ريف إدلب – طارق أبو زياد
تقدمت قوات الأسد والميليشيات المساندة بشكل سريع نسبيًا في ريفي حماة الشرقي وإدلب الجنوبي، سعيًا للوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري، والذي يبعد عن أقرب نقاطها، أقل من 20 كيلومترًا، حتى السبت 6 كانون الثاني.
ووجهت انتقادات للمعارضة واتهامات بتسليمها مناطق أو الانسحاب منها، بينما ربط آخرون ما يجري في المنطقة بمخرجات محادثات “أستانة” غير المعلنة، والتي تضمن أن تكون المنطقة شرقي سكة القطار، منزوعة السلاح وتحت حماية روسيا، التي تساند قوات الأسد جويًا خلال المعارك.
وفي ظل الغموض الذي يخيم على مصير المنطقة خلال الأيام المقبلة، ومع توسيع قوات الأسد سيطرتها في المنطقة، برزت تساؤلات حول إمكانية وصول الأخيرة إلى مطار أبو الظهور، والقوة العسكرية التي تمتلكها المعارضة لصد الهجمات وإفشال الوصول إلى المطار.
حتى السبت 6 كانون الثاني، وصلت قوات الأسد إلى تخوم بلدة سنجار، التي تبعد قرابة 16 كيلومترًا عن مطار أبو الظهور، بعد إحكامها السيطرة على قرى الويبدة، النصرية، تل عمارة، حوا، أم مويلات والشيخ بركة، في ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
|
المعارضة تحاول امتصاص هجمات الأسد
أقرت فصائل من المعارضة بالقدرة العسكرية للنظام وحلفائه، والتي أدت إلى ميل الكفة لصالحهم، ووفق ما قال العقيد محمد إبراهيم، القائد العسكري السابق في “تجمع فاستقم كما أمرت”، والمطلع على مجريات المعركة الحالية، فإن “الحالة العسكرية للنظام كانت قوية بسبب امتلاكه طيران استطلاع حديث وقتال أبناء المنطقة إلى جانبه”.
وشاركت ميليشيات محلية من قرى المنطقة، أبرزها التي تتبع لعضو مجلس الشعب السوري الأسبق، الشيخ أحمد مبارك الدرويش، المنحدر من قرية أبو دالي، إلى جانب “قوات النمر” بقيادة العميد في قوات الأسد، سهيل الحسن.
إلا أن العقيد المعارض توقع ألا يتمكن النظام من الاستمرار على الوتيرة ذاتها، “فقواته ستتعب وتحتاج وقتًا كي تثبت نقاطها وتعيد ترتيب أوراقها”، مؤكدًا “هذا ما استغلته المعارضة فعليًا لامتصاص الهجوم الأول والذي يعتبر عسكريًا الأقوى والأهم، ما مكن من تجهيز نقاط رباط لصد الهجمات المقبلة”.
الوضع العسكري للمعارضة
التقت عنب بلدي مع مصدر عسكري “رفيع”، في غرفة عمليات ريف إدلب الجنوبي (طلب عدم ذكر اسمه)، رأى أن النظام “سينهار على المدى البعيد عسكريًا”، معللًا ذلك بالإنهاك الذي تعرضت له قواته جراء معارك السنوات السابقة.
وحول الوضع العسكري للمعارضة، أوضح المصدر أن “التكتيك الحالي الذي تتبعه الفصائل في الصد ليس مجديًا على الإطلاق، فهي تعول على الانسحاب من شدة القصف، ثم العودة لاسترجاع النقاط، وهذا غير ممكن، فالمنطقة التي يدخلها النظام، يحصنها بشكل سريع”.
وعن الحلول العسكرية للمعارضة، التي تمكنها من تفادي خسارة المنطقة بالكامل، والمحافظة على تحصيناتها، أشار إلى “ضرورة البدء بتحصين فعلي لخطوط الدفاع وتجهيز أكثر من خط دفاع، ففي حال سقوط الخط الأول يكون الخلفي جاهزًا”.
ما سبق ذكره ربطه المصدر العسكري بضرورة الانخراط في غرفة عمليات “حقيقية”، تتولى مهام الهجوم والدفاع، وتضع بها الفصائل كافة إمكانياتها تحت تصرف الغرفة، لافتًا إلى أن “شمس الغرفة بدأت تشرق وستكون هناك خطوات فعلية لتنفيذ الأمر في الأيام المقبلة”.
وأكد المصدر أن “دخول أحرار الشام وحركة نور الزنكي في المعركة مؤخرًا، ووضع خلافهم مع هيئة تحرير الشام جانبًا أمر مبشر”، لافتًا إلى أن “دخولهم إلى منطقة عطشان كان في الوقت بدل الضائع، حين كانت المنطقة خالية من المقاتلين وكانت قوات الأسد تستطيع الوصول إلى خان شيخون عبرها”.
تجهز الفصائل بقية محاور العمل حاليًا، وبحسب محللين عسكريين، فإن أغلب المناطق التي خسرتها المعارضة، “كانت بسبب غياب التنسيق”، وهذا ما حدث في كثير من المناطق خلال الفترة الماضية، وفق مصادر عسكرية.
هل تصل قوات الأسد إلى أبو الظهور؟
العقيد محمد إبراهيم قال إن النظام يستطيع الوصول إلى المطار، لعدم توفر المضادات الجوية (صواريخ م/ط)، وفي ظل غياب التنسيق الجيد والتجهيز الهندسي المناسب لنقاط الرباط، مشيرًا إلى “نزاعات بين العديد من القوى العسكرية على الأرض”.
ولفت إلى أن “تخلي الدول الداعمة عن الثورة وتغاضي مجلس الأمن والدول العربية عن أعمال النظام وروسيا وإيران والتفاهمات الأخرى”، أسهم في تشتيت القوة العسكرية للفصائل.
بينما اعتبر عباس الحمصي، القائد العسكري في “أحرار الشام”، في حديثه لعنب بلدي، أن النظام “لن يستطيع الوصول إلى المطار في حال كانت عملية صد هجماته متوسطة القوة عسكريًا على الأقل”، مستطردًا “لا مستحيل في الوضع العسكري على الأرض”.
تساعد طبيعة المنطقة جغرافيًا الطرفين على التقدم، إلا أن اعتماد النظام على سياسة الأرض المحروقة تشكل “سيفًا ذا حدين”، فيمكن للمعارضة حاليًا أن تثبت نقاطها وتبدأ بعمليات عسكرية سريعة لاستعادة ما خسرته، وفق مصادر عسكرية معارضة.
وساعد غياب المعارك “الطاحنة” وفق إبراهيم، في تباطؤ حركة الفصائل المتناحرة في الأيام الماضية، ما جعل أمر التنسيق بينها صعبًا، إلا أن البعض متفائل بالتجهيز لبدء غرفة العمليات المشتركة عملها، والتنسيق الجيد لصد الهجمة.
تشير المعطيات الحالية إلى تفوق قوات الأسد من الناحية العسكرية، ووفق مصادر عنب بلدي، فإن المعارضة في الوقت الراهن تتوجه لتشكيل غرفة عمليات منفصلة تتفرغ لوضع خطط هجومية، في محاولة لاستعادة القرى والمناطق التي خسرتها.
لماذا تتوجه قوات الأسد نحو أبو الظهور؟
طرحت تساؤلات عن الأسباب التي وضعت مطار أبو الظهور، هدفًا عسكريًا لقوات الأسد، وقال المستشار العسكري في “الجيش الحر”، إبراهيم الإدلبي، في وقت سابق لعنب بلدي، إن النظام يهدف إلى استعادة السيطرة عليه، ما يعني قطع الطريق ناريًا بين حلب- دمشق من نقطة سراقب، أي بمسافة حوالي 20 كيلومترًا.
وأوضح الإدلبي حينها أن منطقة المطار ومحيطها سهلية، وتضاريسيًا على مستوى الجغرافيا العسكرية بإمكان أي طرف يسيطر على المطار التقدم باتجاه مدينة سراقب في غضون 24 ساعة.
ووفقًا للمشهد الميداني، تحاول قوات الأسد الالتفاف من المنطقة الشرقية باتجاه الطريق الدولي دمشق- حلب، والذي يعرف ضمن اتفاق “أستانة” بأنه “منطقة منزوعة السلاح”، وهي منطقة سراقب والأوتوستراد الدولي.
وقال العقيد هيثم العفيسي، نائب رئيس هيئة الأركان، التي يتبع لها “الجيش الوطني” المشكل حديثًا في منطقة “درع الفرات” شمالي حلب، الخميس 4 كانون الثاني، إن العمل المقبل يتمحور حول إمكانية تخفيف الضغط عن فصائل إدلب وحماة.
ووفق ما أضاف العفيسي في حديث إلى عنب بلدي، فإن “فكرة المشاركة قيد النقاش، وعند إعلان الجاهزية سيبدأ العمل ونعلن عن الخطوة”.
كما لفت نائب هيئة الأركان إلى أن “هناك فصائل تتبع للجيش الوطني في ريفي حماة وإدلب وتشارك في المعارك”، إلا أنه لم يحدد تلك الفصائل ولم يتحدث عن طريقة الدخول إلى منطقة المعارك جنوبي إدلب.
الأمم المتحدة تحذر من تدهور الأوضاع
قدرت منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عدد سكان إدلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، بأكثر من 2.65 مليون نسمة، بينهم 1.16 مليون مهجر داخليًا.
وفي تقريرها السنوي الصادر، الخميس 4 كانون الثاني، حذرت المنظمة من تدهور وضع ما لا يقل عن 1.73 مليون سوري، يعيشون في المنطقة الواقعة شمال غربي سوريا، وصنفتهم على أنهم بحاجة للمساعدات الإنسانية الفورية.
وقالت المنظمة إن المعارك الدائرة في ريف إدلب الجنوبي وشمال شرقي حماة، أدت إلى تشريد ما يزيد عن 60 ألف شخص، في الفترة ما بين 1 تشرين الثاني و24 كانون الأول الماضيين، خاصة من بلدات السعن والحمرا والعقيربات والتمانعة وسنجار.