استيراد وتصدير لا يمر عبر الحدود
نظام تجاري داخلي يدر الملايين جنوبي سوريا
عنب بلدي – درعا
يتحكم النظام السوري بتقاطع يؤدي إلى مناطق سيطرة المعارضة في درعا جنوبي سوريا، ويجني من خلاله الملايين بموجب “ضرائب جمركية داخلية”، في نظام يطبق لأول مرة في سوريا.
وعمدت قوات الأسد، منذ تموز 2017، إلى فرض أتاوات على حاجزها الواقع على التقاطع الواصل بين بلدتي داعل والغارية الغربية الخاضعتين لسيطرة فصائل المعارضة وبلدة خربة غزالة الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ووصلت عوائدها إلى ما يقارب مليار و120 مليون ليرة سورية (2.6 مليون دولار) في شهر واحد فقط، بحسب ما قاله مصدر مطلع لعنب بلدي.
ويعتبر هذا التقاطع من الطرق الاستراتيجية الواصلة بين مناطق سيطرة الطرفين، وطريقًا رئيسيًا لوصول البضائع التجارية من وإلى مدينتي دمشق ودرعا.
ورغم تنديد هيئات وفصائل المعارضة وتهديدها بإغلاق الطريق تارة وقصف الحاجز تارة أخرى، إلا أنه بعد مرور ستة أشهر مازالت قوات الأسد تتقاضى المبالغ المالية، والتي تذهب جميعها لصالح الفرقة الرابعة.
مواد البناء الأكثر مرورًا
لا يفصل بين درعا البلد، الخاضعة لسيطرة المعارضة، ودرعا المحطة، التي تسيطر عليها قوات الأسد، جنوبي سوريا إلا بضعة أمتار، وكان بالإمكان قبل انطلاق الثورة قطعها سيرًا على الأقدام في بضع دقائق.
وبعد أن تحول وادي الزيدي الواصل بين المنطقتين إلى خط اشتباكات يفصل مناطق سيطرة الطرفين، بات التنقل بينهما بحاجة للمرور عبر ريف درعا وقطع مسافة تتجاوز 70 كيلومترًا للوصول إلى حاجز الأتاوات والجمارك التابع لقوات الأسد، ودفع مبالغ مالية مقابل تمرير المواد الغذائية والتجارية.
مواد البناء (من الإسمنت والبحص والرمل والحديد) هي أبرز المواد المارة من مناطق سيطرة قوات الأسد إلى ريف درعا الخاضع لسيطرة المعارضة، وتتميز بارتفاع رسومها بحسب طارق سلامة، أحد سائقي شاحنات النقل.
وقال سلامة لعنب بلدي إن المبالغ التي تتقاضاها قوات الأسد على شاحنة الرمل الواحدة تصل إلى 180 ألف ليرة سورية (أكثر من 400 دولار)، موضحًا “مع إضافة تكاليف النقل وأجرة السائقين تصل الشاحنة إلى المدن المحررة وثمنها ضعف ما هو عليه في مناطق سيطرة قوات الأسد”.
ورغم الارتفاع الكبير إلا أن حركة تدفق الشاحنات مازالت مستمرة وتشهد ارتفاعًا تدريجيًا عزاه السائق إلى “غياب مواد البناء بشكل كامل في المناطق المحررة ولا بديل عن استجرارها بسبب الحاجة إليها”.
وبحسب السائق، فإن تجارًا كبارًا يدعمون قوات الأسد هم من يحتكرون توريد هذه المواد لما لها من عوائد مالية كبيرة.
مناطق تجارة على جانبي الحاجز
وخلق التمايز بالأسعار مناطق تجارة في درعا على جانبي الحواجز، دفعت العديد من التجار إلى استغلالها بشكل يشابه أسلوب الاستيراد والتصدير، لتنشأ تجارة جديدة لنقل مواد البناء والمنظفات والكهربائيات والمواد الغذائية من مناطق سيطرة قوات الأسد إلى مناطق سيطرة المعارضة وبيعها بضعف ثمنها.
ورغم تضخم الأسعار، إلا أن هذا الحل ينقذ العديد من المزارعين ومنتجي المواد الغذائية الذين واجهتهم مشكلة في تصريف منتجاتهم كما هو الحال في زيت الزيتون، إذ تشتهر مزارع ريف درعا بانتشار مساحات واسعة من الأراضي تضم مئات الآلاف من شجر الزيتون.
ويمتاز زيت الزيتون الذي تنتجه هذه المنطقة بجودته العالية، وعمد المزارعون قبل الثورة إلى تصريفه باتجاه باقي المحافظات وتصديره إلى الأردن، لكن بعد إغلاق الحدود ونتيجة الفائض في إنتاج زيت الزيتون في مناطق سيطرة المعارضة انخفضت أرباح المزارعين إلى نسب لا تتجاوز 10% من المبيع.
أبو حسان المسالمة، أحد منتجي المادة في ريف درعا، أوضح لعنب بلدي أن المزارع يتكلف خلال العام مبالغ كبيرة للعناية بأشجار الزيتون وجني ثمرها وعصره، وتصل التكلفة الإجمالية للصفيحة الواحدة إلى حوالي 19 ألف ليرة سورية.
وبعد افتتاح موسم الزيتون قبل شهرين ونتيجة العرض الكبير أمام ضعف الإقبال تراوح سعر صفيحة زيت الزيتون بين 20 و22 ألف ليرة سورية، بناء على جودتها.
وقال المزارع إن هذا الهامش من الربح قليل جدًا مقارنة بمعاناة المزارع خلال العام، خاصة في ظل انخفاض نسب إنتاج العديد من المزارع الذي وصل إلى صفيحة واحدة من كل 150 كيلوغرامًا من الزيتون.
ووجد المزارعون في تصدير المواد إلى مناطق سيطرة قوات الأسد في دمشق ودرعا إنقاذًا لمنتجاتهم وأرباحًا إضافية لهم، مستفيدين من التمايز في الأسعار بين الجانبين.
وبحسب المسالمة تتقاضى قوات الأسد ثلاثة آلاف ليرة على كل صفيحة زيت زيتون، ويتقاضى السائق ألف ليرة، وتباع الصفيحة لتجار الجملة بمبلغ 30 ألف ليرة، ما يعطي هامش ربح إضافي للمزارع هو بأمس الحاجة إليه، إذ تصل نسبة الفرق في سعر المنتج إلى ما يقارب 40%.
وربما تعطي المبالغ الصادمة لعائدات قوات الأسد من حاجز واحد فقط جنوب سوريا تفسيرًا بعدم اكتراث النظام أو استعجاله لإعادة تشغيل معبر نصيب مع الأردن، وسط إصرار الأردن ومحاولاتها المتكررة والفاشلة لإعادته للعمل، إذ استطاعت قوات الأسد إيجاد البديل عبر خلق نظام استيراد وتصدير داخلي لا يمر عبر الحدود وفر لها عوائد مالية ربما تتجاوز ما قد يوفره معبر نصيب في حال إعادة تشغيله.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :