يحيى طه شربجي، شاب من عائلة عريقة في داريا، ناشط سياسي لاعنفي من مواليد داريا 21 كانون الثاني عام 1979، يتوق للحرية كما تتوق العصافير للطيران، كضرغام يأبى القيد ولا يرضاه لغيره، أخلاقه كريمة وهمته عالية ورؤاه الإنسانية عميقة عيناه تشعان محبةً وتسامحاً ورأفةً، تجده حين تفقد المعين، يهرول ليساعد القانع و المعتر بصمت كريمٍ وشهامةٍ بلا حدود. ترى في خفة ظله وروحه الرحبة وضحكته البريئة وعيونه الخجولة وجلسته الوقورة شاباً سورياً يفتدي السوريين بدمه وماله.
نشأته الفكرية.. وتجربته مع شباب داريا 2003
نشأ يحيى في أسرة معتدلة متنورة، وبدأ فكره يتشكل في دروس مسجد أنس بن مالك مع الأستاذ عبد الأكرم السقا ومجموعة من الشباب المثقف. ثم تابع مع رفاقه متأثراً بالأستاذ جودت سعيد، داعية العدل والسلام واللاعنف في سوريا، فنشأ في وسط فكري غنيّ يعتمد النقد الفكري أحد أسس بناء الفكر، وقبول الآخر المختلف أحد أركان العدل والتسامح بين الناس.
روَت أفكارَه وشخصَه التربية القرآنية التي تلقاها على يد الأستاذ عبد الأكرم السقا، وأكمل يحيى صقلها بقراءاته العديدة وحضوره لمجالس الفكر والعلم. فلم يكن التلميذ الذي يتعلق بشخص أستاذه ويتقوقع في منظومة فكرية واحدة، بل كان إنسانًا منفتحًا ناقدًا على الدوام. شارك مع إخوته في عام 2003 بنشاطات اجتماعية تبرز حق المواطن في اهتمامه بقضايا وطنه وتؤكد على أولوية البدء بالتغيير من مستوى الأفراد، فأعلنوا مشروع “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، والذي يدعو إلى الامتناع عن الرشوة، وإلى تنظيف قطاعات من البلد، ومقاطعة المنتجات الأمريكية، كما شارك في تنظيم مسيرة صامتة احتجاجاً على الغزو الأمريكي للعراق، وأقامة صلاة الغائب على أرواح شهدائه. فاعتقل مع رفاقه في 3 أيار من ذلك العام، وقضى سنتين ونصف من الاعتقال التعسفي، بعد محاكمة ميدانية سريّة حُكم عليه فيها بالسجن لأربع سنوات، وتم تجريده من حقوقه المدنية ومنعه من السفر، وقد واجه الحبس الانفرادي لمدة ستة أشهر لأنه لا يعترف بسلطة الفروع الأمنية على المواطن، عندما واجه رئيس فرع المنطقة العسكري بقوله: «نحن لم نخطئ! وإن أخطأنا فالقضاء يحاسبنا وليس أنتم».
يحيى في ثورة الكرامة
ومع بزوغ فجر الثورات العربية في أواخر العام 2010 وأوائل العام 2011 تابع يحيى باهتمام بالغ ما يجري داخل البلدان العربية الشقيقة. لم يكن في مخيلة أحد، بمن فيهم يحيى، أن الثورة ستتفجر في سوريا كما حدث، لكنه كان يرى أن من واجبه وواجب رفاقه حمل رايتها إذا قامت، للعمل على احتوائها ومحاولة منعها من الانجراف نحو ارتكاب الأخطاء.
وفي شباط 2011 خرج في اعتصام أمام السفارة الليبية للتنديد بما يفعله معمر القذافي بشعبه، وقوبل مع رفاقه بالقمع المعتاد، ثم شارك في اعتصام مع أهالي معتقلي الرأي والضمير أمام وزارة الداخلية في 16 آذار من أجل المعتقلين السياسيين الذين بدأوا بإضراب عن الطعام رفضاً لاعتقالهم التعسفي.
يحيى شربجي، يؤمن بقدرة الشباب على التغيير، ويمقت الطائفية بشدة. ويرى أن كثيراً منا ورث أفكاره عن آبائه ولم يخترها. وبدا إيمانه بالإنسان في ممارساته اليومية وتعليمه لشباب بلده، وحضّهم على القراءة، ودأبه على متابعتهم حتى لا ينجرفوا إلى عنف يحرقون أنفسهم فيه، فبدأ بلقاءات مع الشباب في داريا لمناقشة وتبادل الأفكار حول الطرق السلمية للتغيير، وكان في مقدمة مظاهرات بلده المطالبة بالإصلاح والحريات قبل أن يستفحل إجرام النظام في قتل الناس وينتقل للمطالبة بإسقاط النظام.
وردة السلمية .. والتغيير من أجل البناء
يحيى شربجي، اسم حُفر في قلوب شباب داريا قبل شيوخها، يحبونه ويرغبون بصحبته. يقول أحدهم: “لا أذكر أن أحدهم احترمني وناقشني كما فعل يحيى”. ويقول آخر: “ما التقيت في بلدي شخصاً يحمل رؤى مستقبلية وعميقة وتحمل في طياتها العدل والمحبة والتسامح كما يحمل يحيى”. وقالت إحداهن: “قال لي أنتن النساء لديكن الكثير لتقدمنه، أثبتن أنكن على قدر المسؤولية، فالحرية تُمارس ولا تُعطى”.
يقول يحيى: «أن أكون مقتولًا أفضل من أن أكون قاتلًا»، ويرى أن الثورة يجب أن تغّير وجهات نظرنا عن كل شيء، عن الدين والمجتمع والسياسة. وأنه «يجب أن تتحقق الثورة في داخلنا قبل أن تتحقق على الأرض».
كان يحيى من أكثر الناس حرصًا على أن تبقى المظاهرات سلمية، وكان رده على سؤال في لقاء على قناة العربية عن توزيع المياه والورود على قوات الأمن والجيش بالرغم من عمليات القمع العنيف: «كيف استطاع النظام أن يشوه الناس إلى هذا الحد؟ بحيث يجعل ذلك الشبيح قادراً على أن يقتل إخوته في الوطن. لقد خرّب النظام الناس من الداخل، فإصرارنا على السلمية، حتى نبني سوريا الجديدة بلا عنف، سوريا التي تستطيع أن تحل مشاكلها الداخلية بالعقل وليس بالسلاح، كما اعتاد هذا النظام أن يحل مشاكله مع الناس، فعندما نقدم الورود فنحن نقدمها لأنفسنا بدايةً». وبهذا فإن يحيى يبحث عن تغيير حقيقي يختلف عمّا مضى من تاريخ سوريا.
استشهاد غياث.. واعتقال يحيى
غياث مطر ويحيى شربجي.. نسران يحلقان في سماء الحريّة، تلاقت طموحاتهما في بناء سوريا الكرامة، وتعمقت صداقتهما فتشاركا أدق تفاصيل يومهما، عندما اضطرا إلى التواري في أماكن مختلفة، بعد محاولات عناصر المخابرات إلقاء القبض عليهما في عدة مداهمات، فأصر غياث أن يرافقه في خروجه للقاء أخيه معن، الذي اتصل فيه يخبره أنه أصيب في مداهمة عناصر الأمن للمزرعة التي كان يقيم فيها، ليتفاجأ بكمين دبره لهما فرع المخابرات الجوية باستخدام طريقة “دنيئة”، وكان بإمكان يحيى الهرب من الكمين، ولكنه عاد أدراجه عندما أصيب غياث، فاعتقلا على إثرها. ليعود غياث بعد ذلك بيومين وقد قضى تحت التعذيب، وليبقى يحيى معتقلًا حتى هذه اللحظة.
“ننتظرك بفارغ الصبر يا يحيى، أنت ورفاقك الأطهار حتى نبني سوريا الجديدة”.