د. أكرم خولاني
يعاني بعض الناس من إرهاق وتعب مستمر، وآلام في جميع أنحاء الجسم، وقد يراجعون أكثر من طبيب ويجرون العديد من التحاليل والفحوصات دون التوصل إلى سبب واضح لهذه الحالة، وبنهاية المطاف يخبرهم الأطباء أنهم يعانون من متلازمة الألم الليفي العضلي (Fibromyalgia Syndrome – FMS)، أو ما يسمى أيضًا متلازمة الألم العضلي المتفشي.
ما هي متلازمة الألم الليفي العضلي
هي حالة مرضية مزمنة تظهر على شكل ألم مزمن في العضلات والأوتار والأربطة ينتشر في أماكن متعددة من الجسم، مع استجابة مؤلمة بشدة عند الضغط البسيط على بعض النقاط، وأعراض أخرى متعددة، بعضها نفسي، لكن العرض الرئيسي هو الألم الواسع الانتشار، وينتج من اختلالات كيميائية عصبية في الدماغ تؤدي إلى ترجمة الألم بصورة غير طبيعية.
تظهر هذه المتلازمة لدى نحو 2-8% من مجمل الناس، وهي أوسع انتشارًا بين النساء منها بين الرجال، إذ يصاب رجل مقابل سبع أو تسع نساء، كذلك هي أكثر قابلية للظهور لدى البالغين، من سن 25 سنة وحتى 55 سنة، ولكنها ممكنة الظهور، أيضًا، لدى الأطفال أو لدى الطاعنين في السن.
ما أعراض متلازمة الألم الليفي العضلي؟
لا يعاني جميع المصابين من كل الأعراض مجتمعة، وقد تختلف الأعراض تبعًا للكثير من العوامل، كالتغييرات التي تحصل في حالة الطقس، والضغط النفسي، وحجم النشاط الجسماني، وفي بعض الأحيان بمجرد تغير ساعات النهار.
- الألم هو العرض الرئيسي في هذا المرض، ويوصف بأنه ألم كليل (غير حاد)، ومتواصل، وعضلي المصدر في الغالب، يظهر في أرباع الجسم الأربعة (جانبا الجسد كلاهما، فوق خط الخصر وتحته)، مع آلام أخرى إضافية تنجم عن الضغط على أماكن محددة في الجسم، تسمى “نقاط إثارة الألم” أو “نقاط الزناد”، وتشمل هذه النقاط: النقرة (مؤخرة العنق)، بين لوحي الكتفين، على الكتفين، مقدمة العنق، أعلى الصدر، خلفية المرفقين، أعلى الخصر، جانبا الخصر، جوف الركبتين.
وقد يترافق الألم بالشعور بوخز في الجلد (مَذَل)، تشنجات عضلية مطولة، وهن في الأطراف، اعتلال الأعصاب المحيطية، انتفاض أو ارتعاش العضلات، الخفقان.
- التعب واضطرابات النوم من الأعراض الأخرى الشائعة، فغالبًا يستيقظ المصاب وهو يشعر بالتعب الشديد، على الرغم من أنه يبدو ظاهريًا قد نام أكثر من اللازم، لكن المشكلة بأنه نادرًا جدًا ما يبلغ مرحلة النوم العميق، كذلك ثبت وجود علاقة بين اضطرابات النوم وبين الألم الليفي العضلي.
- اختلال معرفي، قد يتضمن اختلالًا في التركيز، مشاكل في الذاكرة القصيرة وطويلة الأمد، اختلال في سرعة الأداء وعدم القدرة على القيام بأكثر من مهمة في الوقت ذاته، إجهاد معرفي، تضاؤل فترة الانتباه، قلق، وأعراض اكتئابية.
- من الأعراض الأخرى والتي قد تكون نتيجة مرض مصاحب: الشعور بوخز منتشر غير مرتبط بقطاع جلدي محدد، اضطرابات في وظيفة القولون، أعراض بولية تناسلية، التهاب المثانة الخلالي، اضطرابات جلدية، صداع متكرر، ألم اللفافة العضلية، خلل المفصل الصدغي الفكي السفلي.
- حالات طبية مصاحبة: متلازمة التعب المزمن، الاكتئاب، التهاب الأغشية المخاطية الرحمية، متلازمة الأمعاء المتهيجة، الذئبة الحمامية، الفصال العظمي، اضطراب الكرب التالي للرضح، متلازمة تململ الساقين، التهاب المفاصل الرثواني، متلازمة انقطاع النفس أثناء النوم.
ما أسباب الإصابة؟
لا يعرف حتى الآن على وجه اليقين ما هي أسباب الألم العضلي الليفي، وإحدى النظريات أنه استجابة ألم غير طبيعية، أي أن لدى الأشخاص المصابين عتبة تحمّل أقل للألم بسبب زيادة نشاط الخلايا العصبية الحساسة للألم في الحبل الشوكي أو الدماغ، ويعتقد أن ذلك يحدث نتيجة عدة عوامل:
- الوراثة: تحدث الحالة في عائلات بأكملها، ونمط التوارث حاليًا غير معروف ولكن يحتمل على الأغلب أنه متعدد الجينات.
- نمط الحياة: يوجد ارتباط بين متلازمة الألم الليفي العضلي والتوتر، والإنهاك الجسدي والجنسي، أنماط الحياة الرديئة التي تتضمن التدخين، والسمنة، ونقص النشاط الجسدي.
- اضطرابات النوم: مثل قلة النوم، أو مشاكل النوم التي تتضمن عدم القدرة على بداية النوم، الصحو عدة مرات في الليل، ومعظم الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في النوم، مثل تشنج عضلات الساقين ليلًا، أو تململ الساقين، أو انقطاع النفس خلال النوم، يعانون أيضًا من الألم الليفي العضلي.
- عوامل نفسية: هناك دليل قوي على الارتباط بين متلازمة الألم الليفي العضلي والاكتئاب المرضي، وكذلك الاضطراب ثنائي القطب، مرحلة الهوس الخفيف تحديدًا، إلا أن طبيعة العلاقة مازالت غير واضحة.
- عوامل بيئية: مثل البرد والرطوبة والتلوثات.
كيف يشخص المرض؟
لا يوجد حتى الآن أي اختبار يمكنه تشخيص متلازمة الألم الليفي العضلي، وقد تبقى بدون تشخيص في حوالي 75% من المصابين.
ويتم التشخيص بناء على الأعراض، و أمدها (أطول من ثلاثة أشهر)، والفحص الجسدي (نقاط الزناد)، ويتضمن استبعاد الاعتلالات الأخرى التي يمكن أن تسبب الأعراض.
وتكون فحوصات الدم المخبرية طبيعية عادة، وتجرى فقط للتأكد من عدم وجود أمراض أخرى مسببة للأعراض، وتشمل: فحص تعداد كامل لعناصر الدم، فحص مستوى الكالسيوم وفيتامين د، سرعة تثفل الكريات الحمر، هرمون البرولاكتين، وظائف الغدة الدرقية، العامل الرثواني، وظائف الكبد.
كيف تتم المعالجة؟
لا يوجد علاج متفق عليه بشكل عام، وإنما يقتصر فقط على معالجة الأعراض، ويتضمن استخدام الأدوية والتدخل السلوكي والتمارين.
- الأدوية: تستخدم مسكنات الألم ومضادات الاكتئاب ومضادات الاختلاج.
- مسكنات الألم: كمضادات الالتهاب اللاستيروئيدية، أو الباراسيتامول مع الكودئين، أو بالباراسيتامول مع الترامادول في حالات الألم المتوسط والشديد غير المستجيبة للمسكنات الأخرى.
- مضادات الاكتئاب: الهدف من استخدامها هو التخفيف من الأعراض (الألم، الاكتئاب، التعب، اضطرابات النوم) وتحسين جودة الحياة، وتستخدم مثبطات إرجاع السيروتونين والنورابينيفرين (كالدولوكسيتين المعروف باسم سيمبالتا والميلناسيبران، وهما معتمدان من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية) ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة (كالأميتربتيلين الذي يستخدم كخط العلاج الأول).
- مضادات الاختلاج: معظم المرضى سيستفيدون منها في تخفيف الألم المزمن ولكن بشكل ضئيل، وقلة منهم ستكون الفائدة لديهم كبيرة، ومن هذه الأدوية الغابابنتين، والبريغابالين (معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية).
- العلاج السلوكي: يتم عن طريق العلاج المعرفي، ويحسن العلاج المعرفي من نجاعة الذات والتعايش مع الألم ويقلل من عدد الزيارات إلى الطبيب، ولكن ليس له تأثير واضح على الألم، التعب، والنوم.
- التمارين: تحسن التمارين الرياضية من اللياقة البدنية والنوم وقد تخفف الألم والتعب وتحسن المزاج، خاصة التمارين المائية والأيروبيك والاستلقاء واليوغا.