أخواتي في فيلم: سوريا.. الصرخة المخنوقة
إبراهيم العلوش
أربع سوريات تحدثن مكشوفات الوجوه، عن الاغتصاب في سجون نظام الأسد وشبيحته المجرمين، أربع نساء يمثلن أعظم ما انتجت الثورة السورية من شجاعة، ومن ثقة بالنفس، ومن قدرة على التضحية، إلى درجة أذهلت العالم.
السوريات اللواتي شاركن في فيلم “سوريا.. الصرخة المخنوقة”، هن أخواتي، وليس هذا الكلام من باب الاستيلاء على جهدهن وشجاعتهن التي لم أمتلك مثلها، بل من باب الفخر بهذه الشجاعة.
عرض الفيلم على قناة “فرانس 2” بتاريخ 12 كانون الأول 2017، وكان هذا حدثًا كبيرًا، هزّ المجتمع السوري، والمجتمع الفرنسي، هز المجتمع السوري لأن جيلًا جديدًا من النساء الشجاعات تقدم خارقًا للصمت، ورافضًا وأد الحقيقة والمعاناة، كما فعلت أسلافهن، بعد أحداث الثمانينات، التي تواطأ النظام والكثير من النخب السورية على ردم وحشيتها، ووأدها تحت التراب، وتم نسيان معاناة عشرات ألوف السوريين والسوريات من الاغتصاب ومن الانتهاكات الوحشية لنظام الأسد الأب وعصابته، وهذا الوأد والسكوت عنه، هو الذي مهد لهذا الخراب وهذا الدمار، إذ أعطى المجرمين في نظام الأسد ضوءًا أخضر، للاستمرار بانتهاكاتهم، واغتصابهم للشعب السوري.
استيقظت فرنسا واستيقظ السوريون في اليوم التالي بعد عرض الفيلم على القناة الفرنسية الشهيرة وعلى مختلف وسائل الإعلام والميديا الاجتماعية، استيقظ العالم على أصوات أربع نساء سوريات من درعا ومن حماة ومن حمص، وهن يتحدثن عما رأين من اغتصاب للسوريات، وعما جرى لهن في المعتقلات، غير آبهات بالصمت، ولا بلذة السلامة المتأتية من تجاهل ما حدث لهن، ولبناتهن، ولزميلاتهن في المعتقلات السورية.
تم رفع عرائض احتجاج إلى الرئيس الفرنسي، وقعها عشرات آلاف الفرنسيين ويطالبونه بإنقاذ المعتقلات السوريات، والمنظمات الحقوقية الفرنسية كذلك، نظمت نشاطات على مختلف الأشكال، في معظم أنحاء فرنسا، لاستعراض ما قالته السوريات في ذلك الفيلم، وما أمطن اللثام عنه، أمام هذا العالم المتحيز لنظام الأسد، والذي يحاول بكل السبل إعادة استصلاح مجرمين من الشبيحة، ومن أعوان الاحتلال الروسي والإيراني، وتمرير ما فعلوه من جرائم، تهزّ ضمير من تبقى له، ولو عرقًا صغيرًا من الحياء ومن الخجل.
وكالات الأنباء صمتت مذهولة من أقوال السوريات، وأوقفت، ولو إلى حين، بروباغندا شرعية الأسد، وعدم وجود بدائل وما إلى ذلك من أكاذيب تمرير جرائم الأسد وشبيحته.
المقدم سليمان في الفيلم يغتصب السوريات، ويعمل قوادًا للضباط الآخرين ولضيوفهم، قوادًا على أجساد المغتصبات، وهن يرفعن الصوت عاليًا، ويقلن لنا، وللعالم لا تبحثوا عن الدليل، ولا عن القرائن، نحن السوريات اللواتي وقعن ضحية الاغتصاب، مع غيرنا من المعتقلات المغيبات في الظلام، وفي مدافن الصمت الذي يخنق الحقيقة، بحجة العار والعيب، وما إلى ذلك من بهارات الجبن التي أتقنا التعامل بها خلال نصف قرن من حكم هذه العائلة المجرمة، ومن ممارسات أتباعها الذين لا يهدأ لهم بال، إلا اذا تلوث كل الشعب السوري، وتمت إهانته للانتقام مما يعانونه من دونية ودناءة، تعمل طوال الوقت على تبرير الخراب تحت شعار: والله كنا عايشين!
أبكاني الحديث عن مشهد “علوا” وهي تغتصب من قبل الشبيحة في أقبية المعتقل، ولا يخرج إلا صوتها الواهن: يا الله!
“علوا” انتهكت حرمة جسدها على أيدي السجانين في فرع المخابرات، وصاحت بوجهنا “يا الله!”. لم نستجب لإغاثتها، بل قام والدها بقتلها للخلاص من قصتها، ولدفن تخاذله، وتخاذل مجتمعه عن الدفاع عن كرامته، وعن نفسه، وفضل الصمت والاندثار تحت ظلامه، الذي يهنأ الكثير من الجبناء في العيش تحته.
لقد اغتصب النظام “علوا”، ويشتبه بأهلها بأنهم أجهزوا عليها تحت شعارات العار والبطولات الرجولية الوهمية، النظام والخاضعون للنظام، والمروجون للصمت والسكوت على الجريمة، مشاركون بانتهاك أعراض السوريات، وكل من يتهم سورية أو سوريًا يكشف عن الحقيقة مهما كانت جارحة فهو شبيح، ومروج للاستبداد، ولاستمرار عصر الخوف.
لقد تنكر الكثيرون لمعاناة النساء في الثمانينات كهبة دباغ وعزيزة جلود وآلاف غيرهن، بحجة أنهن أخونجيات، أو غيرها من الحجج والتصنيفات التي تحيل إلى تجاهل معاناة الإنسان كبشر قبل تصنيفه كسياسي.
واليوم يتم التنكر لمخطوفات مثل رزان زيتونة، وسميرة الخليل، وغيرهن بحجة أنهن شيوعيات، أو علويات، أو يتم الإيحاء باتهامهن بتهم شتى، تحاول النيل من نزاهتهن وتضحياتهن، قبل الإفراج عنهن.
كما يتم نشر إشاعات ضد المعتقلين، وضد نسائهم، وضد أرامل الشهداء، إلى درجة محاولات اجبارهن على الزواج من قبل مشايخ لا يملكون في هذه الدنيا إلا فتاوى النكاح، بحجة الحفاظ على أعراضهن من الانتهاك، غير مدركين بأنهم هم المنتهكون في شرفهم، وفي كرامتهم، من خلال فتاوى تنم عن الدناءة، والخِسّة، للاعتداء على الأرامل، وعلى اللاجئات السوريات.
أخواتي بطلات فيلم “سوريا: الصرخة المخنوقة”، اسمحن لي بأن أقبّل رؤوسكن، اسمحن لي ان أردد أمامكن أغنية الفلسطيني الثائر: أناديكن.. وأبوس الأرض تحت نعالكن.. وأقول أفديكن!
نون النسوة اليوم تعيد تعريف الشجاعة، وتميط اللثام عن سواد الصمت الذي نهرب تحته، وتحية لكل السوريات اللواتي يعانين، ويتحملن الأعباء الكبيرة للاستمرار في الحياة.. ويتحدين هذه الظروف الوحشية.
ولا نملك نحن السوريين اليوم، إلا أن نقول كما قالت “علوا” وهي تُغتصب: يا الله!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :