يُعنْون الأديب الأرغوياني ماريو بينيديتى روايته باسم “الهدنة”، وبالرغم من أنها تتحدث عن حياة طبقة الموظفين في الأرغواي، إلا أن الحرب التي يهادنها بطل الرواية هي من نوع مختلف تمامًا، إذ يخوضها مع الزمن.
تبدأ الرواية قبل ستة أشهر من إحالة الموظف “مارتين سانتومي” إلى التقاعد، وهنا يبدأ بالتفكير بكل ما مضى من حياته، ليكتشف أنه قضى عمره برتابة وروتين قاتل، بين الأوراق والمصنفات، يقوم بحسابات بشكل متكرر، وينجز أعمالًا سخيفة.
يخطط سانتومي لقلب حياته رأسًا على عقب بعد التقاعد، إذ إنه سيمتلك وقت فراغ كبير، وهذا المخطط ما يمكن أن نسميه معاهدة الهدنة بينه وبين الزمن، الذي يمضي آخذًا معه ما تبقى من حياة.
يتعرف سانتومي على فتاة شابة أواخر فترة توظيفه، كان مكلفًا بتدريبها لتتسلم أجزاء معينة من العمل، إلا أن الأمور تسير بشكل معاكس ومفاجئ لكل التوقعات، إذ إن الرجل الذي قضى حياته برمتها في ملل، تمكن من إحداث ثورة حب حقيقية في قلب الفتاة الجديدة، بشكل غير حياتها بالكامل، وكأنه استعراض للطاقات الكامنة التي يتمتع بها أولئك الناس الذين يشعرون بالملل، ولا جدوى ما عاشوه من حياة.
في محاولته لتغيير حياته، يغير سانتومي حياة قرّاء مذكراته أيضًا، ويدخلهم في عوالم حميمية حافظت على توازن يجمع بين البساطة والقيمة الفلسفية، وتطلعات الشباب وكبار العمر إلى الحب والإنجاز والتجدد المستمر، حتى آخر لحظة في حياتهم.
الرواية مكتوبة بأسلوب المذكرات، ومقسمة إلى مقاطع صغيرة بحسب التاريخ، ما يجعل قراءتها أمرًا في غاية البساطة والمتعة، وتُعتبر تصويرًا لحياة معظم الطبقة الوسطى في الأرغواي، حيث يعمل نحو نصفهم تقريبًا في أعمال مكتبية.