لم يفقد البحر الأحمر مكانته الاستراتيجية رغم اشتعال الحروب من حوله، بل إن الكثير من المؤشرات تقول إن الصراعات الدائرة في الفضاء المحيط بالبحيرة المالحة العملاقة إنّما تهدف للسيطرة عليها تحديدًا وعلى ما يجاورها من أراض مختلفة الجنسيات والاتجاهات.
اللاعبون الدوليون والإقليميون يدركون أهمية البحر الأحمر، ولذلك حرصوا على تثبيت قواهم بشكل أو بآخر في هذه البقعة أو تلك.
السودان تسلم تركيا جزيرة سواكن
حاول الرئيس التركي تجنب استفزاز الدول المطلة على البحر الأحمر، خاصة السعودية ومصر، بقوله إن تسلم بلاده لجزيرة سواكن، يأتي لغرض اقتصادي بحت يهدف إلى ترميم وتطوير الجزيرة، إلا أنه يعزز السعي التركي للتمركز في البحر الأحمر وإن لم تعترف أنقرة بذلك.
ويرى محللون أن الخطوة التركية هذه تهدف لجعل الجزيرة نقطة انطلاق لمشاريعها في القارة السمراء والبلدان المطلة على البحر الأحمر، خاصةً بعد فشلها الأوروبي.
بينما يقول معتمد محلية سواكن (بمثابة رئيس البلدية)، خالد سعدان، إن هذه الخطوة التاريخية فرصة كبيرة لإنعاش القطاع السياحي والاستثماري في الولاية.
للجزيرة أهمية تاريخية بالنسبة للأتراك كونها كانت مركزًا للبحرية في الدولة العثمانية، لعشرات السنين، كما كانت مقرًا للحاكم العثماني في منطقة جنوب البحر الأحمر، وذلك في الفترة بين عامي 1821 و1885.
وتجنب أردوغان استفزاز السعودية ودول الجوار، بهذه الاتفاقية، بقوله إن سواكن ستكون محطة للأتراك الراغبين في السفر إلى مكة والمدينة لغرض الحج والعمرة.
روسيا تتجاهل عرضًا سودانيًا وتستخدم قواعد مصرية
بعد أن عرض الرئيس السوداني، عمر البشير، على روسيا استعداد الخرطوم لاستضافة قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، أكد دبلوماسي روسي أن بلاده ترغب في إجراء مشاورات مع اللاعبين الإقليميين المهمين، قبل اتخاذ القرار النهائي في شأن الفكرة السودانية.
لكن روسيا وبعد أيام من عرض البشير، بدأت التفاوض مع القاهرة على تنظيم عملية استخدام أجواء ومطارات البلدين للأغراض العسكرية.
وعللت موسكو مفاوضاتها مع القاهرة بالنجاحات التي حققها جيشها في سوريا، وهو ما دفعها لتنشيط النقاشات بهذا الشأن.
وتوصلت موسكو والقاهرة إلى اتفاق مبدئي نشرت بنوده الحكومة الروسية، نهاية تشرين الثاني الماضي، يسمح باستخدام قواعد عسكرية بين البلدين لمدة خمس سنوات.
السيسي تخلى عن تيران وصنافير للسعودية
من أجل استمرار الدعم الاقتصادي والسياسي من قبل السعودية ودول الخليج لمصر، برئاسة عبد الفتاح السيسي، قبلت القاهرة بتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
وتتحكم الجزيرتان بمدخل خليج العقبة، وميناءي العقبة في الأردن، وإيلات في إسرائيل.
وتقع جزيرة تيران عند مدخل خليج العقبة، على امتدادٍ يتسم بأهمية استراتيجية يطلق عليه “مضيق تيران”، وهو طريق إسرائيل لدخول البحر الأحمر.
ورغم أن الجزيرتين غير مأهولتين بالسكان، إلا أن استثمار السعودية لهما عسكريًا أمر متوقع، فقد كانتا قواعد للقوات المصرية قبل الاتفاقية، التي تنص على انسحاب الوجود العسكري المصري منهما.
اليمن بوابة للسعودية والإمارات وإيران
وتؤكد مساعي السعودية في المراقبة على الممرات الدولية، والتحكم بمصير الملاحة الدولية، محاولاتها لتأمين ميناء الحديدة اليمني تحت نفوذها.
وتتحكم السعودية، التي تقود التحالف العربي في اليمن، بحركة الميناء، لكنها لا تسيطر عليه فعليًا، وإنما جماعة “أنصار الله” الحوثي، المدعومة من طهران.
وتسيطر السعودية على باب المندب الاستراتيجي، الذي يفصل البحر الأحمر عن المحيط الهندي، ويصل بين قارتي آسيا وإفريقيا.
أما الإمارات فتواجه اتهامات بتحويل ميناء المخا على باب المندب، إلى ثكنة عسكرية، تؤمن عمقها الاستراتيجي على البحر الأحمر.
جيبوتي خاصرة سعودية
وعلى الشاطئ المقابل لباب المندب، تسعى السعودية كذلك لبناء قاعدة عسكرية في القرن الإفريقي، وتحديدًا في جيبوتي، ضمن سعي المملكة للعب دور أكبر في أمن المنطقة.
ووقع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووزير الدفاع الجيبوتي، علي حسن بهدون، اتفاقية عسكرية، قيل إنها للتنسيق حول مراقبة أي تدخل عسكري أو تهريب للسلاح من إيران إلى اليمن.
وتشير الدلائل إلى صراع قد ينشب في منطقة البحر الأحمر في المستقبل، ضمن سباق السيطرة على موانئ البحر بين قوى مختلفة، هذا البحر الذي يعتبر ممرًا لنحو 3.3 ملايين برميل من النفط يوميًا.