يبني دان براون منذ الكلمات الأولى لروايته “الجحيم”، عالمًا يكتنفه الغموض ويسحب القارئ في تياره ليغوص في عالم من الأسرار والرموز، كما تعيش شخصيات الرواية تمامًا.
وتبدأ الحكاية من استيقاظ بطل الرواية في مستشفى غريب بإيطاليا، متعرضًا لأذى بالغ في جمجمته، وفاقدًا الذاكرة بشكل جزئي، خلال اليومين الماضيين.
الرواية بأكملها هي محاولة للبطل، الذي يدعى روبيرت لانغدون، لاسترجاع ذاكرته، ليعلم لماذا تلاحقه عدة جهات، بينها حكومة بلاده، للتخلص منه بعدما كان يعتقد أنها تحاول الوصول إليه لحمايته.
يدخل القارئ بقوة في عالم الرموز والفنون والآداب، حيث يمسك البطل بأول الخيط لفهم ما جرى معه خلال الـ 48 ساعة السابقة قبل استيقاظه، وسرعان ما يغرق القارئ في الممرات السرية لمدينة فلورنسا، وفي عالم “دانتي” الأدبي، الذي يقتبس من قصيدته الشهيرة عنوان روايته “الجحيم”.
ولا تكف الرواية عن ابتكار المفاجآت، إذ تدخل منظمة الصحة العالمية في أحداث الرواية بشكل جوهري، وينتقل الكاتب إلى علوم المستقبل عبر الرموز العائدة إلى القرون الوسطى.
البطل يحمل معه أسطوانة مهمة لعالم هندسة جينية ابتكر وباء للقضاء على ثلث سكان الكوكب، فهو يرى في التضخم السكاني صفارة إنذار تنبئ بانقراض الجنس البشري، ويخطط بمساعدة منظمة سرية لتنفيذ هجوم بيولوجي مروع، للحد من عدد سكان الأرض.
تتحول الرواية إلى مساحة مناقشة فلسفية حول مصير البشر وكوكب الأرض، ويطرح كل طرف حججه بقوة، وتسعى كل شخصية إلى تحقيق قدرها التي تؤمن به، بالعنف والحيلة وكل ما هو مشروع وغير مشروع.
وبالرغم من الجانب الفلسفي للرواية، إلا أنها تقوم على أساس سينمائي قوي، كذلك الذي تتميز به “هوليوود”، حتى يكاد القارئ يتعب من ركض الشخصيات، وتنقلها، وسعيها للحفاظ على الكوكب الذي نعيش فيه، بينما تسعى شخصيات أخرى لتجسيد الجحيم حقًا في محاولة انتحارية تنسف الحق الإنساني المقدس بالحياة.