ثقافة وعادات دير الزور تندثر بين “تطرفين”

  • 2017/12/31
  • 12:28 ص

قرية الحسينية في دير الزور - 2013(أرشيف عنب بلدي)

أورفة – برهان عثمان

فرح الطفل سعد ذو الأعوام الثمانية لدى رؤيته ما يشبه شجرة عيد الميلاد، بعد أن زينتها والدته بأدوات بسيطة، مستخدمة أغصانًا يابسة وأضواء “ليدات”، ووضعتها داخل غرفة الجلوس في منزلهم بمدينة دير الزور، في مشهدٍ لا يحجب اندثار ثقافة وعادات المدينة بين “تطرفين”.

“خلونا نفرح صرلنا سنين بالهمّ والجوع والحسرة”، تقول والدة سعد، أم قاسم (39 عامًا)، لعنب بلدي، وبينما يبدي الطفل سعادته بالشجرة وما حصل عليه من ثياب جديدة، يبدي أخوه رامي، الأكبر منه بخمس سنوات، امتعاضه من تزيين الشجرة، ويرى أن الاحتفال “دخيل على المجتمع وليس في وقته”.

من تطرف إلى آخر

خلاف المفاهيم داخل هذه العائلة، يعكس المشهد في مدينة دير الزور، التي نزعت عباءة تنظيم “الدولة الإسلامية” خلال الأشهر الماضية، وغدت تحت سيطرة قوات الأسد، والميليشيات على اختلاف انتماءاتها، ما نقل المدينة “من تطرف إلى آخر”، وفق والد سعد (41 عامًا).

يقول أبو قاسم، وله أربعة أطفال، أكبرهم قاسم (16 عامًا)، إن المدينة “لم تكن هكذا قبل سنوات”، مستذكرًا أسماء أصدقائه وجيرانه من المسيحيين، الذين كانوا يتعايشون ويستمتعون بأجواء الاحتفالات، على حد وصفه.

ضمت دير الزور خمس كنائس، فتحت صدرها للأرمن عند قدومهم بداية القرن الماضي، كما يشرح أبو قاسم، موضحًا “رغم تغير الأوضاع في تسعينيات القرن الماضي، إلا أن غالبية الأهالي كانوا متسامحين ويتقبلون الاختلافات والتوجهات بين الناس”.

واعتبر أن الأطفال أكبر المتضررين مما جرى خلال السنوات القليلة الماضية، عازيًا ذلك لـ “أفكار خطرة زرعها تنظيم الدولة وتنمو اليوم مع تحولات أخرى على أصوات أغاني شيعية ومذهبية”، مبديًا قلقه من أن “يحصد أطفاله وأقرانهم الأفكار المظلمة التي زرعت في هذه الأرض”.

لا أعياد ولا احتفالات

لا مظاهر لأعياد الميلاد أو الاحتفالات في دير الزور، المشغولة بلملمة جراح الحرب والدمار، وفق أبو قاسم، الذي لفت إلى أن الاهتمام بالأمر اقتصر على بعض المنازل والمحال في حيي الجورة والقصور، “زينت الرفوف التي وضعت عليها بضائع جديدة ببعض الأضواء”.

وعزا أبو قاسم السبب إلى “الإرهاق إثر الحصار والحالة المادية السيئة لمعظم قاطني المدينة حاليًا”، مؤكدًا عودة بعض المسيحيين إلى منازلهم والكنائس التي طالها الدمار، بعد سيطرة قوات الأسد على المدينة، مطلع تشرين الثاني 2017.

أغاني تنظيم الدولة تتردد في الخفاء

أبوعلي (49 عامًا) يملك محلًا ويُدرّس في إحدى مدارس مدينة دير الزور، ويرى أن المشاكل التي تراكمت خلال السنوات الأخيرة في المجتمع الديري “تحتاج عقودًا لتزول آثارها”، مشيرًا إلى أن “جيلًا كاملًا عايش التطرف وتشرب أفكاره، وهذا يحتاج وقتًا طويلًا لتختفي تبعاته”.

يصف المدرّس مشاهداته في المدرسة، موضحًا أن “نسبة لا بأس بها من تلاميذ الصف السادس وطلاب المرحلة الثانوية، مازالوا معجبين بأفكار تنظيم الدولة ويرفضون تسميته بداعش، مرددين أغانيه سرًا بين بعضهم”.

يفسر أبو علي الأمر بأنه “ربما يكون رد فعل على الواقع السيئ الذي يعيشونه حاليًا”، لافتًا إلى أن “تصرفات عناصر النظام وميليشياته تدفع الجميع لمقاومة محو شخصية المدينة وثقافتها السنية ومنهم الأطفال واليافعون، الذين تحول بعضهم إلى سماع الأغاني الشيعية واللطميات”.

لا تجد معظم هذه الشريحة العمرية عنصر “مقاومة ثقافية” تتمسك به سوى تنظيم “الدولة”، من وجهة نظر المدرّس، الذي يرى أن قسمًا آخر منهم “يعيشون في مجتمع وبيئة خاضعة للنظام وميليشياته، دون الاعتراض على إهاناته”.

ويخشى أبو علي من تنامي الأفكار “المتطرفة” لدى أولئك الأطفال، محذرًا من “تفجر الكبت، وخاصة مع تصرفات عناصر النظام المستفزة، وضرورة تجنب أن تكون المدينة أمام تنظيمات أشد تطرفًا تكون تلك الشريحة وقودها”.

“النظرة سوداوية” كما تصفها أم محمد، مديرة مدرسة سابقة في دير الزور، التي تقول لعنب بلدي إنه من الطبيعي أن يحاول الأطفال التعرف إلى مفاهيم غريبة، معتبرةً أن “معظم تلك الأفكار تنتهي مع انتهاء سن المراهقة، وغالبًا لا يكون لها تأثير على مستقبلهم، فالخوف والحذر يمنعهم من التصريح عنها أو تطبيقها”.

وترى أم محمد أن ريف المحافظة “بيئة خصبة لمثل تلك الأفكار” وليس المدينة، لافتةً إلى ارتباط “الظاهرة الدينية المتطرفة وبعض التنظيمات، بالعشائر والمناطق الريفية، التي تشكل خطرًا كبيرًا باعتبارها إرثًا تاريخيًا”.

لا يرغب من تواصلت معهم عنب بلدي من الأهالي، أن تتحول كل مناسبة في المدينة إلى نقطة خلاف جديدة، تضاف إلى المشاكل فيها، وتختم أم محمد حديثها “تعبنا من المشاكل والخلافات وما بدنا شيء إلا الراحة والسلام”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع