تتضح، يوما بعد آخر، هوية أصحاب المشروع الداعشي. وتتأكد واقعة أن اتهام الشعب والثورة السوريين بالوقوف وراءه كان سياسة دولية أملتها حساباتٌ ليس بينها سوء التقدير، جعلت الثورة أول ضحاياه، وحين أوشك على السقوط خلال الأشهر الماضية، أبدت قدرا من الحرص عليه، ما كان أحد يتوقعه، لإنقاذه من مصير محتوم توعده الجميع به نيفا وثلاثة أعوام. ثم، وما أن قضت مجاميع “داعش” على الجيش الحر في المناطق التي كان قد أخرج النظام منها، حتى برزت جهود تتسم بالغموض والسرية لإنقاذ أمرائها ومقاتليها، فأنقذ الأميركيون الذين تذرّعوا بالحرب ضدها، لاحتلال نيف وأربعين ألف كيلومتر مربع من شمال سورية وشرقها، بعض أمرائها، بشهادة روسيا التي تحدثت عن التقاط وحدة أميركية مجوقلة أمراء داعشيين، بينهم أمير مالية التنيظم وأسرته، وفي حوزته صناديق مجهولة المحتوى. ووصف سائقون سوريون، أمروا بنقل مقاتلي “التنظيم الإرهابي” من الرّقة إلى دير الزور، حجم ما حملوه من أسلحة متوسطة وثقيلة وذخائر، بالإضافة إلى 4500 مقاتل وامرأة وطفل، فكيف تمت عمليةٌ كهذه، احتاج تنفيذها سبعة أيام، رتب كل شيء خلالها وكأن الرّقة لا تعيش حربا، أو تتعرّض لقصف جهنمي من الطيران الأميركي، أو يوجد اتفاق أميركي/ روسي بعدم التعرّض لقافلتهم التي بلغ طولها نحو سبعة كيلومترات، واجتازت قفارا صحراوية، وكان فيها عدد كبير من الأجانب، يصحبهم واحد من أكبر أمراء التنظيم. كما نشرت وزارة دفاع روسيا صور قافلة عسكرية داعشية في طريقها من دير الزور إلى البوكمال، وأكدت أن واشنطن حمتها.
وكشف الأميركيون أن أكثر من 97% من جهد روسيا العسكري استهدف الجيش الحر، وتحاشى الرّقة، عاصمة التنظيم، باستثناء مراتٍ تعد على أصابع يد واحدة، استهدفوا خلالها مناطق طرفية لا أهمية لها، وكذلك فعلوا في دير الزور، وصولا إلى حدود العراق، حيث استهدفوا مدنيين.
يوجد كثير من الحقيقة في هذه المعلومات، فالروس ركّزوا جهدهم بعد غزو سورية على إبادة الجيش الحر، وسمحوا لقوافل داعشية اجتازت الصحراء باحتلال تدمر مرتين، من دون إطلاق رصاصة عليها، بينما قصفوا الشعب الآمن، ودمّروا ما استطاعوا تدميره من الجيش الحر، بينما لعبت فزّاعة “داعش” دورا مهما في تسويغ حربهم ضد السوريين، وفي المحافظة على التنظيم الإرهابي في الشمال البعيد، حيث أقام “دولة”، ونشر قواته الرئيسة، لكن الروس أبقوا عليه ليكون أداة مساومة مع واشنطن وأنقرة المتهمتين روسيا بدعمه.
لا حاجة لأدلة تؤكد تعاون حزب الله وإيران مع “داعش” وجبهة النصرة، بعد فضيحة إخراج مسلحي التنظيمين من البقاع بحافلات مكيفة إلى دير الزور، تحيط بهما من دون خجل حراسات حسن نصر الله وراياته، وهو الذي لطالما زعم أنه غزا سورية لمقاتلة التكفيريين، ولمنعهم من اختراق لبنان. وحين استسلم هؤلاء بعد معركة تهريجية فضحها الإعلام اللبناني، أوصلهم بأمان وحرص إلى حيث يستطيعون استئناف “إرهابهم” ضد الجيش الحر والشعب السوري. وعندما حالت واشنطن دون بلوغهم غرضهم، أصدرت الخارجية الايرانية بيانا يتباكى على حقوق الإنسان، ويطالب بفك “الحصار” عن الأطفال والنساء المحتجزين في الصحراء، فاستجابت واشنطن لنداء الإنسانية، ودموع الغفران في مآقي عسكرها الذي يستميت للقضاء على “إرهاب داعش”.
يفضح هذا الموقف الموحّد من “داعش” وجود سياسات أميركية/ روسية/ إيرانية/ حزب اللاهية تسمح لمقاتليها بالإفلات من الموت والأسر، في سورية والعراق، حيث بطش “الحشد الشعبي” بالآمنين من العراقيين، وترك الدواعش يغادرون الموصل وتلعفر إلى سورية، بينما سمح الأميركيون بمغادرة معظم دواعش سورية إلى العراق! ألا تلقي هذه الوقائع الأضواء على هوية “داعش” شركة مساهمة أسستها مخابرات دولية، تنقذ اليوم مندوبيها فيها، وتحافظ على “التنظيم” لأنه إرهابي.
قتل الاميركيون والروس والإيرانيون عشرات آلاف السوريين، وخاض الأسد حربا منظمة، بمعونة طهران وموسكو ضد شعبه، بحجة الحرب على إرهابٍ أخرج قادته من سجونه، وأسهمت مخابراته في تنفيذ عديد من عملياته. وعندما لاحت فرصة القضاء عليه، سارع الجميع إلى إنقاذه وإعادته إلى السرية، ليستخدموه من جديد، في حروب أخرى ضد “إرهاب داعش”، الذي نجحت الحرب ضده إلى درجة مكّنته من الانتشار والقتال في بلدان عديدة في آسيا وأفريقيا. .. مات الإرهاب، عاش “داعش”.