلطة النظام السوري، أمثال محمد حمشو وعماد غريواتي وعبد الرحمن العطار وراتب الشلاح.
أسماء كبيرة اختفت عن الساحة
تجار كثر اعتاد المواطن السوري سماع أسمائهم، لقربهم من النظام ونفوذه المالي، مثل محمد حمشو، الذي برز اسمه كرجل أعمال في القطاعات العقارية والسياحية والتسويق والاتصال، كما كان رئيسًا لمجلس إدارة كل من “مجموعة حمشو الدولية” و”مجلس رجال الأعمال السوري- الصيني”، في حين أصبح أمين سر “غرفة تجارة دمشق” وأمين السر العام لـ “اتحاد غرف التجارة السورية”، قبل أن يدخل إلى مجلس الشعب في 2016.
حمشو يعتبر من الأسماء الكبيرة التي تراجع حضورها في الإعلام خلال الأعوام الماضية، خاصة بعد فرض النظام السوري أتاوة على كل رجل أعمال، وصلت إلى خمسة ملايين دولار، سواء من السلع أو السيارات أو الأموال النقدية لتمويل رواتب ميليشياته، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، لعنب بلدي.
الكريم أكد أن حمشو دفع أموالًا لفصائل “الجيش الحر” في الغوطة الشرقية لإخراج معامله ومخازنه التي كانت موجودة في المناطق المحاصرة، إضافة إلى أن التدخل الإيراني في سوريا ومحاولة طهران تضييق الخناق على أموال القطريين في البلد، كل هذا أدى إلى محاولة تصفيته أكثر من مرة كونه مندوب أموال القطريين في سوريا، والتي عمل النظام على حمايتها بالرغم من التوتر السياسي بين البلدين، لكنه نجا.
وعقب ذلك بدأ حمشو تقليل الظهور على الساحة الإعلامية والاقتصادية لعدم الاحتكاك بالميليشيات الإيرانية، لكنه في المقابل يعمل على خطط إعادة إعمار سوريا مثل تطوير “مشروع كيوان”، واستجرار أكبر كسارة إسمنت.
وإلى جانب حمشو تراجعت أسماء تجار كبار مثل عماد غريواتي الذي كان يرأس غرفة صناعة دمشق سابقًا، ويمتلك امتياز شركة ”كيا” في سوريا، إلا أن النظام السوري بدأ بالتضييق عليه عبر سحب سيارات كيا لعناصره، وفرض أتاوة على كل معمل من معامله، إضافة إلى تصادمه مع إيران جراء امتلاكه لعقارات في دمشق، تريد طهران حيازتها، الأمر الذي دفعه إلى إخراج أمواله من سوريا وبيع ممتلكاته، خاصة بعد قرار النظام بالحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة العام الماضي.
فوز.. رجل أعمال غامض يبدأ بسط نفوذه
خلال العامين الماضيين برزت أسماء على الساحة الاقتصادية بشكل مفاجئ، وبدأت بشراء عقارات واستثمار مشاريع كبيرة، ما دفع البعض لطرح تساؤلات حول مصدر أموالهم والجهة الداعمة لهم.
ومن هؤلاء الأسماء رجل الأعمال “الغامض” سامر فوز، الذي عمل على شراء شركات رجال أعمال سوريين خرجوا من سوريا ومنهم، بحسب مواقع موالية للنظام السوري، غريواتي ومصنع حديد حمشو.
كما صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري، على تأسيس شركة “م.ي.ن.ا” للسكر، وهي تابعة لفوز، برأسمال 25 مليار ليرة سورية (47 مليون دولار)، وستنفذ مشروع معمل السكر بطاقة إنتاجية تصل إلى 3500 طن يوميًا.
كما أسس فوز شركة “أمان دمشق المساهمة” بالشراكة مع محافظة دمشق برأسمال 18.9 مليون دولار، في آب الماضي، وستقوم ببناء واستثمار عدد من المقاسم السكنية والتجارية في المنطقة التنظيمية في بساتين الرازي في دمشق، والتي تشرف عليها إيران.
ويُتهم فوز بأنه الذراع الاقتصادية لإيران في سوريا، ليكون واجهة لها في شراء عقارات وتأسيس شركات تابعة لها من خلاله، ويملك استثمارات كبيرة في سوريا والدول المجاورة، خاصة في تركيا، كمعمل لتصنيع المياه المعدنية تحت اسم” Mecidyia” في مدينة أرزروم التركية، ومستودعات وصوامع تخزينية بسعة 150 ألف طن في اسكندرون، واستثمار في منجم الذهب جنوب أنقرة.
الغريب في قصة رجل الأعمال الغامض هو خروجه من السجن في تركيا بعد ارتكابه لجريمة قتل بحق رجل أعمال أوكراني من أصل مصري، إثر قضية نصب وصلت إلى 15 مليون دولار، إذ نشرت صحيفة “Milliyet” التركية، في 2013، تفاصيل الجريمة، واعترف فوز بجريمته، وفي الوقت الذي كان يتوقع أن يحكم بالسجن المؤبد، خرج بعد عدة أشهر وعاد إلى دمشق دون ذكر أسباب واضحة، ما دفع البعض للقول إنه مدعوم من قبل دول طلبت إخراجه.
الترزي.. لا تقيده العقوبات
الاسم الثاني الذي شاع تداوله مؤخرًا في وسائل الإعلام الرسمية، رجل الأعمال مازن الترزي، الذي يعمل على تأسيس شركة طيران خاصة ثالثة في مدينة صيدنايا في القلمون الشرقي، برأسمال اسمي يبلغ 70 مليون ليرة سورية، وتقوم بأعمال النقل الجوي للركاب والبضائع من وإلى سوريا، وشراء وإيجار واستثمار الطائرات.
كما يستعد لاستثمار المول المركزي في مدينة “ماروتا سيتي”، المتوقع بناؤها في منطقة بساتين المزة، بعد توقيع عقد مع “شركة دمشق القابضة” المسؤولة عن التنظيم، لاستثمار المول بقيمة 108 مليارات ليرة سورية، على مساحة 120 ألف متر مربع، إلى جانب ستة أبنية طابقية بمساحة 26 ألف متر مربع، في حين تبلغ القيمة الإجمالية للعقد 250 مليون دولار، وتبلغ حصة الترزي من المشروع 51%، وحصة الجهة العامة 49%، وهي أول مرة تكون فيها حصة المستثمر أكبر.
وكان رجل الأعمال خصص طائرة خاصة في 2014 على نفقته الخاصة لنقل السوريين من الكويت إلى سوريا ذهابًا وإيابًا من أجل المشاركة في انتخابات الرئاسة، كما أطلق حملة في 2015 بعنوان “راجعين يا سوريا” تحمل بها تكاليف عودة أي شاب سوري أينما كان إلى سوريا، بهدف مساعدة الشباب غير القادرين على العودة.
ويعتبره معارضون من أكثر المستفيدين من فساد النظام السوري، ومن “ضباع الحرب السورية”، ولقربه من الأسد وضعته وزارة الخزانة الأمريكية على لائحة العقوبات في 2015، وجمدت أصول ممتلكاته داخل أمريكا.
ثلاثة عوامل لبروز اسم أي تاجر
اختفاء بعض رموز النظام الاقتصادية من على الساحة الإعلامية والتجارية، وظهور أسماء أخرى، يدعو إلى تساؤلات حول الأسباب التي تؤدي إلى الصعود المفاجئ لرجال الأعمال في سوريا.
الباحث الاقتصادي يونس الكريم أشار إلى وجود ما يسمى “الغرفة المالية” في القصر الجمهوري، التي تضم كلًا من حاكم البنك المركزي ونائبه الأول ومندوبين عن رجال الأعمال المعروفين، وهذه الغرفة تقوم بإدارة الأموال في سوريا.
الكريم حدد ثلاثة عوامل لبروز أسماء جديدة للتجار، العامل الأول هو “التزكية” مثل أي وزير أو مسؤول في السلطة، إذ يتم اختيار أشخاص أثبتوا ولاءهم للنظام خلال فترة معينة دون النظر إن كانت قصيرة أو بعيدة.
العامل الثاني هو البحث عن علاقات دولية عن طريق التجار، إذ يكون التاجر مرتبطًا بعلاقات كبيرة مع دول أخرى يتمكن خلالها من جلب الأموال إلى الداخل السوري.
أما العامل الثالث يتلخص بقيام بعض الدول الداعمة للنظام مثل روسيا وإيران، بفرض أسماء تجار عليه التعامل معها، ويرى البعض أن سامر فوز هو رجل إيران، التي تحاول التمدد بالسيطرة على دمشق وريفها عن طريق شراء المناطق التجارية في البلد، لأن من يسيطر على السوق التجاري يصبح من أصحاب القرار السياسي.
وأشار الكريم إلى أن الرئيس السابق، حافظ الأسد، كان يعمل على توازن حصص الدول في سوريا، ومنها إيران التي كانت موجودة سابقًا في السوق عن طريق بعض التجار، لكن ضعف السلطة الحالية أدى إلى تمدد إيران بشكل كبير في محاولة للسيطرة على الاقتصاد السوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :