فريق التحقيقات في عنب بلدي
عند تأسيس “الجيش السوري الحر” من ضباط منشقين وقياديين في الحراك الثوري، مطلع عام 2012، لم تكن قضايا الدعم المالي وتداخل الأجندات معقدة كما هي الحال اليوم، فقط ارتبطت فصائل “الجيش الحر” بغرفتين للدعم هما “موك” و”موم”، كان لهما دور بارز في الزخم العسكري على الأرض وتنظيم البيت الداخلي للفصائل، أو بانحسار المعارضة على الأرض كما حصل بعد إعلان الولايات المتحدة قطع سبل الإمداد العسكري واللوجستي الذي أفضى إلى مرحلة جديدة غير متكافئة القوى.
مع بداية عام 2018، تقف الفصائل المنضوية في “الجيش الحر” أمام تحد كبير، يرافقه تساؤلات وتكهنات عن إمكانية استمرار العمليات ضد قوات الأسد في ظل غياب الدعم، وما الحلول الممكنة لتجاوز هذا التضييق، سواء في الاعتماد على مصادر تمويل أخرى أو طرح إجراءات من شأنها سد الفراغ المالي والعسكري.
وبالعودة إلى السنوات الأولى لتشكيل “الجيش الحر”، شهدت الجبهات تقدمًا واضحًا لصالح المعارضة، لكنها بدأت بالانسحاب تدريجيًا بعد دخول الداعم الأجنبي على خط الذخيرة والخطط الميدانية، وتوجيه الأهداف لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، بعيدًا عن مواقع النظام السوري.
وتحاول عنب بلدي في هذا التحقيق الوقوف على الأسباب التي استدعت توقف الدعم الدولي عن فصائل “الجيش الحر” حاليًا، وما الخيارات أمام المعارضة، خاصة بعد فتح قوات الأسد أكثر من محور ضدها في الشمال السوري، من خلال الحديث مع عدد من القياديين والمحللين العسكريين.
تفاهم أمريكي- روسي يجمد الدعم
لم يكن توقف الدعم عن الفصائل حديثًا، كما تسرب عبر وسائل الإعلام مطلع العام الجاري، بل تقلص بشكل تدريجي وعلى دفعات منذ مطلع 2017، ليتحول فيما بعد إلى دعم مشروط لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية”.
بينما توقف تدريب المقاتلين في تموز 2017، وقُيدت تحركات الفصائل المدعومة من غرف العمليات، وأكد ذلك قرار رفع الدعم عن فصيل لواء “شهداء القريتين” وسحب الأسلحة الثقيلة بعد مهاجمته الميليشيات الإيرانية في منطقة البادية السورية، ليتبعه غارات روسية على مواقعه.
بعد تغير الإدارة الأمريكية وانتخاب الرئيس الجديد، دونالد ترامب، توجهت واشنطن إلى تقليص دعم الملف السوري على المستوى العسكري، واعتبار أن الدعم يتم “بشكل خاطئ” وأنه يفترض تشكيل اندماج ومنصة عسكرية واحدة للفصائل جميعها.
وحتى الآن لم تتضح الأسباب الرئيسية للقرار، وبينما برر ترامب، في تموز 2017، القرار بأن برنامج الدعم “ضخم وخطير وغير فعال”، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” حينها مقالًا عنونته بـ “التعاون مع روسيا أصبح نقطة أساسية في استراتيجية ترامب إزاء سوريا”، قالت فيه إن القرار نتاج تفاهم أمريكي- روسي.
“موك” هي غرفة تنسيق عسكرية تضم ممثلين عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والعربية، وتشكلت عام 2013، وتتخذ من الأردن مقرًا لها.
وتقدم دعمًا عسكريًا لفصائل من “الجيش الحر”، وخاصة في المنطقة الجنوبية. أما “موم” فهي غرفة لتنسيق دعم فصائل “الجيش الحر”، تجمع نفس الدول تقريبًا، لكنها تدعم الجبهات الشمالية في سوريا، وتتخذ من تركيا مقرًا لها. |
بحسب المستشار العسكري في “الجيش الحر”، إبراهيم الإدلبي، فإن التقاربات السياسية بين روسيا وأمريكا كان لها الدور الأكبر في انقطاع برنامج دعم الفصائل، والذي انعكس سلبًا على الثورة السورية بشكل عام والعسكرة بشكل خاص.
إضافةً إلى التخبط الداخلي بين الفصائل، وخاصةً بما يتعلق بقتال “جبهة النصرة” سابقًا، التي فكت ارتباطها بتنظيم “القاعدة” وانضوت في هيئة “تحرير الشام”، وتتوزع في مناطق مختلفة في الجنوب السوري، وفي معظم محافظة إدلب وريفها في الشمال.
في الشأن السوري تميز مطلع كل عام بخطط عمل جديدة على المستوى الإغاثي أو العسكري أو اللوجستي، وما حصل في بداية 2017 هو انفتاح من قبل السياسية الأمريكية على “الجيش الحر” وازدياد الدعم لإنهاء الفصائل المتطرفة وحتى إنهاء النظام وإيران، وبحسب الإدلبي فإن توقيت محاربة “جبهة النصرة” كان نقطة الخلاف، الأمر الذي كان سببًا أدى إلى توقف الدعم، إذ لا تنوي الفصائل خوض حرب دموية مع “النصرة”، رغم قوتها العسكرية القادرة على القضاء عليها آنذاك.
وأضاف لعنب بلدي أنه في تموز 2017 طلبت الإدارة الأمريكية من فصائل “الجيش الحر” أن يكونوا موحدين ضمن جسم واحد، وتم بعدها تشكيل ما يسمى بـ “الغرفة المركزية العسكرية” وهي عبارة عن تجمع لكافة الفصائل بقيادة شخص يدعى “أبو يامن” يتبع لفصيل “فيلق الشام” ومقسمة إلى قطاعات (حمص، إدلب، حماة)، والتي لم يتم العمل بها، كونها تحمل منحى لإنهاء الفصائل والعمل بقرار مركزي في المعارك.
فيما بعد، مطلع نيسان الماضي، قلت الذخيرة وبدأت المشاكل تطفو فيما يخص المعدات اللوجستية والأسلحة الثقيلة والدبابات، ما أدى إلى فارق كبير انعكس على الأرض، ووصف الإدلبي الوضع الراهن بالقول “المقاتل اليوم يضرب رصاصة لا يتم تعويضها”.
الفصائل اليوم غير قادرة حاليًا على تحمل الضغوط، إذ وجدت في السابق مستودعات دعم يمكن الاعتماد عليها، لكن هيئة “تحرير الشام” استولت عليها بشكل كامل، خاصة بعد الاقتتال الأخير ضد حركة “أحرار الشام”، الأمر الذي أدى إلى إضعاف الفصائل بشكل أكبر.
رؤية مغايرة.. الفصائل لا تريد دعمًا والمشكلة في البنية
من وجهة نظر المحلل العسكري، العقيد أحمد رحال، فالفصائل لم تحتج دعمًا في السنوات السابقة لسببين: الأول كون السلاح الذي بحوزتها يمكن أن يحرر سوريا بالأكمل، أما الثاني ينطلق من بدايات الثورة السورية حين كانت الحدود مغلقة وبيد النظام السوري، إذ استطاعت الفصائل رغم ذلك الحصول على الذخيرة، وما يؤكد ذلك فصائل الغوطة الشرقية، التي تعتمد في عملياتها على الغنائم التي تستولي عليها من النظام في معارك يتم إطلاقها بين الفترة والأخرى.
وقال العقيد رحال لعنب بلدي إن المشكلة حاليًا لا تتعلق بالتذخير بل في بنية الفصائل لمتابعة القتال ضد قوات الأسد والميليشيات المتعددة المقاتلة إلى جانبه، إذ ترتبط بعض الفصائل بأجندات سياسية وعسكرية، وأخرى بالمصادر المالية التي كونتها في السنوات السابقة.
وتشهد جبهات الشمال السوري معارك تحاول من خلالها قوات الأسد التوغل في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، كخطوة للوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري، وسط الحديث عن مشاركة غير جدية من قبل الفصائل العسكرية في المنطقة.
وقالت مصادر عسكرية من المنطقة لعنب بلدي إن التصدي ينحصر بأربعة فصائل في “الجيش الحر” فقط، وهي “جيش العزة”، “جيش النصر”، “الفرقة الوسطى”، “جيش إدلب الحر”، إضافةً إلى “تحرير الشام” التي وجهت لها اتهامات عن تسليم مناطق لقوات الأسد في محيط قرية سنجار دون قتال.
ويرى إبراهيم الإدلبي أن الفصائل في مأزق كبير، وتنقسم بين مشارك في المعارك وغير مشارك، مشيرًا إلى أنه يجب عليها مهاجمة مستودعات “تحرير الشام” للاستيلاء على الذخيرة والحصول عليها، في ظل انقطاع التمويل الدولي عليها.
وقال إن فصائل “الحر” في المنطقة الجنوبية الشرقية لإدلب (النصر، العزة، إدلب الحر) وصلت إيراداتها عقب انتهاء الدعم إلى 35%.
ويجب أن تفكر الفصائل، من وجهة نظره، في الحفاظ على المنطقة الجغرفية قبل البحث عن بدائل داخلية لعملية التنظيم، مشيرًا إلى أن فصائل “الجيش الحر” يجب أن تدافع عن الأرض كي تكسب الدعم من المجتمع الدولي الذي يعطي للأرض اعتبارات أساسية.
سوريون يبدون آراءهم: حل الفصائل أبرز الخيارات
أجرت عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني استطلاعًا طرحت فيه سؤالًا “برأيك: ما مصير الفصائل العسكرية في سوريا بعد توقف الدعم الدولي عنها؟”.
40% من المشاركين، وعددهم 300 شخص، اعتبروا أن الحل الأمثل للفصائل المنضوية في “الجيش الحر” هو حل نفسها بشكل نهائي، وحملوا قادة الفصائل السبب الرئيسي للظروف الحالية التي وصلوا لها.
وكتب علي إبراهيم في التعليقات “في بداية الثورة السورية لم يكن هناك دعم دولي، وحررت الفصائل ثلاثة أرباع سوريا بالسلاح الخفيف، أما بعد تقديم الدعم استعاد النظام ثلاثة أرباع سوريا”.
بينما رأى 39% من المشاركين أن الاندماج في جسم عسكري موحد من شأنه تغيير واقع الفصائل العسكري، وهو ما تم طرحه من قبل الإدارة الأمريكية، مطلع 2017، ويتم الحديث عنه حاليًا.
ووفق وجهة نظر الشاب أنور الأحمد، في حال توحد الفصائل وفك الارتباط بالدعم الخارجي، والعودة إلى سنوات الثورة السورية، ستكون قوة “الجيش الحر” أكبر بكثير ومن الممكن أن تتخطى صعوبات الدعم الذي تمر فيه.
وقال وليد حداد “أعتقد أنه على فصائل الجيش الحر أن تتوحد، وتبدأ بثورة جديدة كما هو الحال في مطلع 2011”.
ولم يحظ خيار الاعتماد على التمويل الذاتي بقبول المشاركين، وبلغت نسبة الموافقة على هذا الحل 21% فقط، رغم تأكيد بعض المحللين العسكريين عليه كونه أثبت نجاحًا وخاصةً في الغوطة الشرقية.
حمزة شبلي كان له رأي بالاستطلاع وقال إنه “منذ البداية يجب التسليح الذاتي، كون النظام يشتري سلاحًا لسوريا، والأقوى أحق بالسلاح”.
ورفض بعض المتابعين المقترحات التي شملها الاستطلاع، واعتبروا أن الفرصة انتهت، على خلفية التحكم الذي شهدته السنوات الماضية، وعيش الفصائل على ما وصفوه بـ “صدقات أمريكا”.
لا رواتب.. منح على دفعات
تواصلت عنب بلدي مع أغلبية الفصائل المنضوية في “الجيش الحر” في مناطق مختلفة في سوريا، وحصلت على معلومات مقتضبة عن وضعها المالي والمسار الذي تسير فيه، بعد توقف الدعم.
الرواتب تتراجع ويتغير توصيفها
في الجنوب انخفض راتب المقاتل، ليصل إلى أقل من 40 دولارًا شهريًا، بعدما كان يتجاوز في بعض الأحيان 200 دولار، وما فاقم الأمر أن معظم فصائل المنطقة الجنوبية تفتقر للموارد المالية الذاتية، الأمر الذي تركها رهينة ما يصلها من دعم.
في الشمال لم يختلف الوضع كثيرًا عن الجنوب، وقال قيادي في فصيل “فيلق الشام” لعنب بلدي، رفض ذكر اسمه، إن الرواتب ضمن الفصيل تحولت إلى منح تختلف من قطاع إلى آخر، إذ يختلف قطاع إدلب عن قطاعي حماة وحلب.
وتتراوح المنح المالية من 70 دولارًا إلى 100، وأشار القيادي إلى أن هذا الوضع لا ينطبق على جميع المقاتلين بل على البعض منهم.
وتعتبر محادثات “أستانة 6”، في أيلول 2017، وما رافقها من ترسيم لمناطق “تخفيف التوتر”، نقطة التحول الكبرى في مسار الدعم، إذ رفضت مخرجات المؤتمر عدة فصائل بينها “الجبهة الجنوبية” في درعا، والفصائل العاملة في ريف حماة الشمالي وأبرزها “جيش العزة”، “جيش النصر”، “الفرقة الوسطى”.
وكانت غرفة تنسيق الدعم (موك) اتخذت قرارًا بحل “الجبهة الجنوبية” وإعادة هيكلة فصائل درعا والقنيطرة، نهاية تموز 2017.
وجاءت الخطوة بعد مقاطعة فصائل “الجبهة الجنوبية” محادثات “أستانة5”، في 4 تموز الماضي، عازية ذلك إلى “عدم قدرة المؤتمرات الدولية المتتالية، على اتخاذ أي قرارات جادة من شأنها إيقاف إراقة الدم السوري”.
فصائل البادية، التي كان دعمها أمريكيًا مباشرة، تعاني أيضًا، وبحسب ما أكدت مصادر عسكرية في فصيل “قوات الشهيد أحمد العبدو” فإن الرواتب تتراوح حاليًا من 100 دولار إلى 150 دولارًا للعنصر، بعدما كانت في السابق من 300 إلى 1000 دولار أثناء زخم العمليات العسكرية.
وأشارت المصادر إلى الاعتماد حاليًا على الاحتياطي، سواء المالي فيما يخص الرواتب أو العسكري من السلاح والذخيرة، مشيرةً إلى أن التقليص الدولي طال العتاد العسكري الثقيل فقط.
رواتب الفصائل الإسلامية تتفاوت حسب المصدر
في ضفة القوى المعارضة للنظام السوري، توجد أيضًا فصائل إسلامية غير منضوية تحت راية “الجيش الحر”، ويختلف الوضع المالي فيها بحسب المصادر التي تعتمد عليها.
وكان لخسارة حركة “أحرار الشام الإسلامية” معبر باب الهوى الحدوي مع تركيا لصالح هيئة “تحرير الشام” أثر كبير في تركيبتها المالية، إذ توقفت منح المقاتلين المالية لثلاثة أشهر بعد الانسحاب من المعبر لتعود بعد ذلك بمبالغ “ضئيلة”.
بحسب ما وصل لعنب بلدي من أحد المقاتلين المطلعين على الأمور المالية في الحركة تترواح منحة المقاتل العادي بين 40 إلى 60 دولارًا، بينما يحصل المتزوج على مبلغ أكثر بعشرة أو عشرين دولارًا فقط.
وبالنسبة للكوادر أو الإداريين فرواتبهم أعلى وتبدأ من 80 إلى 100 دولار.
وأشار المقاتل إلى أنه في بعض الحالات تكون المنح أكثر أو أقل بـ “حسب الفاعلية”.
قبل الانسحاب من “باب الهوى” وصل راتب المقاتل غير المتزوج إلى 70 دولارًا، أما المتزوج 90 دولارًا والإداري من 100 إلى 150.
وأوضح المقاتل أن الرواتب حينها كان يضاف إليها سلة إغاثية وبدل تدفئة يصل إلى 20 دولارًا، فضلًا عن حوافز غير منتظمة.
بالنسبة لهيئة “تحرير الشام” لم تتمكن عنب بلدي من الحصول إلا على معلومات قليلة بخصوص رواتب المقاتلين، والتي لم تتغير منذ تشكيل جبهة “فتح الشام” سابقًا.
وتتراوح الرواتب من 100 دولار إلى 350 حسب الاختصاص، إضافةً إلى سلة إغاثية في بعض الأحيان، عدا عن بعض الامتيازات لبعض المقاتلين تتمثل ببيوت مدفوعة الإيجار ووسيلة نقل (دراجة نارية).
