أورفة – برهان عثمان
“أصبح هؤلاء البشر يعنون لي الخوف، بمجرد رؤيتهم أبتعد عن المكان”، يقول أبو حسن (38عامًا) النازح من دير الزور والمقيم حاليًا في ريف الحسكة، مبررًا خوفه وبعض الأهالي من خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة الشرقية من سوريا.
نزح الرجل من مدينته نهاية العام 2012، ويشير في حديثه لعنب بلدي إلى أنه رصد عشرات المقاتلين السابقين في صفوف التنظيم، يتجولون بحرية في مناطق مختلفة من الحسكة، “لم أظن أني سأراهم أحياء طلقاء بعد إنهاء التنظيم”.
خوف أبو حسن دفعه إلى الاختباء في منزله لعدة أيام، كما يشرح، إلى أن قرر بيع أثاث المنزل ومحله الصغير ومغادرة المنطقة بعد ست سنوات من الاستقرار، مؤكدًا “هؤلاء الأشخاص يحملون الخراب أينما ذهبوا، وغدت مشاهدتهم نذير شؤم”.
معظم الذين تواصلت معهم عنب بلدي، لفتوا إلى تجوال بعض العناصر المنتمين للتنظيم في المنطقة، التي سيطرت عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، على مدار أشهر من المعارك العام الماضي، وقال البعض إن من بينهم قياديين وإداريين وشرعيين في تنظيم “الدولة”، مبدين استغرابهم وخشيتهم من تشكيل خلايا نائمة تنشط لاحقًا.
أسئلة بلا إجابات
“هل يبقى هؤلاء العناصر دون تحرك، أم قطعوا صلاتهم بالتنظيم، أم تخلوا عن قناعاتهم السابقة، ومَن يراقبهم أم ليسوا مراقبين؟”، أسئلة بلا إجابات طرحها بعض أهالي المنطقة، ومنهم مقربون من “الإدارة الذاتية” التابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، والتي تدير المنطقة، بينما أنكر آخرون وجود أولئك العناصر.
وتخشى الكثير من العوائل في مناطق سيطرة “قسد”، من استغلال الوضع في تهجير جديد قد يفرض على المنطقة، بحجة تنفيذ “العناصر الإرهابية” لعمليات متكررة خلال الفترة المقبلة
ينتشر عناصر التنظيم في المنطقة الشرقية ضمن نقاط سيطرة “قسد”، في جيب تبلغ مساحته قرابة 400 كيلومترٍ مربع على الحدود السورية- العراقية، رغم إعلان القوات إنهاء وجود التنظيم بالكامل.
“من يربي العقارب لابد أن يطاله نصيب من لدغاتها”، من وجهة نظر أبو قاسم (30 عامًا)، وهو نازح من ديرالزور ويقيم في الحسكة منذ خمس سنوات.
ويقول الشاب لعنب بلدي إنه “ربما يحاول قادة قسد استغلال هؤلاء العناصر في خطط سياسية وجعلهم كذرائع ضد العرب في المنطقة، لوصمهم بالإرهاب أو تمرير أجندات معينة”.
أبو قاسم منع من ممارسة مهنة التعليم بعد رفضه تدريس المناهج الكردية، التي فرضتها “الإدارة الذاتية”، ويضيف أن “أي دعوة من قبل العناصر المتطرفة ستجد لها أرضية خصبة خاصة مع نقمة الأهالي العرب على تصرفات السلطة الحاكمة”.
ويؤكد الشاب أنه “أيًا كان سبب وجودهم فالخاسر الأكبر هم المدنيون في النهاية”، لافتًا إلى أن عناصر “قسد” كانوا يفرضون رقابة أكبر في المنطقة، قبل طرد تنظيم “الدولة”، ما أثار استغرابه.
ويقول ناشطون من المنطقة إن أولئك العناصر مدربون ومجهزون للمستقبل، ويعملون على تزويد بعض مجموعات التنظيم خارج مناطق سيطرة “قسد” بأسلحة خفيفة ومتوسطة.
خشية من الضرر
حسب بعض الناشطين العرب، الذين تواصلت معهم عنب بلدي، فإن تلك المخاطر الأمنية “موجودة وحقيقية”، متخوفين على مصير الأهالي الذين خرجوا حديثًا من مناطق سيطرة التنظيم، ويبحثون عن مكان آمن يلجؤون إليه، “فلا يصبغ بصبغة الإرهاب من كان مجبرًا على البقاء قريبًا من التنظيم وتضرر كثيرًا إثر ذلك”.
أبو طارق (34 عامًا)، أحد أبناء العشائر العربية في الحسكة، تطوع للخدمة مع “قسد”، ويقول لعنب بلدي “ليس كل من انتسب للتنظيم هو مؤمن بأفكاره، تطوع إما طمعًا بالمال والجاه، أو بحثًا عن الأمان واتقاء شرور التنظيم”.
وينفي الشاب ما يتحدث به الأهالي، معبرًا عن استغرابه مما يذكره الأهالي والناشطون، “هناك تناقض كبير فمرة يطالبون بإخراج المحاصرين لدى التنظيم ومساعدتهم، وأخرى يتهمون قسد بإيواء عناصره”.
تتولى الأجهزة الأمنية والقضائية في “الإدارة الذاتية”، التحقيق مع عناصر التنظيم والمشتبه بهم، وفق أبو طارق، ويشير إلى أن بعضهم يتدرب مع “قسد”، وهم ممن ثبت إيمانهم بأفكار الدولة الديمقراطية.
ويلفت إلى أن بعض من أفرج عنه “خرج بشرط ألا يكون هناك دعاوى جنائية موجهة ضده”، معتبرًا أن “المناطق خارج سيطرة التنظيم في المنطقة حاليًا، أكثر أمنًا من مناطق سيطرة قوات الأسد، ومايزال الأهالي يفضلون البقاء بها على الذهاب إلى النظام”.