إبراهيم العلوش
ونحن على حافة عام جديد، مايزال النظام وداعموه، الروس والإيرانيون، يتاجرون بالمعتقلين، وبالمحاصرين، ويسوقون السوريين للتوقيع على وثائق تشرّع وجود نظام الأسد.
وفي هذا الشتاء القارس الذي يسم نهايات العام، واحتفالات العام الجديد، يوجد حوالي نصف مليون إنسان محاصرين في الغوطة الشرقية، بينهم أطفال ومرضى تحاول الأمم المتحدة إجلاءهم، ولكن بوتين يصرّ على استمرار حصارهم، ويهدد باستعمال الفيتو اذا اجتمع مجلس الأمن لإنقاذهم، وهو لن يجمتع من أجلهم، فالفيتو الروسي صار حصانًا للأسد يدوس به على الحقوق، وعلى الناس كيفما يشاء.
بوتين يصرّ على معاقبة السوريين، لأنهم لم يقبلوا بشبح الأسد، وهم لن يقبلوا بوجوده مهما قصفت الطائرات الروسية، ومهما هدد لافروف، ومهما وجه الكرملين من إنذارات تشبه إنذارت غورو التي سبقتها بمئة عام.
أطفال الغوطة المرضى والمحاصرون يتناقصون يومًا بعد يوم، إذ يحصدهم الألم والجوع والمرض، بينما بوتين تزداد صورته بنظر السوريين، وبنظر العالم إرهابًا، فوق إرهاب طائراته، وقصفها الوحشي للمدنيين.
الأمم المتحد تطالب بإنقاذ الأطفال في الغوطة، وبوتين وتابعه يساومان حتى على عدد حبات وجع الرأس، التي يحق لأهل الغوطة إدخالها إلى منطقتهم، رغم أن روسيا تدعوها بمنطقة خفض التصعيد، والتي وقع عليها بوتين، وشيخ مشايخ المقاومة الخامنئي، ودقوا على صدورهم، بحماية المدنيين وخفض القصف الذي استبدلوه بالحصار حتى الموت.
بوتين يريد من أطفال الغوطة أن يقبلوا بالأسد، ويريد أن يؤدّب ذويهم الذين يرفضون استمرار من دمر بلادهم، وقتل معتقليهم، ويحاجج عبر وزارة خارجيته وعبر الناطقة باسم الكرملين ماريا زاخاروفا، التي تصدت للرئيس التركي، وتريد تفنيد أقواله طالبة البراهين القانونية التي تثبت أن الأسد إرهابي.
إيران ومشايخها وشبيحتها، يتنحون جانبًا عن المعركة الإعلامية التي يديرها بوتين في غسيل سمعة الأسد، ويذود عنه تهم الإرهاب الذي يغطس في مستنقعه حتى أعلى رأسه، إيران تكتفي بالعمل على الأرض، فهي تدير المعتقلات والحواجز، وتنظم الاغتصاب، وتوفر أفران حرق جثث من لا يصمد من المعتقلين تحت التعذيب، حيث تورّد أفرانًا لا تبقي أثرًا للمعتقلين، وتذر رمادهم في الهواء، لينكر النظام وأجهزة مخابراته معرفتهم بالمعتقلين أو بمصيرهم، ويوفر على نفسه توزيع المبررات التي أودت بهم كجلطة قلبية، أو غيرها من الأكاذيب التي سئم الناس سماعها، ولكن بوتين وماريا زاخاروفا مايزالان مقتنعين بها.
أطفال الغوطة مايزالون ينتظرون إجلاءهم، والمحاصرون في منطقة خفض التوتر والتصعيد، ينتظرون نهاية مؤتمر سوتشي للشعوب السورية، الذي ابتكرته العبقرية الروسية، وهي المتمرسة بإرهاب الشعوب وتهجيرها، عبر المئة عام الماضية، حيث كان الاتحاد السوفياتي الصديق يوزع برامج التعذيب، ويرسل الخبراء الروس إلى السجون السورية، لتعليم الشبيحة عمليات إتقان التعذيب على أكمل وجه، قبل أن يأتي الدكاترة المجاهدون الإيرانيون، الذي يمارسون التعذيب من أجل اللذة والحقد ونصرة المقاومة.
مجلس الأمن الدولي يئس من الفيتوهات الروسية، وترك السوريين لقدرهم الروسي، والإيرانيون يتلاعبون بهم في هذا الشتاء القارس، ووسط سيل من المؤتمرات ومن الوفود والتلاعبات التي تجترحها العبقرية الروسية في تعذيب السوريين وتوزيع الاتهامات عليهم.
لماذا يؤيد بوتين نظام الأسد بكل هذا الحماس، ما هو سر الإعجاب المتبادل بينه وبين هذا النظام الوحشي الذي يفتخر بالموت وبالتعذيب، ويسخّر بوتين سمعة روسيا ومكانتها الدولية لاستمرار هذا النظام، مثلما يسخّر الطائرات والبوارج لتدمير المدن السورية ولحماية المعتقلات، ومناطق الحصار التي يحددها الإيرانيون على الأرض بالتشارك مع شبيحة الأسد.
على أنقاض مدينة غروزني، عاصمة الشيشان، صعد بوتين إلى الحكم عام 2000، وهو نفس العام الذي استولى فيه بشار الأسد على الحكم في سوريا بالتزوير الذي طال حتى تغيير الدستور. وبوتين مثل الأسد، أيضًا يتحايل على القوانين، ويرشح نفسه رئيسًا أبديًا عبر التدليس والتحايل على الشرعية.
بوتين أعاد الأضواء إلى روسيا بمبدأ حماية الاستبداد والاحتفاء بالمستبدين، وبنشر ثقافة التحايل في المجال الرياضي، قبل أن يؤدي شيوع استخدام المنشطات إلى حرمان الكثير من اللاعبين الروس بأولمبياد 2018، الذي سيقام في روسيا نفسها.
وأعاد بوتين استخدام العلوم السوفيتية بنشر ثقافة القرصنة الإلكترونية، فتدفق الهكر الروسي في كل ثنايا الشبكة العالمية للإنترنت، وتدخل حتى في الانتخابات الأمريكية.
بوتين استولى على أجزاء من الأراضي السورية والثروات الباطنية في اتفاقيات مجحفة، تحتقر القانون، والشعب السوري، من أجل أن تبدو روسيا دولة منتصرة، رغم أنها تهوي في عالم المافيات والتحايلات الدولية، وتعود إلى وصفة مهترئة من الاحتلال والاستعمار الأجنبي لسوريا.
بوتين يدعم الهوس الإيراني في تدمير العالم العربي، ويؤمّن الغطاء له بطائراته الحربية المتطورة، وبتعطيل مجلس الأمن الدولي، الذي استخدمت روسيا الفيتو فيه أكثر من إحدى عشرة مرة، لاستمرار التدمير والتهجير الطائفي في سوريا.
أكثر من 48 ألف جندي روسي، كما صرح بوتين نفسه قبل يومين، دخلوا البلاد السورية لاحتلالها، ولدعم الأسد وتدمير سوريا. وما قتل أطفال الغوطة وخنق محاصريها، إلا تعبير عن استمرار هذا النهج البوتيني، ورسالة انتخابية غداة ترشحه للانتخابات الروسية المقبلة في آذار عام 2018.
الأسد تابع بوتين في سوريا، وخادمه، ولعبته المشتهاة في تعذيب السوريين، وما الإصرار على خنق سكان الغوطة، إلا هوس روسي يقارب هوس الأسد، ويتناغم معه في نشر الظلم والدمار في بلادنا.
ولكن الشعب السوري قام من أجل الحرية، ورغم العذابات التي يعانيها، سيعاود هذا الشعب، التمسك بحقه في الحرية والكرامة، ولن يفهم بوتين ولا تابعه أبدًا أن الشعب السوري قادر على القيامة من هذا الجحيم ولو بعد حين.