قبل أسبوع، تداولت تلفزيونات ومواقع اخبارية أنباء عن وصول قوات “نمور الليل” الصينية الخاصة إلى ميناء طرطوس. بدأت “الشائعة” بخبر نشرته وكالة “سبوتنيك” الروسية، نقلاً عن “سانا” الرسمية، جاء فيه أن القوة الصينية وصلت سوريا للمشاركة في القتال إلى جانب قوات النظام والميليشيات الداعمة لها. لكن “سانا” أعلنت أنها لم تنشر أي خبر في هذا الخصوص.
لم يكن انتشار الخبر يتيماً، بل جاء في سياق منطقي بعد حدثين: انطلاق المعارك على محور الشمال حيث يلعب “الحزب الاسلامي التركستاني” (يضم آلافاً من أقلية الاويغور المسلمة في الصين)، دوراً اساسياً في الصفوف الأمامية، وايضاً زيارة لأحد رموز النظام بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري إلى بكين. في الحدث الأول، احتل مقاتلو التركستاني الصفوف الأمامية في مواجهة قوات النظام وتنظيم “داعش”، وبات واضحاً أنهم رأس حربة في الدفاع عن ادلب وأغلب الشمال السوري. في الثاني، كان لافتاً أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي حرص على أن يشكر شعبان، بصفتها ممثلة للنظام، على دورها “في مكافحة إرهابيي جبهة تحرير تركستان الشرقية التي تندرج ضمن قائمة الجماعات الإرهابية في الأمم المتحدة”، مؤكداً “تطلع بلاده إلى التعاون مع سورية في هذا الشأن”. وهذه اشارة لافتة إلى دور صيني مرتقب، رغم عدم تحديد ماهيته.
لكن في ظل غياب أي معطيات دقيقة من الداخل السوري عن وجود قوات صينية، ناهيك عن مشاركتها بالقتال، لماذا تحصل هذه التسريبات ومن خلفها؟
بيد ان الصينيين، ومنذ العام 2011، حذرون جداً حيال اي إعلان من هذا النوع، حفاظاً على علاقاتهم الاقتصادية في المنطقة. والدليل أن بكين ورغم كل التقارير المتواترة عن مساعداتها العسكرية للنظام السوري، تُصر على أن دورها يقتصر على توفير الإمدادات الانسانية لا غير. ولا يوجد حتى الآن أي تصريح رسمي عن مستشارين عسكريين صينيين ومعدات عسكرية وذخائر قدمتها بكين للنظام.
في المقابل، لم يلتزم النظام بالحذر ذاته، لا بل يُبدي تسرعاً باتجاه إعلان دور عسكري للصين إلى جانبه، بما يُعزّز الموقف الرسمي على الساحة الدولية. السفير السوري في الصين عماد مصطفى يتحدث عن المقاتلين الأويغور في سوريا اكثر مِن السلطات الصينية نفسها، لا بل يُضخم القضية على طريقة وزير الخارجية الأميركي السابق كولين باول الذي نفخ في “الأدلة” الاستخباراتية الأميركية على تنامي القدرات الكيماوية لنظام صدام حسين تمهيداً لاطاحته العام 2003. لكن الفارق هنا أن النظام السوري يستجدي التدخل لإضافة المكون الصيني إلى التشكيلة المتوافرة حالياً، وفيها الايراني واللبناني والباكستاني والأفغاني والروسي. على سبيل المثال، ادعى السفير السوري لدى الصين في تصريحات للاعلام في شهر شباط الماضي، بأن هناك 5 آلاف من أقلية الأويغور المسلمة، يُقاتلون في سوريا، لافتاً الى أن أعدادهم تتزايد. والعبارة الأخيرة، أي الحديث عن تزايد أعدادهم، غير منطقية في ظل الاجراءات الحدودية، ولا تستند إلى معلومات وأدلة، إلا أنها مفيدة لتعجيل تدخل صيني مرتقب.
والصينيون يستعدون لمرحلة ما بعد الحرب السورية من خلال حملة أمنية واسعة النطاق في اقليم سنجيانغ (تركستان الشرقية) شمال شرقي البلاد حيث يُساق المشتبه بهم بالآلاف الى سجون، ويُراقب المواطنون بشكل جماعي عبر شبكات مخبرين، وفقاً لتحقيق نشرته وكالة “أسوشيتد برس” قبل أيام. مراسلو الوكالة قابلوا أيضاً مقاتلين سابقين في “التركستاني”، أكدوا أن دافعهم الأول للانضمام للقتال في سوريا، لم يكن كرههم لنظام الأسد، بل رغبتهم في اكتساب خبرات عسكرية من أجل الانتقام من الصين.
معلومات الوكالة تتقاطع مع مصادر عديدة واصدارات الحزب الاسلامي التركستاني من سوريا خلال السنوات الماضية، وتركيزها على الوضع الداخلي (في الصين) بدلاً من دمشق ونظامها.
سوريا محطة على طريق العودة للصين، لذا لا يُستبعد دوراً صينياً باتجاه حسم سريع ضد هذه القوة في مهدها.