خطيب بدلة
أتعرض، بين الحين والآخر، إلى هجومات عنيفة من مجاهدي “فيس بوك”، سببها انتقادي للغباوات التي تبدر عن سلطة الأمر الواقع في المناطق التي يديرها هؤلاء الجاهلون بالتاريخ والجغرافيا والعلوم الإنسانية، الذين يمتلكون قناعة لا تتزحزح بأن النبي الكريم لم يبعث ليتمم مكارم الأخلاق، وإنما ليبقي المجتمعات تراوح في مكانها، فيعيش الناس في سنة 1439 هجرية (2018 ميلادية) مثلما كانوا يعيشون في السنة الأولى للهجرة، فالبيع لا يكون في المول والسوبر ماركت وعبر الإنترنت، بل على البسطات، وإذا حصل بيع بالآجل لا يجوز استعمال الشيكات والسفاتج والكمبيالات وإنما الكتابة بمعناها الحرفي، والبسطات تترك في مكانها حينما يحين وقت الصلاة، حتى ولو عاد صاحبها فوجدها مسروقة، وهم يمنعون دخول الكتب والمجلات والصحف التي تخالفهم الرأي، أو التي تحتوي على صور نساء، إلى مناطق سلطتهم، بحجة أن هذا يفسد عقول المجاهدين وأخلاقهم، جاهلين، بكل ما تعني كلمة “جاهلين”، أن بإمكان أي مجاهد يمتلك “لابتوب” وخط إنترنت أن يقرأ كل كتب الكفر والزندقة والتجديف عبر التاريخ، ولا يكتفي بمشاهدة صور نساء محتشمات كالتي في الصحف التي يمنعون دخولها إلى أراضيهم، وإنما أفلامًا يكون فيها الكذا مذا مثل حرب اليابان!
كنت قد حكيت في إحدى مقالاتي عن بعض المواقف التي صادفتها أثناء مشاركتي في الثورة على الأرض، منذ بدايتها وحتى أواخر سنة 2012، فأبدى أحد مجاهدي “فيس بوك” استغرابه وقال: أين جاهد هذا الـ “بدلة”؟ لم نسمع به من قبل قط.
هذا الكلام، في الحقيقة، صحيح، فأنا كنت “ثائرًا” ضد الاستبداد، ولم أكن “مجاهدًا”، والثورة السورية لم يكن فيها مجاهدون أصلًا، ومع ذلك فقد ذكرني سؤاله بالصديق الأديب مالك داغستاني الذي سأله أحد المجاهدين: أين كنت لما جاهدنا؟ فأجابه: لما كنت أنت في سنة 2003 جالسًا في مكتب علي مملوك تنتظر الإذن بالذهاب إلى العراق من أجل الجهاد… ألم تسمع صراخ معتقل يتلقى الضرب في مكان قريب؟ قال: بلى سمعت. قال مالك: ذلك المعتقل هو أنا.
يؤمن الإخوة المجاهدون بالقرآن الكريم كله، عدا آية واحدة هي “لا تزر وازرة وزر أخرى”… ففي إحدى المرات استاء أحدهم من مقالة لي، فراح يشتم والدتي التي كانت ذات صيت واسع في التدين والتقى والورع والانحياز إلى جانب الفقراء والمظلومين… ومع أن زوجتي السيدة سلسبيل أكثر اعتدالًا من والدتي، ولكنها، في المحصلة، محافِظة، وأقرب إلى التدين، فحينما أراد أحدهم الرد على مقالتي “أنا مع حكومة الإنقاذ والأرامل – عنب بلدي العدد 305” ركّز هجومه عليها، فكتب يقول: إذا كان خطيب بدلة يريد أن تطلع زوجته بين الناس عريانة هو حر، أنا والله بودي أحافظ على شرف زوجتي!
توضيح: المقالة التي كتب المجاهد هذا التعليق عليها لا علاقة لها بحشمة النساء أو عريهن، وإنما كانت محاولة “فاشلة” مني لوضع عقل هذا المجاهد وأمثاله في الخدمة.