تركيا ترسم خريطة دعم فصائل شمالي حلب
بالانتقال إلى القوة العسكرية المنخرطة في “الجيش الحر” شمالي حلب، يعتمد “الجيش السوري الوطني” الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة عن تشكيله، في 30 كانون الأول 2017، على إيرادات معابر ريف حلب الشمالي، والتي تقول الفصائل المنتسبة إليه، إنها المصدر الوحيد لدعم القطاع المالي الذي يخص ثلاثة فيالق شكلت حديثًا في المنطقة.
وحددت تركيا الخريطة المالية لدعم الفصائل التي وفرت لها الدعم العسكري واللوجستي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” منذ آب 2016، مع انطلاق عملية “درع الفرات”، التي أفضت إلى طرد التنظيم من كامل المنطقة الشمالية والشرقية للمحافظة.
تشمل الهيكلية العسكرية قيادة عسكرية موحدة لجميع الفصائل في منطقة “درع الفرات”، تنبثق عنها ثلاثة فيالق تحت مسميات: “الجيش الوطني”، “فيلق السلطان مراد”، “فيلق الجبهة الشامية”.
وبعد الانتهاء من تشكيل الفيالق جرّدت الفصائل من المسميات، لتتوزع على ثلاث فرق في كل فيلق، وثلاثة ألوية ضمن كل فرقة، إضافة إلى ضم كل لواء لثلاث كتائب من المقاتلين، وفق ما ذكرت هيئة الأركان الجديدة.
العقيد هيثم العفيسي، نائب رئيس هيئة الأركان، التي يتبع لها “الجيش الوطني”، قال لعنب بلدي إن دعم “الجيش” ذاتي ومصدره “الحكومة المؤقتة”، مشيرًا إلى أن رواتب المقاتلين ومصروفهم تؤمّنه هيئة الأركان التابعة للحكومة، من إيرادات المعابر مع تركيا.
وأوضح أن توزيع إيرادات المعابر “ستشرف عليه لجان مختصة لضمان التوزيع بشكل عادل بين الجميع”، مؤكدًا أن “جميع المقاتلين في الفيالق الثلاثة سيتقاضون نفس الراتب، بعد النظر إلى الرتبة العسكرية”.
بينما قال “أبو الوليد العزي”، القيادي في “فيلق السلطان مراد”، لعنب بلدي، إن دعم المقاتلين غير موحد في المنطقة، لافتًا إلى أنه توزع حتى نهاية العام الماضي بين تركيا وأمريكا وغرفة “موك”.
ووفق القيادي يحصل المقاتل المدعوم من تركيا على راتب شهري قدره 300 دولار، بينما حصل المقاتل المدعوم من الولايات المتحدة سابقًا على 200 دولار، ومنحت غرفة “موك” في وقت سابق رواتب للمقاتلين قدرها 150 دولارًا.
لم يبدأ دعم الفيالق الثلاثة ماليًا، حتى السادس من كانون الثاني 2018، وبحسب القيادي فإن غرفة تنسيق الدعم منحت قبل شهرين آخر رواتب للمقاتلين حتى نهاية كانون الأول 2017، ليتوقف منذ ذلك الوقت.
وأوضح “أبو الوليد العزي” أن دعم الفيالق سيعتمد على معابر باب السلامة والراعي وجرابلس ومعابر جديدة بإدارة تركيا، على أن توضع الإيرادات في البنك الزراعي بتركيا، لتقسم نهاية كل شهر مناصفة بين فصائل الجيش الحر والحكومة المؤقتة والائتلاف المعارض، على حد وصفه.
لا رواتب محددة وفق الآلية الجديدة حتى اليوم، كما لم يحصل أي مقاتل في الفيالق الثلاثة على أي مرود مادي، بحسب القيادي في “فيلق السلطان مراد”، الذي أشار إلى أن قائد الفصيل يحدد رواتب الضباط لديه، مؤكدًا أن جميع المقاتلين سيحصلون على ذات المبلغ بعد بدء التوزيع.
ترتبط الحدود السورية مع تركيا بنحو عشرة معابر حدودية، ثلاثة منها فقط ظلت تعمل بشكل جزئي، وهي معبر “باب الهوى” في ريف إدلب الشمالي، و”باب السلامة” قرب اعزاز شمالي حلب، إضافة إلى معبر “جرابلس” في ريف حلب الشرقي، وأخيرًا معبر “الراعي” الذي افتتح رسميًا في كانون الأول 2017.
وتسيّر فصائل تابعة للمعارضة السورية شؤون المعابر الأربعة، بإدارة مباشرة من تركيا.
فصائل تعتمد على تمويل ذاتي
بعض فصائل المعارضة بدأت البحث عن دعم ذاتي بديل عن الدعم الخارجي يمكنها من مواصلة عملها عبر سيطرتها على منافذ اقتصادية مهمة في المناطق التي تسيطر عليها.
نماذج محدودة اندرجت ضمن إطار الدعم الذاتي ظهرت منها تجربة فصيلي “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” في الغوطة الشرقية، إضافة إلى تجربة “هيئة تحرير الشام” التي سيطرت على مفاصل إدلب الاقتصادية.
وبحسب معلومات عنب بلدي أسس “فيلق الرحمن” مشاريع داخل الغوطة وخارجها، بدأت بحفر نفقين تجاريين بين الغوطة ومنطقتي القابون وبرزة اللتين عقدتا مصالحات مع النظام.
وعمل على تشغيل أنفاقه بتجارة المواد التموينية والأجهزة الكهربائية والهواتف والحواسيب وألواح الطاقة الشمسية، فضلًا عن تحويل العملة وتصريفها، ما در عليه مبالغ طائلة تصل إلى ملايين الدولارات.
كما أسس “مؤسسة رحمة” لإدارة الأنفاق والتي كانت أرباحها تصل شهريًا إلى 30 مليون ليرة شهريًا بحسب ما قاله أحد مدراء مؤسسة “رحمة” تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه في تحقيق استقصائي سابق لعنب بلدي بعنوان، “خريطة الغوطة الاقتصادية.. أنفاق وجيوب”، قبل أن تغلق الأنفاق بسيطرة قوات الأسد على القابون وبرزة.
وإضافة لما سبق دخل الفيلق في سلسلة مشاريع تنموية من خلال مؤسسات أنشأها، مطلع 2016، كمزارع الأبقار والمداجن ومحال تجارية، إضافة إلى القطاع الزراعي عبر زرع مئات الدونمات الأرضية، وتأسيس وحدة زراعية يديرها مهندسون لتمويل التشكيل بالمواد الغذائية اللازمة لإطعام منتسبيه.
ويتبع له سلسلة من التجار يعملون على جمع النحاس والألمنيوم ومواد أولية كانت سابقًا تباع إلى دمشق عن طريق الانفاق.
أما “جيش الإسلام”، الذي يعتبر التشكيل الأكبر في الغوطة، أدار كسابقه مشاريع تجارية وربحية وتنموية لتمويل جسمه العسكري ودعم مقاتليه، فعمل على افتتاح سلسلة مشاريع تجارية في الغوطة وخارجها، إضافة إلى إدارته لمعبر المخيم الوافدين، عبر إنشاء مكتب اقتصادي يدير مشاريعه وتصريف بضائعه في السوق.
كما أنشأ مكاتب لتصريف وتحويل الأموال، إضافة إلى عمله في الزراعة أيضًا في ضواحي دوما لإمداد وتمويل نفسه.
بدورها، اتجهت “هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري إلى البحث عن دعم ذاتي رغم عدم تقليص دعمها، وتمكنت من وضع يدها على كامل الموارد الاقتصادية في إدلب وريفها بعد تصادم عسكري مع “أحرار الشام”، فمن يستولي على اقتصاد المحافظة يبسط سيطرته العسكرية فيها.
الهيئة أسست ما يُسمى بـ “المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك”، هدفها تنظيم عمليات الصرافة ومنع الاحتكار والتلاعب بأسعار العملات، بهدف السيطرة على إدارة سوق الحوالات والتحكم بحركة الأموال ومكاتب الصرافة.
كما سيطرت على ملفات مؤسسات المياه والسجل العقاري والسجل المدني والإدارة المحلية والزراعة، عبر “الإدارة المدنية للخدمات” التابعة لها، والتي فرضت نفسها في قطاع الكهرباء.
وعملت، في تموز 2017، على دمج مؤسستها الكهربائية مع المؤسسة التابعة لـ “حركة أحرار الشام”، في محاولة لالتهام أي أجسام خدمية تقف في وجه سيطرتها، ومن يمسك خطوط الكهرباء يمسك اقتصاد المنطقة، للاعتماد الكبير عليها خاصة في المخابز ومضخات آبار المياه، عدا عن أن اقتصاد إدلب قائم على الزراعة بشكل أساسي، وبالتالي يحتاج إلى الماء والكهرباء، اللذين يعتبران عصب الحياة لأي مجتمع، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي أيمن الدسوقي، لعنب بلدي في وقت سابق.
وضمن خطواتها الاقتصادية سلمت “تحرير الشام”، في تشرين الثاني 2017، كافة الخدمات المدنية التي تديرها الإدارة المدينة للخدمات إلى “حكومة الإنقاذ” التي تشكلت في مدينة إدلب، والتي تعتبر الجسم المدني للهيئة.
ولا يمكن إغفال الحديث عن معبر “باب الهوى” الحدودي الاستراتيجي للمنطقة الشمالية، والذي يخضع لإدارة مدنية تابعة لـ “الهيئة”، كونه يشكل مردودًا ماديًا للجهة التي تسيطر عليه، إن كان من دخول وخروج الأشخاص أو دخول البضائع.
تنازلات وجوائز ترضية
العقيد الركن خالد المطلق
منذ عام 2013 بدأت الدول الداعمة في وضع يدها على فصائل “الجيش الحر” بضخ الدعم المشروط لها، فمن قبل استمر ومن لم يقبل تم تهميشه بل وحتى تصفيته في كثير من الأحيان، والاغتيالات لبعض القادة التي كانت تتم على مساحة الأراضي المحررة خير دليل على ذلك.
وبعد تمكن الدول الداعمة من التحكم بشكل واضح في قرارات الفصائل أصبحت هذه الأخيرة تنفذ أجندات مموليها فضاعت أهداف الثورة، وتم تسليم المناطق الواحدة تلو الأخرى، ما أضعف هذه الفصائل نفسها وبدأت تتنازل تدريجيًا بحجة توقف الدعم.
بهذه العملية تمت مساعدة الأسد بطرق غير مباشرة عبر الدول الداعمة التي تنفذ أجندات مأمورة بها من قبل من يتحكم بالعالم الذي بات واضحًا أنه يريد إعادة إنتاج الأسد ونظامه.
الفصائل العسكرية التي تتلقى الدعم من الخارج مصيرها التفكك والاضمحلال، بعد أن نفذت ما طلب منها في وأد الثورة نتيجة تغليب المصلحة الفردية والفصائلية والحزبية على مصلحة الشعب السوري وأهدافه التي خرج من أجلها.
ومن الممكن أن يعطي الداعم جوائز ترضية لبعض القادة وبعض الأحزاب في منصب من الدرجه الخامسة في دولة يحكمها الأسد وعصاباته، هذا إن لم يحدث أمر من داخل الفصائل ومن الحاضنة الشعبية يقلب الطاولة على الجميع.
أما من سيبحث عن مصادر دعم فلن يجد من يدعمه، إلا إذا اعتمد على التمويل الذاتي الذي نجحت بعض الفصائل في تنفيذه وخاصة في الغوطة الشرقية كألوية “فجر الأمة”.
هناك قرار اتخذ وسمعناه كثيرًا من بعض أصحاب القرار في العالم: من غير المسموح أن يكون هناك جيشان في سوريا، جيش الأسد أو أي جيش آخر، وإلا لماذا أضعفوا “الجيش الحر”؟ ولماذا تم تفتيت كل جهد لتوحيد قيادات “الجيش الحر”؟… الأمر واضح تمامًا، أما ما يحدث حاليًا من تشكيل وزارة دفاع وأركان فهي لا تمثل إلا من أنشاها، ومن هو متحكم بالائتلاف والحكومة المؤقتة من أجل أجندات شخصية وحزبية، وإلا كيف ننظر إلى إقصاء الكثير من الضباط القادة والمشهود لهم بالوطنية، وتسمية بعض الضباط ممن عليهم كثير من إشارات الاستفهام في مناصب قيادية، هذه مهزلة يدفع ثمنها شعبنا دماءه ومعاناته، وما يحدث الآن في إدلب أكبر برهان، شعبنا ينزح بالآلاف تحت الأشجار دون مأوى والحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع منهمكة في إصدار البيانات، وتقاسم المناصب.
من هنا من الصعب أن يتم تشكيل جيش موحد، خاصةً أن من شكّله فئة معينة لا يهمها إلا الكرسي، وهي التي أوصلت ثورتنا إلى ماهي عليه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :